إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۩ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ۩ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۩إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ۩ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۩ 

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

ما سُلَّ السيف ولا وقع النزاع في هذه الأمة في مسألةٍ كما وقع النزاع في مسألة الإمامة على قاعدةٍ دينية كما قال الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى، هذه المسألة مسألة مَن يكونُ خليفة، مَن يكون إماماً بعد رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – ظلَّت مثاراً لنزاعات ومُشاجَرات وحروبٍ ومُقاتَلات واختلافات عقدية وجدالات من بعد رسول الله إلى يوم الناس هذا، ولا نزال شيعةً وسُنةً إمامية واثنا عشرية وإباضية وزيدية وأهل السُنة إلى اليوم نختلف حول هذه المسألة، إنها أمٌ لمسائل كثيرة لم نذق من ورائها إلا المرائر ولم نلق إلا المصاعب والمكائد، وقد تحرَّج الأمرُ بكثرة ما وقع السؤال عن هذه المسألة فيُراد أن يُعرَف الموقف منها:

 ما هو موقفنا ورأينا ومُعتقَدنا في مسألة الإمامة؟!

وكمُقدَّمة أودُ أن أقول ما يقع من نزاع ومُناظَرات علمية أحياناً بين الفينةِ والأخرى إنما كما تُلاحِظون وتُلاحِظن للأسف يشوبه قدرٌ غير يسير من المُهاتَرات ويطبعه طابع ليس يخفى من التعصب الظاهر والبادي وعدم الخضوع للحُجة، مع ما يظهر أيضاً لكل مَن عرف العلم وآداب النظر وقواعد المُجادَلة بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩ من ضعفِ مُعظم أولئكم عن أن يُنازِلوا مُنازَلة حقيقية في الموضوع، فلا لغة عربية ولا نحو ولا صرف ولا قدرة بيانية ومع ذلك يتكلَّمون في مسائل عقدية ومسائل سياسية مثل هذه وهى مسائل شقت الأمة عُصباً ودُولاً وفرقاً مُتناحِرة للأسف الشديد، ولكن إن وقع الكلام  – ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُهيّئ شيئاً مُبارَكاً من ذلك – على شرطه وبأدبه وبالنية الخالصة والقصد الصالح لمعرفة الحق وتحكيم دستوره وهو القرآن العظيم فالمرجو أن يكون خيرٌ كثير إن شاء الله تعالى – أي أن يُوجَد، كان تامة هنا – إعذاراً إلى الله – تبارك وتعالى  – وإقامةً للحُجة على النفسِ والآخرين.

نسأل الله – تبارك وتعالى  – أن يُلهِمنا الحق وأن يجعلنا من الصادعين به القائلين به، فلا نشتري به ثمناً ولو كان أهل مذهب وأهل طائفة وأحباباً وأوداء وخلصاناً، ليس يعنينا هذا من الأمر لا في كثير ولا في قليل إن شاء الله تبارك وتعالى.

وكمُقدَّمة ثانية من وراء هذه المُقدَّمة أقول أن وجهات النظر المُختلِفة والشائعة والتي لها أتباع وأشياع كثر عبر التاريخ في مسألة الإمامة يُمكِن أن نُلخِّصها في وجهة نظر أهل السُنة ووجهة نظر الشيعة الزيدية ووجهة نظر الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، فهؤلاء الآن لهم تواجد ملموسٌ وكبير وله وزن، أما آراء للمُعتزِلة وآراء للخوارج وآراء لغيرهم فقد اندثرت، تقريباً لم يبق قائلٌ بها، فليس من ضرورة تلزنا إلى أن نتناولها لا بالعرضِ فضلاً عن النقد.

فأما أهل السُنة والجماعة فيرون أن الإمامة لا تكونُ إلا بالاختيارِ والمُشاوَرةِ والبيعة، هكذا تكون الإمامة، فالأمة هى التي تُنصِّب باختيارها وشوراها أو شورى ذوي العقلِ والرأيِ والمشورةِ منها مَن ترتئيه الأصلح والأنسب لتولي أمورها وإدارة شؤونها على حد قوله جل من قائل وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩ ولنحو ما صح من مثل ما أخرج مسلم وغيره والأحاديث كثيرةٌ جداً “مَن بايع إماماً فأعطاه صفقة يمينه وثمرة قلبه فإن استطاع أن يُطيعه فليفعل – لأن الطاعة في المعروف والطاعة بالمُستطاع، قال الله لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ  ۩، فهذا هو معنى قوله “إن استطاع أن يُطيعه”، وإلا فالبيعة تقتضي الطاعة والإمامة تقتضي الطاعة، فللإمام على أمته الطاعة وهذا معروف – فإن خرج عليه أحدٌ فاضربوا عنقه كائناً مَن كان”، لأن وحدة النظام وانتظام الأمة أهم من نزوات الأفراد ورغبات الأفذاذ، فكلٌ يرغب أن يكون أميراً وأن يكون إماماً، لذلك النبي رفض هذا وقال “تُضرَب عنقه كائناً مَن كان”، إذن ظاهر هذا الحديث وأمثاله وهى أحاديث مُتواتِرة معنوياً أن الأمر لا يكون إلا بالاختيار والشورى والمُبايَعة.

إخواننا الشيعة الزيدية – تواجدهم الأعظم الآن في اليمن كما تعلمون  – لهم وجهة نظر قريبة ليست تبعد كثيراً من هذه الوجهة، فالشيعة الزيدية قالوا “نعم الإمامة بالاختيار وشورى الأمة وليست بالتنصيص”، أي لا تكون بنص إلهي أو نص نبوي على إمام مُعيَّن ليست تصلح الإمامة إلا فيه، ولكنهم ذهبوا مع ذلكم  إلى أن الأفضل بعد رسول الله للإمامة والأكفأ من كل وجه هو حضرة الإمام الأمير أبي الحسن عليّ عليه السلام وكرَّم الله وجهه، قالوا “هذا الأفضل، ولكن بيعة أبي بكر صحيحة وبيعة عمر صحيحة”، واختلف إخواننا الشيعة الزيدية في بيعة عثمان، فمنهم مَن أقرَّ ومنهم مَن أنكر، ولذلك يُعرَف مذهبهم بمذهب جواز إمامة وبيعة المفضول مع وجود الأفضل، وبالتالي أبو بكر بيعته صحيحة وعمر بيعته صحيحة لكنهم اختلفوا في عثمان مع وجود الأفضل وهو أبو الحسن – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – لكن لا بأس، فالخطبُ يسير هنا، والحمد لله أنهم أقروا بخلافة الخلفاء إلا الجارودية  وهى فئة مُتعصِّبة للأسف الشديد من أفراق وفئة الزيدية، فالجارودية  للأسف قاربوا الإمامية جداً، هم قاربوا الإمامية الاثنا عشرية الجعفرية فذهبوا إلى أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – وإن لم ينص بالإسم على خلافة عليّ وولايته فإنه قد عيَّنه بالوصف، ولكن الأمة لم تتعرَّف الوصف ولم تطلب الموصوف ونصَّبت أبا بكر ومَن تلاه خلفاء فكفروا بذلك، وهذا رأي بشع وعنيد، فأن تُكفِّر الأمة وأن تُكفِّر خلفاءها يُعَد شيئاً – والله – فظيعاً، ونسأل الله أن نلقاه على السلامة، فمهما وجدت نفسك لا تتورَّط في تكفير المسلمين فأنت على خير بإذن الله تعالى، مهما وجدت نفسك لا تتورَّط ولا تتهوَّر في تكفير أهل القبلة فأنت إلى خير، ولكن أن تتورَّط في تكفير الأمة هكذا بالجُملة وبالتفاصيل ولا تستثني عظماءها ورؤوس مُقدَّميها وأشياخها وكبار الصحابة – رضوان الله عليهم – فالأمر خطير – والله – وجد خطير، لكن للأسف هذه هى فرقة الجارودية، والزيدية في العموم يجعلون الإمامة وهى الأفضل في ذرية فاطمة من غير تفريقٍ وميز بين ذرية الحسن وذرية الحسين بغض النظر، فالإمام عندهم قد يكون حسينياً وقد يكون حسنياً، فأي رجلٍ خرج من ذرية فاطمة عالماً – أي حال كونه عالماً – شجاعاً سخياً عدلاً عادلاً وطلب من الناس مُبايَعته بُويع، قالوا “لابد أن يُبايَع ولابد أن يُقاتَل معه ولابد أن يُخرَج معه”، علماً بأنني تكلَّمت في خُطبة الخروج في هذا الصدد وعرضت للفرق الإسلامية وعرضت لهذا الرأي، لكن هذا مُلخَّص وزُبدة رأي الطائفة الزيدية أو الفرقة الزيدية وهى من فرق الشيعة.

نأتي الآن – وهذا الذي يهمنا أكثر طبعاً لأن النزاع معهم كان أكثر استفحالاً وأشد وحميَ فيه الوطيس ولا يزال – مع إخواننا الشيعة الإمامية الاثنا العشرية المعروفين بالجعفرية نسبةً إلى سادس أئمتهم الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام، فالشيعة الجعفرية قالوا “أولاً الإمامة أصلٌ من أصول الإيمان”، وهذه مُقدِّمة خطيرة، أن يُجعَل شأن سياسي ومدني كهذا من أصول الإيمان مُقدِّمة خطيرة تتلوها توالٍ وتلزم عنها لوازم وتقتضي مُقتضيات خطيرة كما ستسمعون بعد قليل، لكن على كل حال قالوا “الأمامة أصلٌ من أصول الإيمان”، فإذا كانت أصلاً من أصول الإيمان فهذه مُشكِلة لأن نحن أهل السُنة – مثلاً – لا نُؤمِن بإمامة الأئمة على النحو الذي تُؤمِنون به، نُؤمِن بأنهم أئمة علم وهُدى وتُقى –  أهلاً وسهلاً –  ولكن ليسوا الخلفاء المنصوص على خلافتهم كما تعتقدون من رسول الله، فلا نُؤمِن بهذا لأن لم يترجَّح لدينا بالدليل هذا حقيقةَ، طلبنا الدليل ولم يصح، وأنا أتحدَّث عن نفسي على الأقل، فمن عشرين سنة وأنا أبحث هذه المسائل وأُجادِل فيها بفضل الله على الأقل، على كل حال لم يصح لدينا هذا الدليل، إذن ماذا؟!

هل نحن لسنا مُؤمِنين؟!

اتفقت الإمامية على أن مَن أنكر الإمامة – ولهم تفاضيل – أنه ليس مُؤمِناً، وقالوا “غير مُؤمِن” بالاتفاق، ولكنهم اختلفوا في معنى قولهم  “غير مُؤمِن“، فمنهم مَن شط وغالى فقال “كافر مُستحِق للخلود في جهنم”، وهذه بائقة عظيمة جداً جداً جداً نتجت عن مُقدَّمة سلَّموها وظنوها مُسلَّمة لأدلة اشتبهت عليهم في نظرنا، ومنهم مَن توسَّط وقال “فاسق وليس كافراً”، وأبعدهم من الغلو وأظهرهم اعتدالاً مَن قال “ليس مُؤمِناً بالمعنى الأخص – سلبوا عنه الإيمان بالمعنى الذي نعرفه الاصطلاحي – ولكنه مُسلِم بالمعنى الأعم” أي أنه مُسلِم على حد قوله قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ۩، وهذا أمر عجيب، كيف يُقال هذا من أجل مسألة الإمامة؟!

ولذلك لكبار علمائهم وأئمتهم كلمات تقشعر منها أبدان المُؤمِنين الصادقين في تكفير مَن أبى أو رفض إمامة الأئمة أو أي أحد منهم، فضلاً عن مَن أنكر إمامة الأئمة وقال “لا إمامة لهم” أي بالنص.

 لكن لو أن أحد هؤلاء كالإمام عليّ – عليه السلام – صار إماماً فنحن نعترف له، وكيف لا؟!

هو الخليفة الراشد الرابع – عليه السلام – بدون نقاش، والخليفة الراشد الخامس ابنه الحسن أبو محمد عليه السلام، فنحن نعترف بهذا ولكن لا ندعي فضلاً عن أن نعتقد أنه إمام منصوص، أي نصَّ عليه الكتاب والسُنة وأوصى له النبي، لا نعتقد بهذا لأنه لم يصح لدينا هذا، وسنُناقِش الأدلة لكن أنا أردت فقط أن أعطيكم نموذجاً كيف يكون النقاش، وسأُنقاش دليلاً واحداً فقط من عشرات الأدلة، وهذا يحتاج إلى مُحاضَرة مُطوَّلة تصل إلى خمس أو ست أو  سبع ساعات على الأقل حتى نُناقِش كل هذه الأدلة ولكن نحن سنُناقِش وأيضاً مُناقَشة سريعة لما يتسع له مقام خُطب جُمعية أعظم أدلتهم وهى آية الولاية.

المُهِم هو أن للأسف مثل الامام ابن بابويه القمي المُلقَّب بالصدوق عندهم والشيخ المُفيد وهو شيخ شيخ طائفتهم أبو جعفر الطوسي والعلَّامة الحلي في كتابه الألفين كل هؤلاء صرَّحوا بأن إنكار الإمامة كفرٌ – والعياذ بالله – وهو كإنكار نبوة الأنبياء جميعاً، أما مَن آمن بالأئمة جميعهم وشكَّ أو رفض إمامة واحد منهم فحاله كالذي آمن بالأنبياء جميعاً وأنكر نبوة الخاتم محمد عليه الصلاة وأفضل السلام، والشخ المُفيد – شيخ الطوسي – قال “كافرٌ ضالٌ مُستحِقٌ للخلود في جهنم”، وهذا كلام خطير، لذلك أنا أُخاطِب بهذا إخواني الشيعة وأرجو أن يأخذوا كلامي على محمل الجد والصدق وأن يُحسِّنوا النوايا وأن يستحضروا القصد الجميل – بإذن الله تبارك وتعالى – لتبرئة ذمتهم وتنقية ساحتهم أمام رب العالمين تبارك وتعالى، فأن تعتقد عقائد وتتورَّط في أن تعتقد ما يُكفِّر إخوانك المسلمين من أهل القبلة وأهل الصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد وهم الأكثرية طبعاً يُعَد شيئاً عجيباً جداً ومُخيفاً، فالشيعة هم الأقلية ونحن الأكثرية، فبناءاً على ماذا تعتقد بهذه الأشياء؟!
الآن سوف نرى كيف يكون النقاش، لكن لماذا تعتقدون بهذا ونحن لا نعتقد به؟!

نحن لا نُثرِّب عليكم أن تعتقدوا ما شئتم ولكن نُحذِّر ونُنبِّه وننصح ونعظ أن تتورَّطوا في تكفير أهل القبلة وأن تتورَّطوا في تكفير المسلمين، لكن على كال حال نحن لا نُواجِه الشيعة بهذا فقط بل نُواجِه السُنة قبلهم، وكم لنا من مقام وكم لنا من مقال شدَّدنا فيه على التكفيريين والمُكفِّرين والمُهاتِرين، لأننا لسنا من التكفيريين، فلا نُكفِّر إلا مَن لا يُرتاب في تكفيره ومَن كفَّره صريح الكتاب والسُنة ومَن كفَّرته القواعد والأصول القواطع وليس الشُبهات والمُهاتَرات، فلا نقول أن مَن سب صحابياً يُعَد كافراً وأن مَن أبغض صحابياً يُعَد كافراً، كل هذا كلام فارغ، وعند أهل السُنة أيضاً وعند الشيعة هناك ما هو أفرغ منه، يُوجَد كلام كثير أفرغ من هذا الكلام كثيراً، فهم ليسوا برءاء من هذا، والله يُحِب الإنصاف، ولكل شيئٍ وفاءٌ وتطفيف.

للاختصار نقول أن لهم أدلة من الكتاب ولهم أدلة من السُنة، وطبعاً لابد أن نبدأ بأدلة الكتاب لأن من شرط الدليل أن يتفق عليه الخصمان، وهيهات إذا تعلَّق الأمر بالسُنة إلا في أدلة يسيرة جداً جداً صحت عندنا من جهة السند وصحت عندهم سنداً فقالوا “هذا اتفق عليه”، فنعم اتفقنا على الورود ولكن لم نتفق على الدلالة، وبالتالي فهمنا في الأدلة مُختلِف عن فهمكم، وتأتي القاعدة الأخرى في علم المُناظَرة “والدليل إن طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال”، فليست المسألة أن في المسألة آيةً أو حديثاً، نعم نُسلِّم بهذا لأن الآية مُتواتِرة ولا نقاش في هذا، فهذا صح لدينا وهو صحيحٌ عندكم، هذا أمر مُسلَّم لدى الطائفتين ولكن مطروقٌ فهمه بالاحتمال، فهو يحتمل هذا ويحتمل هذا، ولذلك سنبدأ بما اتفق عليه الخصمان أو بما اتفق عليه الطرفان وهو القرآن العظيم، ودائماً أقول لإخواني المسلمين والمسلمات “القرآن بنص القرآن ذاته كفاية حتى للمُشرِكين وللكفارين لو أرادوا الهداية”، قال الله أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ  ۩، فالكفار القرآن يكفيهم، ألا يكفي مُؤمِناً مُسلِماً حتى تُطلَب أدلة إلى جانبه؟!

لذلك أنا أقول لكم أن مَن ابتغى لنفسه أو مَن بغى لنفسه الخير وقصده عليه أن يجعل وكده القرآن الكريم قبل أن يتهوَّر في مسألة سُنة وغير سُنة وأحاديث وما إلى هناك، اترك هذا وابدأ في القرآن أولاً.

أنتم تقولون الإمامة من أصول الدين، فهل يُخلي الله – تبارك وتعالى – كتابه من آيات واضحة في أصل من أصول الإيمان؟!

نُريد آية واحدة تقول بشكل واضح وبسيط فلان هو خليفة رسول الله عليكم وهو وصيه عليكم بعد أن يتولى رسول الله، لكن ليست هذه طريقة القرآن، بل طريقته تتمثَّل في أن القرآن صرَّح باسم زيد بن حارثة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – وهو الحب أبي الحب في مسألة لم تشتجر فيها آراء الأمة ولم يختلفوا فيها ولم يحتربوا، وهى مسألة الزواج من مُطلَقته، فالله ذكر هذا بالإسم وقال فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ۩، أي في نساء أدعيائهم أن يتزوَّجوا بهن إذا ماتوا عنهن أو طلقهن، وهذه مسألة بسيطة ويسيرة  وليس لها واحد من مليون من ثقل مسألة الإمامة والخلافة، فلماذا لا نجد آية واضحة تُصرِّح بهذا المُهِم العظيم في الدين وهو أصل من أصول الدين؟!

أنا دائماً أتساءل بيني وبين نفسي: بالله هل الله – تبارك وتعالى – يبغي إعنات هذه الأمة؟!

هل يتغيا الله ويتقصَّد تفريق شمل هذه الأمة بأن يُنابِذ هذه الأمة بعضها بعضاً وأن يحتربوا وهو القائل وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۩، وهو الهادي إلى الصراط المستقيم وإلى الهدي المستقيم، وهو الذي أنزل الكتاب المُبين بالآيات البيِنات؟!

وفي موضوع الإمامة بالذات تأتي آيات – سوف ترون كيف يكون الخلاف حولها –  ليست واضحة بالنسبة إلينا وإلى كل مَن أنصف لا من قريب ولا من بعيد أنها نص في الإمامة وإمامة عليّ عليه السلام، فلا ندري كيف كانت نصاً، والآن سوف أتلو عليكم أعظم مُستنَدات إخواننا الشيعة الاثنا عشرية – غفر الله لنا ولهم أجمعين – في مسألة الإمامة والوصاية لعليّ وهى آية الولاية التي تلوتها عليكم صدر خُطبتي، قال الله إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ۩،هذه آية تامة، فهذا مطلعها وهذا مقطعها، قالوا “هذه أعظم مُستنَداتنا، وهى في ولاية وإمامة وخلافة الأمير أبي الحسن عليه السلام”، لكن كيف هذا؟!

قالوا “أولاً باتفاق الطائفتين أن الآية نازلة في أبي الحسن”، فروى هذا الشيعة وتواتر عندهم، ورواه أيضاً السُنة وصح عندهم، فعليٌّ – عليه السلام – كان يُصلي وكان حال الركوع، فجاء سائلٌ يسأل فأشار إليه أن خُذ خاتمي الذي في إصبعي وكأنه كان مريجاً – أي يعني مُتخلّخِلاً فيُؤخّذ بسهولة – فأخذه وذهب مُنطلِقاً به، فقالوا “أنزل الله الآية وقال أن هذا هو وليكم وهو الذي ثبت له وصف الإيمان مع إقام الصلاة وإتاء الزكاة حال الركوع، فهو يُزكّي حال كونه راكعاً، الآية تقول إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ۩”، لكن النقاش لا يتم هكذا، فما معنى الولي؟!

قالوا “معنى الولي هنا بالذات في هذا الموضع مُتولّي أموركم وشؤونكم والذي له عليكم لذلكم حق الطاعة لأنه هو المُتولّي للأمور وللشؤون، وبالتالي له عليكم حق الطاعة”، لكن لماذا فسَّرتم الولي بهذا المعنى مع علمكم أن الولي لفظٌ مُشترَك بين المُحِب وبين الناصر وبين المولى وبين السيد وبين المُعين وبين ابن العم وبين مُتولّي الأمر؟!

هذا اللفظ المُشترَك يدور على زُهاء عشرين معناً كما في النهاية، فلماذا أنتم خصصتموه بمعنى مُتولّي أمر السُلطة العُليا في الدولة، أي الخليفة أو الإمام؟!

قالوا “الآية هى التي لزتنا إلى ذلك ، لأن الله يقول إِنَّمَا ۩، إذن الآية وردت على أسلوب الحصر والتخصيص، فإن فسَّرنا  – وهذا ليس كلام مُعظم الإمامية الاثنا عشرية بل هو كلام أعاظم أئمتهم وأجلة أئمتهم، لكن هذا هو أكثر ما عندهم في الآية – الولاية بمعنى المحبة والنصرة فما وجه الحصر؟ هذا لا يختص به مُؤمِن دون مُؤمِن، إذ تجب محبة كل مُؤمِن على كل مُؤمِن وتجب نُصرة كل مُؤمِن على كل مُؤمِن، إذن أين ذهب الحصر؟ فالحصر إذن يُصبِح حشواً لا قيمة له، ولكن الحصر تظهر فائدته ويبين وجهه إذا حملنا الولي على معنى الخليفة والإمام مُتولّي الأمور، فهذا هو دليلنا”، وهذا كلام قوي في الظاهر لكن سوف نُفتِّشه بالنقد العلمي، ثم قالوا بعد ذلك “ولو حملناه على معنى المحبة والنُصرة والمُوالاة العامة وليس على معنى الإمارة والخلافة والإمامة  لأدى ذلك إلى أن يكون المُضاف هو المُضاف إليه بعينه،وهذا باطل لغةً، قال الله  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ۩، أي إِنَّمَا وَلِيُّ – كُمُ، فولي مُضاف، والـ (كُم) مُضاف إليه، فإذا كان بمعنى المحبة والنُصرة فكلنا يُحِب بعضنا بعضاً وينصر بعضنا  بعضاً، وبالتالي يُصبِح المُضاف هو المُضاف إليه وهذا باطل لغةً، ولكن لو حملنا الولي على الخليفة  لصح ذلك لأن الخليفة غير المُستخلَف عليهم، والولي غير المُولى عليهم”، فهل نظرتم كيف يكون النقاش؟!

هذا كلام أئمة الشيعة الكبار في اللغة والتفسير، لكن هذا أكثر ما عندهم، ونحن نُريد أن نُجيب عن هذه الاستدلالات طبعاً، فهذا الكلام حين يُعرَض على سُني عادي أو شاب خالٍ من العلم وخالٍ من التحقيق فإنه سوف يقول هذا كلام مُقنِع جداً حيث واتفق الفريقان ثم يذكر إشكالية المُضاف والمُضاف إليه واللغة وما إلى هنالك، لأنه سيهوله الكلام وبالتالي سوف يقول لك “أنا سوف أُصبِح  إمامياً وينتهى كل شيئ، فالسُنة ضُلَّال بدءاً من أبي بكر إلى آخر سُني اليوم لأنهم كذبوا على عليّ وغصبوه الخلافة وتآمروه عليه”، وسوف يقول غير هذا من الأساطير الكثيرة للأسف الشديد في حق أصحاب رسول الله المُكرَّمين، لكن كيف نُجيب عن – لا أقول نُجيب عن الشُبهات احتراماً للنقاش – هذه الأدلة أو التي يُزعَم أنها أدلة؟!

أولاً كون الفريقين اتفقا على أنها نزلت في عليّ هذا غير مُسلَّم وغير صحيح، بل وجدت مُعظم علمائنا على الإطلاق وبمُقتضى الصنعة الحديثية وليس بالتعصب والتهور والتعسف أبداً يُضعِّفون الحديث الذي ورد في هذا الشأن، ولا يقولون أن عليّاً تصدَّق وهو راكع، بل قالوا “هذا حديث لم يصح وما ينبغي أن يصح، وكل رواياته غير صحيحة، فليس بمثل هذا يُمدَح الإمام عليّ – عليه السلام – ولا غيره”، لماذا؟!

لأن الصلاة وحليتها الأعظم وشرطها الباطن الخشوع تتنافى مع الحركات، وليس مثل عليّ الذي يفعل هذا في الصلاة، وهنا يحصل التناقض فقد رُويَ عن عليّ – عليه السلام – يروي عنه هذا الشيعة والسُنة – أنه في صفين أصابته سهام – قيل أصابه ستة وثلاثون سهماً – وهو يُصلي فما شعر بها، وأنا أميل إلى تصديق هذا عن إمام مثل الإمام أبي الحسن – عليه السلام – في ولايته وفي خشوعه، ونحن صدَّقنا قصة عُروة بن الزبير وكيف قُطِعَت رجله وهو يُصلي من غير مُرقد – أي من غير بنج – بسبب الخشوع، فكيف للإمام عليّ أن يركع – وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ۩ – وأن يُعطي أذنه لسائل ويُشير بيده ويُحدِث حركات في الصلاة؟!

هذا لا يُمدَح بمثله في الصلاة، فمعنى الخشوع في الصلاة الطمأنينة والثبات والسكون، وذلك من قولهم “شجرة خاشعة” إذا ثبتت فلم تتحرَّك ولم تهتز فروعها ولا أوراقها، فهذا هو معنى شجرة خاشعة، وبالتالي هذا ليس فيه مدح فضلاً – كما قلت لكم – عن أنه من جهة السند لا يثبت، فأسانيد هذه الروايات كلها فيها مُتهَم وفيها مُنكَر الحديث وفيها وفيها وفيها، ولذلك العلماء ردَّوها من جهة الصناعة الحديثية، صحيح أن الواو  في قوله وَهُمْ رَاكِعُونَ ۩ هى واو الحال، ولكن ما معنى الركوع هنا؟!

لابد أن ننتبه إلى ما سيُقال الآن لأنني مُتأكِّد من أن أكثر العامة لا يعرفون هذا، نعم طلَّاب العلم يعرفونه والمُفسِّرون يعرفونه حتماً ولكن العامة لا يعرفون هذا، فالركوع في اللغة القرآنية كما اللغة العربية يرد أحياناً بمعنى الخضوع والخشوع والتطامن، فهذا هو الركوع، يقول النابغة الذبياني:

سَيَبْلُغُ عُذْراً أَو نَجاحاً من امْرئٍ                              إلى رَبِّه رَبِّ البَرِيَّةِ راكِعُ 

ما معنى “راكِعُ” هنا؟!

خاضع لله، وليس راكعاً بمعنى مُنحنياً انحناء الصلاة أبداً!

بالإجماع وبالواقع إلى اليوم أهل الشرائع السماوية في السابقة في صلاتهم لا يعرفون الركوع الذي نعرفه، فصلاتهم دعاء وهم وقوف، فيصلون وهم وقوف وإلى اليوم يحدث هذا وهذا معروف، فما معنى أمر الله مريم – عليها السلام – أن تركع مَعَ الرَّاكِعِينَ ۩؟!

أن تخضع لله  تبارك وتعالى، هذا أمر بالخضوع لله!

هذا هو الركوع اللغوي، قال الله وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩، فليس الركوع في الصلاة وإنما الخضوع والذل والطمأنينة، قال الله وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ ۩، أي اخضعوا لله وابخعوا لأمره واخشعوا لهديه لكنهم لا يفعلون، فهذا هو المعنى إذن، وهذا أرجح أقول المُفسِّرين، فهذا الركوع تعرفه اللغة، ويُوجَد بيت شعر قرأناه حين قرأنا النحو ونحن صغار وهو موجود في كل شروح الألفية ومُثِّلَ به لقاعدة مُعيَّنة وهو:

لاَ تُهِيْنَ – والأصل لا تُهِن – الفَقِيْرَ عَلَّكَ أَنْ          تَرْكَعَ يَوْمًا والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ.

كل مَن شرح ابن عقيل قرأ هذا البيت في الجزء الأول، فما معنى تَرْكَعَ يَوْمًا؟!

تخضع وتُذَل، وليس تركع كركوع الصلاة، فهذا هو الركوع في الأصل!

فهنا الواو للحال والمعنى الصحيح للآية بقرينة سوف ترونها بعد قليل وهى قوية جداً هو أن هؤلاء يُقيمون الصلاة ويُخرِجون الزكاة المفروضة خاضعين لله وباخعين لأمره، لا بمعنى أنهم يُخرِجون الصدقات وهم في حال الركوع في الصلاة، فهذا تفسير ركيك وضعيف جداً وبعيد عن فحولة القرآن.

انتبهوا الآن لأنني سوف أُفيدكم قاعدة من أجمل ما يكون، علماً بأنني في درس التفسير أمس نبَّهت على مثل هذا المعنى، هذه القاعدة تقول “من أقوى الطرائق في فهم كتاب الله أن تتقصى الموارد”، فإذا أردت أن تفهم ما معنى ولي وما معنى عهد وما معنى ميثاق وما معنى حكمة و ما معنى الحكمة – الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  ۩ – وما معنى الزكاة وما إلى هنالك فعليك أن تتقراها وتتقصاها وتستقريها في مواردها وتخرج بنظريقة دقيقة قرآنياً، فهذا هو الفهم وهذا هو التفسير، وذلك لأنه كتابٌ متآزِر مُتصادِق فيُصدِّق بعضه بعضاً ولا يُكذِّب بعضه بعضاً.
في كتاب الله يُوجَد قاعدة من قواعد التفسير عليكم أن تتعلَّموها وهى “أينما وجدتم الزكاة مقرونةً بالصلاة أو إقام الصلاة فهى المفروضة لا المُتطوَّع بها”، لأن هناك مَن يقول: هذه المسألة تُشوِّش – والله – الإنسان، فأحياناً تُفسَّر الزكاة بأنها الزكاة المفروضة، وأحياناً تُفسَّر بأنها الصدقة قبل فرض الزكاة في المدينة المُنوَّرة وبعد الهجرة، فكيف نعرف هذا إذن؟!

أنا أقول لك أن لديك قاعدة مُهِمة جداً تقول “إذا وجدت الزكاة وردت في سياق واحد أوفي نظم واحد مع الصلاة أو إقام الصلاة فهى المفروضة وليست صدقة التطوع”،وهذا يُبعِد ترجيح تفسير الشيعة ورواية الشيعة وحتى السُنة الذين رووا هذه الروايات الباطلة من ناحية حديثية كأنه أخرج الزكاة وهى المفروضة وهو يُصلي، فهذا غير معقول طبعاً، وهم لم يذهبوا إلى أنها كانت الزكاة المفروضة بل ذهبوا إلى أنها كانت صدقة على السائل لأن السبب فيها سؤال السائل، فكيف يُخرِج الإمام علي زكاته المفروضة وهو يُصلي؟!
علينا أن ننتبه إلى أن من القواعد الجميلة جداً “العلم”، علماً بأنني ذكرت هذا في دروس التفسير، وهذه من القواعد التي استفدناها من الشيخ الإمام عبد الله بن الصديق الغماري – قدَّس الله سره – وهو عالم كبير ومُبدِع وتوصَّل إليها – سبحان الله – بدقيق الفكر والإلهام، لذلك هى قاعدة عجيبة، فعلاً كم ادخر الله – تبارك وتعالى – من فضله للأواخر، فهذا لم يُسبَق إليه ولم يقل به أحد من الأئمة من قبله، ولكن الله – عز وجل – فتح عليه بهذا، وكثير هذا يحصل عند المُتأخِّرين حيث يفتح الله عليهم بأشياء لم يفهمها المُتقدِّمون، قال “وجدت العلم في كتاب الله كلما أُضيف إلى الله ونُسِبَ إليه وتعلَّق بأحد من البشر تعليماً أو إعطاءاً أو هبةً كان هذا البشر نبياً”، هذا لا يكون لغير نبي، وهذا شيئ غريب، وأنا تتبَّعت هذا في كتاب الله ووجدته صحيحاً إلا في موضع واحد وهو الخضر عليه السلام، وهذا جعلني أتراجع حتى عن اجتهاد لي في هذه المسألة التس سبق وقد ألَّفت فيها كتاباً وأنا شاب صغير، وصرت كالمُرجِّح أن الخضر نبي وليس ولياً لأن هذا الموضع استثنائي، قال الله آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ۩، فقول الله مِن لَّدُنَّا ۩ يدل على أن هذا علم نُسِبَ إلى الله وأوتيه الخضر، إذن الخضر نبي بحسب هذه القاعدة التي تقول “العلم إذا نُسِبَ إلى الله واُضيفَ إلى بشر يكون البشر نبياً”، فلماذا يكون الخضر هنا استثناءً؟!

المفروض ألا يكون استثناءً وتنتظم القاعدة، وهذه من المُرجِّحات الخفية لم يتفطَّن إليها أحد مِمَن ألَّف في قضية الخضر، وقد ألَّف فيها إبراهيم الحربي وألَّف فيها ابن الجوزي وألَّف فيها العلَّامة الحافظ ابن حجر العسقلاني وكثيرون، وأنا ألَّفت فيها كتاباً يقع في زُهاء خمسمائة صفحة قبل أكثر من عشرين سنة ولم أتفطَّن لهذا، فهذه القاعدة إذن من قواعد القرآن الكريم، وهذا من دقيق كتاب الله تبارك وتعالى!

إذن موضوع الركوع وما إلى ذلك بان وجهه لنا إن شاء الله تبارك وتعالى، ونعود مرة أخرى إلى قول الله إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ۩، فلسنا نُوافِق أن الولي بمعنى مُتولّي الأمور أو الخليفة الإمام، بل أنا أقطع ومُستعِد أن أُباهِل على أنه بمعنى المُحِب والنصير وليس بمعنى الخليفة والإمام، لأن السياق كله – الآية وسباقها ولحاقها – يُؤكِّد أن المُراد بالولاية هنا المحبة والنُصرة، والله العظيم هذا يُوجَد من أول السياق إلى آخره وقد تلوته عن عمد وقصد عليكم بطوله، فاقرأوا أول السياق حيث يقول الله  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء لا توالونهم في قضايا الدين والنُصرة من دون إخوانكم المُؤمِنين – بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  ۩ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ – الصحابي المُنافِق عبد الله بن أُبي بن سلول لعنة الله عليه كان خرزجياً فقام يُدافِع الخبيث عن حلفائه لأنه كان حليفاً لبني قينقاع، والخزرجي المعروف عُبادة بن الصامت أخو بني عوف من الخزرج رضيَ الله عنه وأرضاه كان حليفاً ككل خزرجي ليهود قينقاع، فهو حليفهم أيضاً، مثله مثل عبد الله بن أُبي، لكنه مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وقال له “يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم”، فأنزل الله فيه كما قال ابن إسحاق ومن بعده هشام هذه الآية، فهذه المسألة واضح أن لها علاقة بمُوالاة اليهود، فالنبي حاربهم وهم الذين أبتدأوا وهم الذين اعتدوا، لكن رأس النفاق ابن سلول لعنة الله عليه كان يُدافِع عنهم، أما عُبادة بن الصامت فكان يتبرَّأ منهم ويخلعهم وينبذ إليهم حلفهم ويتولّى الله ورسوله وإخوانه المُؤمِنين، إذن المقصود بقول الله تعالى فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ۩ ابن سلول وأشياعه – يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ۩، فما معنى يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ۩؟!

يُوجَد أقوال كثيرة طبعاً ولكن من أرجحها أن المقصود بقول الله  يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ۩أي في مودتهم وإظهار محبتهم ونُصرتهم ومُوالاتهم.

يَقُولُونَ – أي يُبرِّرون، وهذه في موقع التعليل، أي أنهم يُسارِعون في محبتهم لهذا السبب – نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۩، أي لعل الأمور تنقلب  والدهر قُلَّب والزمان غيّر فيظفرون منا بنصرٍ علينا فنكون قد اصطنعنا إليهم بعض يدٍ فتنفعنا عندهم، فهذا هو المعنى والعياذ بالله، لكن أنا أقول لكم أن هذا هو منطق المُنافِقين ومُهتزي الإيمان في كل زمان وحين، فهو موجود – والله العظيم – إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، فالواحد من هؤلاء لا يمحض الله ورسوله والمُؤمِنين ولاءه وإنما يبقى ينظر إلى هنا وينظر إلى هنا لكي يرى مَن الأقوى ولمَن الغلبة، فهو مُذبذَب، قال الله مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ  ۩، أي كالغنم العائرة بين الغنمين، فهى لا هنا ولا إلى هنا.

المُهِم هو أنهم قالوا نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۩ فردَّ الله عليهم بقوله فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ  – قيل أن المقصود بقوله أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ۩هو فتح مكة وقيل هو ضرب الجزية على اليهود والنصارى، فيكون المعنى أنهم بالعكس سيذلون مزيد ذُل بإذن الله، وضُرِبَت عليهم الجزية فعلاً، وبعضه أُجلوا واُخرِجوا، وبعضهم ذُبِح وقُتِل –  فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ۩ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء – هل هم هؤلاء؟ – الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِعن نُصرة الله ورسوله والمُؤمِنين وإعلاء شعار الدين –  فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُبالله عليكم إلى الآن السياق كله له علاقة بالخلافة أو له علاقة بالإمامة، أم له علاقة بمسألة محبة أو مُعاداة أعداء الله ورسوله؟ السياق واضح، وأنا لا أدري كيف لا نقرأ القرآن، نحن لا نقرأ القرآن، نحن أساتذة على القرآن، نأتي نفرض على القرآن معاني نُريدها، يُوجَد معاني مُسلَفة نُريد أن نفرضها على كتاب الله وهذا لا يجوز، فمن الأدب مع الله ألا نُقدِّم بين يديه، الأدب مع كتابه يقتضي أن نتعلَّم منه لا أن نُعلِّمه، فلابد من قراءة السياق كله – فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ – هذا نفس المعنى، فأنت تُحِب إخوانك وتُعادي أعداء الأمة وأعداء الدين، فهذا هو التولّي وهذه هى المُوالاة، وكل السايق ناضح وطافح بهذا، لكن لا أدري كيف لا يُلتفَت أو لا يُراد أن يُلتفَت إلى هذا –  يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۩ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ إذن هذه الآية وقعت في هذا الموقع، فيكون معناها الآن بعد أن سمعتم السياق وفهمتم التفسير عن مَن الذي يجب أن تتولَّوه وأن تنصروه وأن تُظهِروا تأييده وتمالؤه على عدوه وأن تُحِبوه –  اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ۩، لماذا قال “وَالَّذِينَ ۩” ولم يقل “والذي”؟!

الله قال في مواضع كثيرة بالعشرات “والذي”، مثل قوله وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي ۩،فلماذا عبَّر بالجمع هنا وقال وَالَّذِينَ ۩؟!

إذا كان المقصود هو الإمام عليّ – عليه السلام – لقال الله “والذي” وليس “وَالَّذِينَ ۩”فلماذا قال “والذي”؟!

علينا أن ننتبه إلى أن لدى الشيعة ولدى السُنة وفي اللغة العربية حملُ الجمع على الفرد مُتعذِّر، وهو أصعب من قضية تخصيص العام بكثير، فهذه صيغة جمع ومن ثم كيف لك أن تحملها على الإمام وحده؟!

فضلاً عن أن تخصيص العام في هذا الموضع  يحتاج إلى أدلة قوية جداً ليسوا يملكونها والسياق ضدهم، تقول الآية اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ۩، حال الخضوع والخشوع والبخوع لأمر الله، لا يترددون ولا يرتابون ولا يُعمِلون أهواءهم وأميالهم النفسانية.

الآن انتهت الآية، فاسمعوا ماذا تقول الآية التي والتها وعقَّبتها، قال الله وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ لم يقل “والذي آمن” وإنما قال “وَالَّذِينَ آمَنُواْ ۩”، فواضح أنها في مُوالاة المُؤمِنين –  فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ۩، وليس هذا فحسب، بل اسمعوا أيضاً ما جاء بعد هذه الآية، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۩ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ۩، فالسياق واضح جداً جداً جداً جداً ولا علاقة له بالإمامة.

 نأتي إلى الحصر لأنهم احتجوا به، قالوا “الله يقول إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ  ۩، وهذه فيها حصر،  فلو كانت الولاية بمعنى المحبة والنُصرة فلا تظهر فائدة الحصر”، هكذا زعم الشيعة وبرَّروا هذا قائلين “كل مُؤمِن يجب أن يُحِب المُؤمِن الآخر ومن ثم لا مكان للحصر،لكن لو قلنا الولي بمعنى الخليفة ظهرت فائدة الحصر، وأصبح هناك تفكيك بين ماهية المُتضايفين، فلا يكون المُضاف إليه هو المُضاف”، وهذا كلامٌ فاسد وفهمٌ كاسد، لكن هل تعلمون لماذا؟!

أولاً حين قرأتم السياق وفهمتموه هل وضح لكم الآن – والله أنا مُتأكِّد أن هذا واضح لأي إنسان يفهم العربية وعنده شيئ من ذائقتها – هل وضح لكم وجه الحصر؟!

واضحٌ جداً والذي سمك السماء بغير عمد معنى إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ   ۩، أما الحصر فيتمثَّل في أن وليكم الله والرسول والمؤمِنون دون اليهود والنصارى،  هذا هو، فهل فهمتم كيف كان الحصر؟!

لكن هم قطعوا الآية من سياقها وبتروها من نسيجها وقالوا “الآية تقول إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ۩ وبالتالي إذا كانت بمعنى المحبة والنُصرة فلا فائدة للحصر”،لكن نحن لم نقل أن هذه تتعلق بـالذين آمنوا بحيالهم وإنما نقول أنها تتعلَّق بهم في مجموعهم بإزاء اليهود والنصارى، وبالذات اليهود هنا طبعاً هم المقصودون، فالسياق كله عن اليهود، فإزاء اليهود ظهرت فائدة الحصر، فيكون للحصر فائدة وبالتالي يُصبِح معنى وَلِيُّكُمُ ۩أي نصيركم وحليفكم وحبيبكم المُؤمِنون دون اليهود – دون قينقاع –  مثلما فعل عبد الله بن أُبي وشيعته، لكن هذا لم يتعرَّضوا له وتحدَّثوا عن الحصر بشكل مبتور.

ثم أن هناك حُجة من أقوى ما يكون، وهى حُجة مأخوذة من فقه العربية وعلم العربية، متى يُستخدَم الحصر؟!
أنا سأُبسِّط لكم هذا قبل أن أتلو القاعدة بمثال، وبالمثال تضح الأمور الغامضة، فالآن نحن في مجلس وسوف نفترض أنه حصل اختلاف على عالمية عالم بين العلماء أو أعلامية عالم مثلاً، وكان يُوجَد مجموعة مشائخ وعلماء فجاء مَن هو مسموع له وثقة عند الناس وقال “إنما العالمُ فلان”، وهو العالم المُختلَف عليه، إذن متى نستخدم صيغة الحصر والتخصيص؟!

في وقوع التردّد بالاشتراك والمُنازَعة .

هذه قاعدة يعرفها كل مَن درس العربية، فإذا لم يقع  اشتراك بتردّد ومُنازَعة فلا فائدة للحصر، فلماذا نقول “إنما العالم فلان” إذا لم يكن هناك اختلاف عليه؟!

هذا جميل جداً، فبالله عليكم ما الذي وقع فيه الاشتراك والتردّد؟!

هل وقع التردد في مَن يكون خليفة بعد الرسول أم مُوالاة المُؤمِنين دون اليهود ومُوالاة اليهود دون المُؤمِنين؟!

ما الذي وقع فيه الخلاف بحسب ما يقوله السياق كله؟!

الذي وقع فيه الخلاف هو الموضوع الثاني، قال الله فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى  ۩ فالله ردَّ عليم وثرَّب عليهم ودمدَم عليهم في موضوع  مُوالاة اليهود من دون المُؤمِنين، والمُؤمِنون قالوا بل نوالي إخواننا المُؤمِنين ورسولنا وربنا دون اليهود وقينقاع مثل عُبادة بن الصامت رضوان الله عليه، فهذا هو الذي وقع فيه التردّد بالشركة والارتياب وإلى آخره، فحسم الله النزاع بأن أتى بصيغة الحصر وقال إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ  ۩، هؤلاء هم أولياؤكم وليس اليهود وبني قيقناع.

هذا هو، فلماذا تُهوِّلون علينا بموضوع الحصر وغير الحصر؟!

هذا الكلام كله غير صحيح لا من قريب ولا من بعيد، والسياقُ معنا فضلاً عن وجود قرينة لعلي أختم بها، حيث أنني ذكرتأن اللفظ المُشترَك في الآية هو “ولي”، واللفظ المُشترَك عموماً وفقاً لقواعد العربية وقواعد الأصول لا يُحمَل على أحد معانيه إلا بقرينة خارجة، وأنا ذكرت أن هناك ما يقرب من عشرين معنى لكلمة “ولي” وأننا  حملنا المعنى على المُحِب والنصير في حين أنكم حملتموه على الخليفة والإمام  مُتولّي الأمور، لكن لابد من قرينة، فمَن أسعد بالقرينة الخارجة: أنتم أم نحن؟!

أنا أقول لكم نحن أسعد بمراحل، فالسياق القرآني كله معنا من أوله إلى آخره ويُؤكِّد أن معنى الولاية المحبة والنُصرة والتولي، فالسياق كله معنا والقرينة معنا  بدليل الآية التي والتها وعقَّبتها، قال الله وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ انظر إلى الذيل – فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ  ۩، وهذه إشارة إلى المعركة بين الرسول ومُعسكَّر الإيمان وبين قينقاع، فالله يقول للمُؤمِنين أن الغلبة في نهاية المطاف لنا وليست لبني قينقاع، فكونوا معانا أفضل لأننا نحن المُنتصِرون، إذن المسألة ليس لها علاقة بالخلافة والإمامة، فإذن عن أي خلافة وإمامة تتحدَّثون؟!

بالله عليكم هل وقع أيام قينقاع خلاف بين الصحابة مَن يكون الخليفة بعد الرسول؟!

ثم بالله عليكم – وأنا أستحلف إخواني الشيعة قبل إخواني السُنة – هل سياق الآيات وجو الآيات وصيغة المَضارِع في الآيات كلها تشي بشيء مُستقبَلاً؟!

 سياق الآيات وجو الآيات وصيغة المَضارِع  يدل على أن الآيات تتحدَّث عن شيئ كان حاصلاً ويحصل، لكن لا أدري كيف يُفهَم القرآن الكريم، وهذا القرآن حُجة قاطعة – والله العظيم – على كل مَن قرأه وأنا أُقسِم بالله على هذا، ولكن مَن أراد أن يستهدي به هداه الله، ومَن أراد أن يهدي القرآن أضله الله، فهناك مَن يأتي وهو يُريد أن يهدي القرآن وأن يُعلِّم القرآن كيف تكون المعاني.

هناك فائدة أخيرة ومُهِمة جداً لدي وهى فائدة استقرائية، استقروا – علماً بأنه لا ينبعي أن تقول استقرئوا وإنما قل استقروا، فاستقرئوا تعني اطلبوا القراءة، أما  استقروا تعني اطلبوا الاستقراء – كل موارد كلمة ولي ومولى وولاية في كتاب الله،
في ماعدا موضعين فقط تأتي بمعنى المحبة والمُوالاة والنُصرة باستمرار، قال الله وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ ۩.

 نسيت أن أذكرموضوع المُتضايفين، هم قالوا “إذا لم يكن الولي بمعنى الخليفة سوف يُصبِح المُضاف هو المُضاف إليه”، وهذا كلام فارغ، هذا فعلاً فهمٌ عاطل عن التدقيق بالمرة، فماذا تفهمون – مثلاً – حين أقول لكم  أيها الناس لا تغتابوا الناس؟!

ما معنى أن يقول الله وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۩؟!

قد يقول لي أحدهم كيف تقول “أيها الناس لا تغتابوا الناس”؟!

هل أنت تُريد بقولك “أيها الناس لا تغتابوا الناس” ألا يغتاب أحدنا نفسه؟!

أنا لم أُرد هذا، ولم يفهم أحد من كلامي هذا أنني أردت ذلك، والذي قلته صيغة عربية مُبينة فصيحة، ومن هنا يُمكِن أن أقول يا أيها الناس لا تغتابوا الناس أو أيها الناس لا تأكلوا أموال الناس لأن المعنى صحيح، والله تكلَّم بما هو أبلغ من هذا وقال وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۩، فما معنى وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۩ ؟!

أي لا يقتل بعضكم بعضاً، لأنه قال أيضاً في سورة البقرة تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ۩، أي لا تقتلون بعضكم بعضاً، كما صرَّحت الآية التي جاءت بعقبها بالقول فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ  ۩ أي على بعضكم بعضاً.

قال الله  وَلا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم ۩، فما معنى  وَلا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم ۩؟!

هل المقصود ألا ألمز نفسي أنا كعدنان مثلاً؟!

معنى وَلا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم ۩ أي لا يلمز  بعضكم بعضاً.

إذن حين يقول الله لنا تولوا بعضكم يُريد أن يقول تولوا بعضكم بعضاً، فمعنى تولوا أنفسكم أيه تولوا بعضكم بعضاً، لكن هم أتوا بكلمات غريبة وتحدَّثوا عن المُضاف والمُضاف إليه، وهذا كله كلام فارغ لا يقوله مَن يعرف العربية، فالمعنى يكون: يا أيها المُؤمِنون أنتم أولياء المُؤمِنين، يا أيها المُؤمِنون إنما أولياؤكم المُؤمِنون، فحين يقول الله  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ۩ نفهم أن المعنى المقصود هو يا أيها المُؤمِنون أنتم أولياء بعض.

قال تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ فيكن بعضكم ولياً لبعض من كل جهة، فأنا وليك وأنت وليي، وأنا أُواليك وأنت تُواليني – تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ  كَبِيرٌ ۩.

إذن أختم بقولي أن كلمة الولاية في كتاب الله – تبارك وتعالى – دائماً تأتي بهذا المعنى – وتلوت عليكم نمطاً من الآيات – إلا في موضعين:

أولاً ولاية ولي الدم، قال الله وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۩، فمعنى الولي هنا هو القريب من العصابات الذي يتولّى المُطالَبة بدمه أو يرضى بالصلح والدية.

ثانياً ولاية الضعيف والأخرس والعاجز والسفيه، قال الله فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ ۩، هذا ولي وهذا مُولى عليه وداخل في ولايته، وهذا قريبه المسؤول عنه.

 فيما عدا ذلك الولاية تأتي بمعنى المحبة والنُصرة، فلا مُدخَلية لمعنى الخلافة والإمامة فيها بوجه.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد أيها الإخوة:

أرجو أن أكون قد بلغت شيئاً من نُجحٍ وشيئاً من بيان – إن شاء الله – بعرضي  لمُناقَشة  دليل واحد وهو آية الولاية من سورة المائدة من أدلة إخواننا الشيعة الإمامية الاثنا عشرية الجعفرية في مسألة الإمامة وبرهنتها، فقط لكي يضح لنا ويضح لمَن طلب الحق من الطائفتين أن المسألة ليست يُقطَع فيها على الوجه الذي يظنون وأنها واضحة تماماً وأن كتاب الله فيه قاطع ولذلك مَن لم يُؤمِن بهذه الإمامة على النحو الذي يفعلون فقد خرج من الدين ومرق من حظيرته وإلى آخره، فالأمر خطير وما ينبغي لمُؤمِن – وكلامي هنا لإخواني الشيعة – أن يتهوَّر وأن يتورَّط في تكفير أهل ملته وأهل دينه على هذا النحو العاجل وعلى هذا النحو القلق غير المُحكَم، وإلا أين المُحكَمات والقواطع؟!

مَن جاوز القواطع  قُطِعَ به في الدنيا والآخرة، ومن هنا نسأل الله أن يصلنا، اللهم صلنا بحبلك المتين ومسِّكنا بعُروتك الوثقى واهدنا فيمَن هديت وعافنا فيمَن عافيت وتولَّنا فيمَن توليت، اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك ونبتهل إليك ونضرع في هذه الساعة المُبارَكة من هذا اليوم الكريم الأغر الأزهر الأبر – يوم الجُمعة – من بيتك أن ترحمنا في شهر رمضان وأن تغفر لنا ذنبنا كله في شهر رمضان قديمه وحديثه، دقيقه وجليله، سره وعلانيته برحمتك يا أرحم الراحمين، كما نسألك ونضرع إليك أن تعتق رقابنا من نار جهنم ورقاب آباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وقراباتنا وصديقنا ومشائخنا وأزواجنا وأولادنا وذرارينا والمسلمين والمسلمات معنا بفضلك ومنّك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، يا سميع الدعاء، يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا الجُلة ما علمنا منها وما لم نعلم ونتوسَّل إليك بك ونسألك بحق لا إله إلا الله أن تنصر الإسلام وأن تُعزّ المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعِزّالمسلمين، اللهم انصر عبادك المُستضعَفين المُضطهَدين المحروبين في كل مكانٍ يا رب العالمين، ونخصُ يا الله سوريا الشهيدة الجريحة، اللهم انصر شهداءها وانصر ثوَّارها وانصر مُجاهِديها وانصر الذين ثاروا طلباً للإسلام وللحق وللحرية وللكرامة يا رب العالمين، اللهم ثبِّتهم وأيِّدهم وأنزِل عليهم روحاً من عندك وملأً من جُندك، اللهم ثبِّت الأرض تحت أقدامهم، اللهم بارك نُقلهم وخُطاهم، اللهم ارحم شهداءهم، اللهم آسي جراح جرحاهم يا رب العالمين، اللهم مكِّن لهم ووحِّد صفهم وكلمتهم وجمعهم وأيِّدهم وأيِّد بهم وانصرهم ولا تنصر عليهم وخذِّل عنهم ولا تخذلهم وأظفرهم بعدوهم.

 اللهم عليك بجبابرة سوريا، اللهم عليك بهم أجمعين، اللهم أحصهم  عدداً ودمِّرهم بدداً ولا تبق منهم أحداً وأدر عليهم دائرة السوء فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم عليك بجبَّار ليبيا ومَن شايعه ووالاه يا رب العالمين وبجبَّار اليمن وبكل جبابرة العرب والمسلمين، لا تبق منهم أحداً وأدر عليهم دائرة السوء، يا مُنزِل الكتاب ويا مُجري السحاب ويا هازم الأحزاب اهزمهم وأظفرنا بهم وأعلنا عليهم.

اللهم هيّئ لهذه المرحومة المُصطفوية المُبارَكة أمر رشدٍ تُعِزّ فيه أولياءك وتُذِل فيه أنوف أعداءك، يُعمِل فيه بكتابك وبُسنة نبيك – عليه السلاة وأفضل السلام – ويُتناهى فيه عن المُنكَر ويُؤمَر به بالمعروف وتأمن فيه سُبل المُؤمِنين إنك ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩

ــــــــــــــــــــــــ

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، وأقم الصلاة!
  

(19/8/2011)
http://fb.me/Dr.IbrahimAdnan

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: