السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته الحمد لله ربّ العالمين حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه يوافي نعمه ويكافئ مزيده وأشهد أنّ لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له واشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا وحبيبنا محمّدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه ونجيبه من عباده اللّهم اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفت تحنّنك على عبدك ونبيّك النّبيّ العربيّ الأمين الكريم وعلى آله الطبيين الطّاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباع بإحسان إلى يوم الدّين وسلّم تسليما كثيرا. فيما أخرج الإمام أبو عبد الله البخاريّ رضي الله تعالى عليه بسنده عن خارجة بن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال وحدّث عن أم العلاء وكانت من امرأة من الأنصار رضي الله تعالى عنها وبايعت النّبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم تسليما كثيرا,قالت أمّ العلاء أقتسم المهاجرون قرعة (أي لمّا وفد المهاجرون المدينة تقاسمهم الأنصار بالقرعة ) فطارلنا عثمان بن مضعون (وهو أحد زهّاد الصّحابة وقع في قرعتنا وكان من حظّنا ) فأنزلناه في أبياتنا فلمّا وجع الوجع الذي توفّي فيه غسّلناه وكفّنّاه ,فدخل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآله تسليما كثيرا فقلت .فقلت هنيئا لك أبا السّائب شهادتي عليك أنّ الله تبارك وتعالى قد أكرمك”.قالت :فنظر اليّ رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقال :وما أدراك أنّ الله قد أكرمه أما والله قد جاءه اليقين وإني والله لأرجو له الخيرلكن لا أقطع على غيب مصير فلا أشهد له بجنّة والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي “فقلت والله لا أزكّي بعده يا رسول الله” ثمّ قالت رضي الله عنها في رواية :وأحزنني ذلك فرأيت في منامي عينا تجري لعثمان فأخبرت بها رسول الله فقال : إنّه عمله يُجرى عليه “” أي أحزنها قول النّبيّ في حقّ أخيه وصاحبه ابن مضعون وهو الذي دعاه بأخيه لشدّة حبّه له يروي الإمام البخاري رضي الله عنه عن عمر فاروق الإسلام يقول “كان رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم يدعى عبد الله وكان يُدعى حمارا على عادت العر ب في الجاهليّة وإلاّ فالإسلام يحرّم التّنابز بالألقاب وكان ربذما أضحك الرّسول صلى الله عليه وسلّم أحينا (رجل فيه ظرف ودعابة) وجلده رسول الله في الشّرب فأوتي به مرّة في الشّرب فأمربه عليه الصّلاة والسّلام فجُلد فقال أحد من أصحابه :لعنه الله ما أكثر ما يُؤتى به “فقال صلوات الله عليه وتسليماته : لا تلعنه فإنّه والله ما علمت يحبّ الله ورسوله على أنّه يشرب الخمر” هذان موقفان للرّسول الله صلّى الله عليه وسلّم ,موقفه من مجاهد وموقفه من شارب خمر ,وخلاصة ذلك أنّ الحكم على البشر خطيئة, لا ينبغي أن نحكم على النّاس أيّهم في الجنّة وأيّهم في النّار ولا يحكم بهذا إلاّ عالم السّرائر والمصائر لا إله إلاّ هو إنّه ربّ العالمين . وهذا يفتح لنا ابوابا واسعة من التّراحم حتّى رحمة العصاة التّائهين السّادرين الجانحين الضّالين ل؟أنّنا لا ندري لعلّ هذا التّائه السّادر في غيّه يتعاطى من الأعمال الطّيّبة ومن المعروف والخير ما يوجب له المغفرة ورفيع الدّرجات عند ربّ السّماوات لا اله إلاّ هو نسأل الله سبحانه وتعالى أن يستر علينا بجميل ستره في الدّنيا والآخرة وأن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرّ نفوسنا . حديثنا اليوم سيكون عن التّديّن الذي تورّطنا فيه وبُلينا به إنّه ” التّديّن الميكانيكي” أو “التّديّن الآلي” الذي يفرز مظاهر لايمكن أن تتلاءم مع جوهر الدّين فما شأن هذا التّديّن الميكانيكي؟ إخواني وأخواتي تحدّثت في الحلقة السّابقة عن التّلاؤم الفضفاض وهو حشر مجموعة من المفهومات والمصطلحات والألفاظ الشّرعيّة , تختلف دلالاتها وتختلف أوزانها النّسبيّة ,في سياق واحد ,ووزنها معا في كفّة واحدة الأمر الذي ينجم عنه ظواهر محيّرة و مقلقة ومؤسفة في ذات الوقت .ومن هذه الظّواهر المؤسفة والمحرجة اتي تساهم في تشويه صورة المتديّن وبالتالي في تشويه سمعة الدّين لأنّه من الصّعب على النّاس التّميز والفصل بين الدّين وبين حملته فهذا لا يتسنّى إلاّ للعلماء والفلاسفة والمفكّرون أصحاب القدرات التّجريديّة . أمّا النّاس فيدمجون هذا مع ذاك ولا يفصلون .من هذه الظّواهر تعليق ما من حقّه أن يعمل ويشغّل في مقابل تشغيل ما من حقّه أن يعلّق حتّى يأتي ظرفه بشرطه .وكنّا بالأمس قد بيّنا أنّ الرّحمة شئ جوهريّ قاعديّ في هذا الدّين بخلاف القسوة والشّدة والضاضة فهي استثنائيّة من حقّها أن تعلّق ولا تشغَّل إلاّ في أحوال نادرة جدّا وبشرطه بخلاف الرّحمة هي الأصل في الدّين ينبغي أن تشغّل بشكل مستمرّ وألاّ تعلّق حتّى في الفقهيّات لا بدّ على المتفقّه في الدّين أن يختطّ خطّة التّيسير على العباد فهذا من باب الرّحمة وفي حديث أمّنا عائشة رضوان الله عليها المخرّج في الصّحيح قالت :وما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن اثما ” قال تعالى ” يريد الله أن يخفّف عنكم وكان الانسان ضعيفا”(النّساء) إنّ من رحمانيّة الشّريعة تلبية حاجة الانسان الضّعيف وهي التّخفيف عنه . لكن ما يحدث للأسف الشّديد انّنا نعمل القسوة والشّدّة ونعلّق الرّحمة ظانّين أنّنا نسير بهدي دين الله تبارك وتعالى وبسنّة رسوله لأنّ النّصوص وردت في الشّة أحيانا فحقّ أناس بذواتهم وفي أحوال مخصوصة لكن كلّ هذا ورد استثناء ولم يرد أصلا .فكيف تشغّل القسوة وهي الاستثناء وتعلّق الرّحمة وهي الأصل ؟ ولذلك نقدّم ما حقّه التّأخير ونؤخّر ما حقّه التّقديم.ونحتفي بما هو زهيد القيمة وربّما أضربنا الذّكر صفحا على ما هو نفيس وعزيز وثقيل في موازين الفقهاء الأيقاظ وفي ميزان ربّ العالمين ـ نسأل الله حسن التفقيه في الدّين ـ ويحضرني حديث عبد الرحمان بن أبي نعم البجريّ الكوفيّ وهو تابعيّ رحمه الله تعالى الذي أتى الى مجلس كان فيه عبد الله بن عمر.يقول شهدت عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وسأله رجل عن دم البعوض (سأل عن حكم قتل البعوض للرّجل وهو محرم) فنظر اليه عبدالله بن عمر وقال له من أين أنت ؟ قال له : من العراق ” فالتفت إلى الجُلاّس وقال : ألا تعجبون من هذا؟ قتلوا ابن بنت رسول الله ويسألون عن دم البعوضة (لكن للتّصحيح فإنّ الذين قتلوا ابن بنت رسول الله الحسين عليه السّلام ليس جند العراق بل جند يزيد من سوريا ) يهتمّ بهذه السّفاسف ولكن لا يتورّعون عن القيام بمثل هذه الأهوال . وفي هذا السّياق نورد ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي العالم والفقيه الحنيلي الشّهير من أشهر وعّاظ الإسلام قاطبة رضي الله عنهما ,يحدّث عن نفسه أنّ رجلا أتاه مرّة بعد أنفرغ من مجلس وعظيّ فسأله عن فاحشة اقترفها فقد وقع على امرأة بالزنا وهو يسأل ان كان يجوز له أن يجهض الجنين الذي ترتّب عن فعلته النّكراء .فقال له يا أخي عافاك الله لو أنّك إذ وقعت عليها عزلت عنها حتّى تحبل .فقال :”بلغني أنّ العزل مكروه” فقال له:”ويحك بلغك أنّ العزل مكروه ولم يبلغك أنّ الزّنا حرام ” وهذه وضعيّة صارخة بانقلاب الموازين بسبب التّلاؤم الفضفاض.ولا يندر أن نلاحظ من يحتفي باللّحية وأن تكون على السّنّة ولا يأخذ منها وهو يتحفّظ الخصال التي بلغ بعضهم منها بضع عشرة خصلة محرّمة في اللحية لكن تبقى اللّحية من سنن الهيئات وهي من تكميليّات الدّين وليست من ضروراته ولا من حاجيّاته بل هي من التّكميليّات والتّحسينيّات بلغة الأصوليّين ومنهم ون يحتفي بالجلباب وأن يكون قصيرا وأن يكون كَميش الأكمام وحمل السّواك على السّنّة لكنّه يوغل بغير تحرّج في أعراض المسلمين ,يسبّ هذا ويبهت هذا ويكذب على هذا ويتّهم هذا بالزّندقة والكفر …رغم أنّ غيبة المسلم والمسلمة من أغلظ الكبائر حتّى ورد عن بعض الأئمّة : أنّ الغيبة أفحش من الزّنا لأنّ الزّاني قد يتوب ويستغفر فيغفر الله له و المغتاب لا يغفر له الله حتى يغفر له أخوه ,نحن نستهين بالغيبة وهي من غلاظ الفواحش وهكذا نهتمّ ببعض الصّغائر ونفرّط فينا هو كبير ,فقد نشدّد النّكير على رجل ينظر إلى ما حرّم الله في حين أنّها من صغائر الذّنوب وليست من الكبائر بإجماع العلماء هي من اللّمم الذي يغفر بمجرّد اجتناب الكبائر “إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ” فبمجرّد اجتناب الكبائر تغفر الصّغائر وتغفر مع ماء الوضوء فتتساقط معه وبالصّلاة وبالاستغفار .وفي نفس الوقت يستهان بالغيبة والنّميمة ورمي النّاس في أعراضهم اتّهامهم زورا بما ليس فيهم وكلّ هذا ليس من الإيمان في شيء.ولقد شهدت الدّول العربيّة والإسلامية في العقود الخمسة الأخيرة ارتفاعا في نسبة الأخوات المحجّبات والمنتقبات وفي نسبة روّاد المساجد والملتحين والذين يؤمّون المساجد خاصّة في شهر رمضان وهذا من الخير الذي ساقه الله للأمّة لكن بإزاء ذلك هل انخفضت قضايا الاغتصاب والشّجار والتّعادي بين النّاس أم بقيت نسبة الإجرام على حالها إن لم تكن قد تفاقمت ؟ للأسف فإنّ سجلاّت المحاكم تثبت أنّ هذه الجرائم لم تنقص بل ربّما زادت في بعض الدّول حتّى في قضايا الأحوال الشّخصيّة تفاقمت الخصومات بين الأزواج الذين جعل الله بينهما مودّة ورحمة وزاد التظالم . فأين هي إذن آثار هذا التّديّن كان ينبغي أن يصحب هذا التّديّن بانخفاض سحيق في نسبة التّعادي والتّظالم كاختفاء الغشّ والرّشوة …لكن شيئا من هذا لم يحدث للأسف . قبل أكثر من مائة سنة العلامة الكبير المصلح محمّد عبده طيّب الله ثراه لمّا زار أوروبا رِيعَ للمستوى العجيب وصل اليه الغربيّون الذين ندعوهم كفّارا من الأمانة والصّدق والنّزاهة والبعد عن كثير الفواحش في التعامل فقال” لقد وجدت إسلاما بلا مسلمين وفي بلادنا مسلون بلا إسلاما ” فإسلام المسلمين مجرّد عنوان لم يترجم الى أفعال وممارسات وسلوكات .كما قال صديقه جمال الدّين الأفغاني قولا أكثر وضوحا وحدّة ,قال :” أقصر طريق للتّبشير بالإسلام في العالم أن نقنع العالم أوّلا أنّنا لسنا مسلمين جيّدين” نحن للأسف مسلمون سيّئون نعكس صورة شائهة للإسلام والآن نتشاكى ونتباكى لم صورة الإسلام مشوّهة في العالم فإذا أردنا أن نحسّن صورتنا في العالم علينا أن نحسّن الأصل لا يمكن أن تلتقط صورة لجسم مشوّهة وتأتي الصّورة جميلة ,جمّل الأصل لتحصل على صورة جميلة . يمكن أن تدعى هذه الحالة من التّديّن الظّاهري الطّقوسي السّمتي الذي يفتقر إلى الآثار بلل على العكس آثاره قد تكون مرّة مريرة وهذه الحالة تلحق المجتمعات التي تصاب بالتّشتّت النّفسي والعقلي (بالتّصدّع) .كارل غوستافيون احد علماء النّفس التّحليليين العظام في العالم يقول :” حين تصاب المجتمعات بالاختلال وبالهزّات النّفسيّة فإنّ ذلك يأخذ شكل الاهتمام الطّقوسي الشّعائري بظواهر الأفكار والمعنى مع تضييع المضمون ” يهتمّون فقط بالطّقوس باللّباس بالظّاهر أمّا الباطن فليس هناك شيء .إنّ القضيّة لا تكمن في امتلاك المعرفة وتقريرها بل في العمل بها .لا بدّ أن تستحيل المعرفة إلى تربية إلى روح نابضة وخبرة متنامية تنمو بنموّ الانسان بحسب تجاربه بمرور السّنين والأيام . والمعرفة إخواني وأخواتي على عكس المفهوم السّقراطي الذي كان يوازي بين المعرفة والفضيلة فكان يرى أنّ من حاز معرفة تامة بأصولها فهو الإنسان الفاضل وكان يسعدنا لو كانت هذه هي الحقيقة لكن تاريخ كلّ البشر لا يأتي بشواهد ليصدّق مقولة سقراط ولذلك فإنّه في الشّأن الدّيني لا يراد العلم والمعرفة لذاتهما بل يرادان للعمل بهما ,إن تعلّمت ولم تعمل بما تعلّمت فإنّك تكون قد استكثرت من حجج الله عليك . يروي مجاهد بن جبر التّابعي الجليل بسنده عن أبي عبد الرّحمان وهو تابعيّ مثله عن أبى عبد الرّحمان السّلميّ يقول حدّثنا أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم تسليما كثيرا قالوا كنّا نقترئ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم القرآن فلا نجاوز العشرة آيات حتّى نعلم ما فيهنّ من العلم والعمل .يقول رضوان الله تعالى عليه:”وهكذا تعلّمنا العلم والعمل” . يقول عطاء بن أبي رباح التّابعيّ الجليل :” كان فتى يختلف إلى أمّ المؤمنين عائشة رضوان الله عليها يأخذ عنها العلم ,فأتاها مرّة فسألها فقالت له يا بنيّ هل عملت بما علمت بعد ؟ فقال والله يا أمّ ما عملت ,فقالت له :”ففيما الاستكثار يا بني من حجج الله عليك ” فالمتعلّم يحاسب على ما علمه ولم يعمل به . وقد ورد في الخبر :ليس من علم كمن لم يعلم . بل ورد في آثار كثيرة أنّه أوّل من تسعّر بهم نار جهنّم العلماء ـ نعوذ بالله أن يسعد بعلمنا إخواننا وأهلينا وأن نشقى به نحن في جهنّم ـ لأنّهم لم يعملوا بما علموا . وفي المأثور عن روح الله عيسى عليه الصّلاة والسّلام قال :”الذي يتعلّم ويعمل بما تعلّم فذلك يُدعى في الملكوت العظيم” ـ اللهمّ اجعلنا منهم ـ فالعلم بمفرده ليس منجاة الا إذا استحال عملا وترجم أفعالا .يروي الإمام التّرميذيّ عن أبي الدّرداء رضي الله عنهما وأرضاه عن سائر أصحاب رسول الله يقول:” كنّا ذات مرّة مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم (أي جلوسا) فشخص ببصره إلى السّماء ثمّ قال هذا أوان يُختلس العلم من النّاس حتّى ما يقدرون منه على شيء(أي يُختلس العلم من أمّتي حتّى لا يبقى منه شيء) فقال زياد بن لبيد :يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن فوالله لَنَقرأنّه ولنُقرئنّه أهلنا وأزواجنا فنظر إليه خير معلّم صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم وقال:” إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة (اصابة لبّ المعنى ) هذه التوراة والإنجيل بين أيدي النّصارى فما أغنت عنهم ؟ ” وقد يتساءل بعضهم كيف ذلك؟ والحال أنّ مكتباتنا تزخر بالكتب والعلوم , آلاف المجلّدات والكتب في الفقه والحديث والتفاسير ,عشرات القنوات الفضائيّة وفي المقابل لا نجد الا الفشل والكثير من أبنائنا يزورّون عن هذا الدّين وينصرفون عن أهل الدّين وقد اهتزّت مكانة هؤلاء العلماء تهتزّ جرّاء التّقابل بين أقوالهم وأعمالهم فهم مثلا يدعون إلى الصّدق ولا يتوانون عن القسم كذبا وزورا . لقد أصبح العلماء فتنة للنّاس لذلك أستحلف بالله نفسي أوّلا وإخواني الدّعاة والمفكّرين والشّيوخ أن يتّقوا الله في أنفسكم وفي دينكم وفي هذه الأمّة . فالموضوع إذن موضوع تزكية وما من احد يقول لست أحتاج إلى تزكية .فمن الأهداف الرّئيسة في الدّين هي تزكية النّفوس”هو الذي بعث في الأمّيين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ” “كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ” وقد قال عيسى لفرعون “هل لك إلى أن تزكّى “”قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى ” ” قد أفلح من زكّاها و قد خاب من دسّاها ” وهذا هو المقصود من الدّين أن تزكو النّفوس وأن تشفّ وأن تصفو وتتروْحَن وتتألّه ,أن تصير نفوسا إلهية ربّانيّة صافية .وليس بوسع أي أحد ان ينكر حاجته إلى التّزكية فرسول الله وهو خيرة عباد الله أجمعين يقول في حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن الأغرّ المُزنيّ الصّحابي الجليل :” إنّه ليُغان على قلبي حتّى أستغفر الله في اليوم مائة مرّة (أي يغطَّى على قلبي وتغشوه غاشية)إنّ القلب المحمّديّ وهو أصفى قلب وأنوره وأتقاه وأعرف قلب بالله لا اله ألا هو ,هذا القلب إن لم يستغفر في اليوم مائة مرّة يغشّى عليه فما حال قلوبنا نحن؟ ما حال من لا يصلّي ومن لا يصوم من لا يفتح المصحف من يرسل لسانه في ما حرّم الله تبارك وتعالى ويقول لك أنا قلبي أبيض لا أحتاج إلى أن أصلّي؟ ألا إنّه لا يعلم أسرار القلوب إلا الله فلا تزكّو أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى . يخاطب الله تبارك وتعالى مصطفاه وحبيبه من خلقه فيقول له :”فإذا فرغت فانصب وإلى ربّك فارغب” لم يقل له بعد تعبك وسعيك واجتهادك خذلك قسطا من الرّاحة والنّوم بل قال له “فانصب” أي قم على رجليك تعبّدني وتقرّب منّي :” يا أيّها المزّمّل قم الليل إلا قليلا ” . لا يمكن لأيّ إنسان مهما بلغت درجته من الرّفعة أن يستغني عن ذكر الله وعن الاستزادة من رفعة الدّرجات والوصول إلى الرّضوان الأكبر “عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا” ـ أنالنا الله وإيّاكم شفاعته ـ هذا حال الرّسول صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم تسليما كثيرا فكيف بنا نحن ؟ لا بدّ أن نستكثر من ذكر الله والاستغفار. العلم إذن ينبغي أن يتبع بعمل وهذا هو الذي ينقصنا فنحن لدينا علماء ودعاة ولكن ليس لدينا مربّون وهنا تكمن المصيبة فنحن مثل حاجتنا للعلماء والدّعاة نحتاج من هؤلاء إلى البرهنة لأنفسهم ولنا ولتلامذتهم وطلا بعلمهم على أنّهم أكثر من مجرّد علماء على أنّهم مربّون ومعنى أن يكون المرء مربّيا أي أن يكون أكثر من أب لأنّ الأب بحنانه الغريزيّ إزاء أبنائه قد يربّي أبناءه لكن لا يستطيع تربية أبناء الآخرين وهذا الفعل يأتيه من يتّسع قلبه الى رحمة وحنان أشمل ممّا يحتويه قلب أب عاديّ . سؤال : ما هي الطّريقة المثلى لفهم الإسلام فهما صحيحا؟ الجواب: أحسن طريقة هي ألا تقع في هذا التّلاؤم الفضفاض أي أن تعود إلى كتاب الله وله الأولويّة كمرجع أساسيّ وبعد ذلك سنّة المصطفى فتحاول استقراء القرآن استقراء دقيقا وتقدّم ما قدّمه الله وتؤخّر ما أخّره الله وترتّب الأعمال كما رتّبها الله حسب الكبير والصّغير .وفي الحديث الصّحيح المخرّج في الصّحيحين يقول عليه الصّلاة والسّلام :” الإيمان بضع وستّون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق والحياء شعبة من شعب الإيمان ” فالتّوحيد شعبة من شعب الإيمان لا يمكن أن يوازي إماطة الأذى عن الطّريق وإن كان هذا أيضا من شعب الإيمان . ينبغي أن نحذر التّلاؤم الفضفاض فنفرّط في التّوحيد ونقع في بعض الشّركيّات ونتقرّب الى الله بإماطة الأذى عن الطّريق بل لا بدّ أن ننزّل الأمور منازلها وهذه أوّل خطوة في الطّريق الصّحيح نسأل الله ان يحفظنا أطفالا والدكتور مصطفى محمود عاش حياته طفلا لكنّه طفل فيلسوف كيف نوصل كلمة الله الى عباده؟ الجواب : القدوة الحسنة أقصر طريق لتبليغ رسالة الله سؤال : ما معنى ربّ العالمين؟ الجواب : ربّ العالمين هو ربّ السّماوات والأرض وما بينهما في حين قصر العلماء العالمين على البشرية ومنهم من اعتبرها تشمل الانسان والحيوان . والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إعداد: نادية غرس الله /تونس

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: