السؤال الأول: ما هو مشكل الإسلام اليوم؟

أجاب الأستاذ دكتور عدنان إبراهيم قائلاً بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، أود في البداية أن أبدأ مُتبرئاً من الغرور والادّعاء بالقول أنني مُلتزِم إزاءكم جميعاً وجمعوات بالحقيقة التي تتعدَّد وجوهها وتتعدَّد مُقارَباتها ولكني أرجو أن أكون مُلتزِماً بالصدق، صادمية خطابي وجوابي حتى عن هذا السؤال الذي طرحه أخي فيليكس Félix تتمثَّل في أنني في العموم أذهب في الاتجاه المُخالِف، الاتجاه الذي لا ينطلق من التمجيدية الباحثة والمُولِّدة بعد ذلك للروح الاعتذارية والتبرير، بالعكس أنا أذهب دائماً – وأود أن أبقى كذلك – في الاتجاه النقدي الذي يصطدم مع كثير من الدوجمات في التفكير الإسلامي المُعاصِر والراهن، بعد ذلك أود أن أقول من المُسلَّمات لدى المُسلِمين حول العالم أن العالم الإسلامي برمته الآن على تفاوت واختلاف نسبي يُعاني من حالة تخلف حضاري على جميع المُستويات، سياسياً، اقتصادياً، وأيضاً فكرياً وعلمياً، لماذا يُفترَض – طبعاً من قِبَل طرف أنفار مُعيَّنين وجهات معروفة من المُسلِمين – أن الفكر الإسلامي بالذات بخير وأنه على ما يُرام ونتعاطى معه للأسف بجدية على أنه يُمثِّل الإسلام ويُمثِّل روح الإسلام؟ الأمر ليس كذلك بالمرة، ينبغي أن يكون هذا الفكر مبدئياً أيضاً فكراً مُنحَطاً، لأننا في حالة انحطاط إسلامي عام، هذا الفكر لا يُمكِن أن يُقال أنه يعكس روح الإسلام أو روح حتى النص التي يُمكِن مُقارَبتها بسهولة ومن طريق قصيرة، هذه مُقدِّمة ومن وراء هذه المُقدِّمة أود أن أقول نحن نُريد أن نذهب في اتجاه الإصلاح والتجديد مُعتمِدين على أمل إعادة اكتشاف الدين، يُمكِن بعد ألف وأربعمائة سنة حصل خلالها تراكم معرفي هائل، وخاصة في القرون الحديثة – قرون الحداثة – وهى دراستها عمومية وعالمية أيضاً حصل فيها تطور مناهجي لافت على مُستوى الميتودولوجي، يُمكِن الآن لبعض المُسلِمين المُجتهِدين والمُتمتِّعين بحس الصرامة والمسئولية العلمية والأكاديمية أن يُقدِّموا مُقارَبات جديدة تذهب في اتجاه إعادة اكتشاف الإسلام وإعادة اكتشاف روح الدين، ما معنى هذا الكلام؟ الإسلام – أيها السادة والسيدات – هو ثالث الأديان التوحيدية المُنتسِبة إلى خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة وأفضل السلام، هذه الأديان التوحيدية تتصدى لمُهِمة عظيمة رئيسة، وهى ترجمة صورة الله – تبارك وتعالى – كإله واحد وأوحد لهذا الوجود، الوجود الإنساني والوجود الطبيعي، عالم الشهادة وعالم الغيب، من هذا المُنطلَق البسيط يُمكِن أن نقول مُباشَرةً وبشكل سريع كل تأويل وكل فهم للنص الديني – وأعني هنا بالذات بصفتي مُسلِماً للنص القرآني – يذهب في اتجاه يتنكر للإنسان ولكرامة الإنسان ولأولوية الإنسان التي تسبق أولوية الأيدولوجيا والفكر بل أولوية الفهوم الدينية النسبية والمُتحرِّكة هو بالتالي وبالحري فهمٌ يعمل على مسخ صورة الله تبارك وتعالى، وبهذا لا أقول يتقاطع وإنما يقطع مُباشَرةً مع المُهِمة الرئيسة والأكرم والأعظم للديانة التوحيدية، للأسف الشديد هذا حدث وظل يحدث ولا يزال يحدث إلى اليوم، وأيضاً في مُختلَف الديانات التوحيدية وليس الإسلام بدعاً، في كتاب المُسلِمين المُقدَّس وهو القرآن العظيم ربما يكون لافتاً لمَن يقرأه قراءة أولية – طبعاً وهو يحتوي على مائة وأربع عشرة سورة – أن السورة الأولى في هذا الكتاب تبدأ في مُصحَفِه بالقول الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، الله ليس رب المسلمين، وليس رب النصارى واليهود والمُسلِمين – أي المُوحِّدين – فقط، إنه رب العالمين، وتنتهي آخر سورة – وهى سورة الناس – بالقول قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۩، وكلمة الناس أيضاً يُمكِن أن تُعادِل كلمة العالمين في العمومية، وفيما بين ذلك يتواتر التوجه والنداء الإلهي للبشر بعنوان يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ۩ وبعنوان يَا أَيُّهَا النَّاسُ ۩ وأيضاً تقريراً للكرامة الآدمية المُتساوية يقول وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، المُكرَّم ليس المسلم وليس اليهودي وليس المسيحي وإنما الآدمي بما هو آدمي، بمحض هذا العنوان هو مُكرَّم، قال الله وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، أحسب أن هذا المُنطلَق يُمكِن أن يُشكِّل نواةً صُلبة لكل إصلاحٍ مُرتقَب ولكل إصلاحٍ مطلوب، لأن الإصلاح إذا لم ينطلق من مُنطلَق غائي مُكثَّف وواضح لن يُجدي، وطبعاً يُمكِن في الإيتيمولوجيا Etymology – علم الاشتقاق الإسلامي – أن نُفسِّر الإصلاح بأنه العودة بالجهاز المفاهيمي وبالجهاز المُعتقدي بل حتى بالجهاز الميكانيكي الآلي إلى الحالة التي تُمكِّنه أن يُؤدي وظيفته وعمله، والسؤال الذي يثور من فوره ما هى وظيفة وعمل هذا الدين وهذا الشرع المُسمى بالإسلام؟ هذا هو السؤال الأول، السؤال الأوسع غائياً، ما هى الوظيفة؟ ما هو العمل؟ دون الدخول في تفاصيل واستدلالات قرآنية مُباشِرة واضح أن الوظيفة هى تأكيد مُكرَّمية الآدمي، أي تأكيد أولوية هذا الآمي عبر تأكيد مُكرَّميته، لأنه إذا كان مُكرَّماً فإن كل ما يقطع مع هذه المُكرَّمية – أي يمشي في خط مُناقِض ومُعارِض لها كإلغاء حرية الإنسان – يقطع مع الدين، والمقصود بإلغاء حرية الإنسان ليس الحرية الأنطولوجية أو الميتافيزيقية إزاء الخالق تبارك وتعالى، بل الحرية إزاء الآخر، إزاء الآخر المُجتمَعي أو الآخر حتى الفردي، الآخر الملي أو الآخر الأوسع من الملي، فإلغاء حرية الإنسان تُعتبَر مُباشَرةً ضرباً لكرامته في الصميم، ولا يُمكِن أن يتذرَّع هذا المُلغي أو هذا الإلغاء بنصوص دينية تزعم هذا، هنا يطيب لي أن أُدلي لكم – أيتها السيدات والسادة المُحترَمين – بالقول في القرآن الكريم – وهذا ربما ما لم يسمع به بعضنا وربما كثيرٌ منا – أكثر من خمسمائة آية تُقرِّر حرية الاعتقاد للإنسان،  وبالمُناسَبة القرآن يشتمل على ستة آلاف ومائتين آية وتزيد قليلاً، لكن أكثر من خمسمائة آية تُقرِّر حرية الاعتقاد للإنسان بطرق مُختلِفة وعجيبة جداً كلها تلتقي على تقرير حرية المُعتقَد، أي ما يُسمى بحرية الضمير، في القرآن الكريم الذي يُصوَّر الآن والإسلام عموماً على أنه دين مُنغلِق ودين حصري ودين مُتنكِّر للإنسان ولأشواق وحريات الإنسان لفتة أكثر من رائعة وأكثر من مريحة، يمتن الله  تبارك وتعالى – أي يُذكِّر بنعمته ويُذكِّر بمنته على البشر، على الناس بمَن فيهم المسلمون أنفسهم – بأن سُنة الله – تبارك وتعالى – أو قانونه القدري المرعي يعمل دائماً بحيث يبقى التنوع الملي والديني موجوداً ومصوناً محوطاً، قال الله وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ – آخر شيئ مساجد – يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ۩، الله يرى أن من النعمة ومن المنة أن تُوجَد مُتعبَدات اليهود ومُتعبَدات النصارى ومُتعبَدات المُسلِمين، وهذه في سورة الحج، في سورة الحج ذاتها هناك آية أخرى أيضاً، وقد خطر لي من فوري الآن سؤال لماذا يأتي هذا في سورة الحج؟ الحج طبعاً لمَن يعلم من غير المُسلِمين هو العبادة التظاهرية العُظمى التي تتم مرة في السنة في مكة المُكرَّمة، حيث يأتي المُسلِمون من كل الأشكال والأعراق والإثنيات واللغات والخلفيات المُختلِفة من جميع أربعة أنحاء المعمورة إلى هذا البلد المُقدَّس إخوةً، لا يجمعهم إلا الأخوة في الآدمية ثم الأخوة في توحيد الله تبارك وتعالى، هذا معنى الحج، في سورة الحج آية مفتاحية أخرى تُدير الاجتماع الديني – ليس الاجتماع السياسي وإنما الاجتماع الديني – وهذه الآية تقول إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا– على كل حال هذه هى الأديان والملل التي كانت ماثلة وحاضرة في جزيرة العرب عشية بُعِثَ محمد ونُبِئ وأُرسِلَ بعد ذلك، الله يقول كل هذه الشرائع وكل هذه الملل والأديان ليس محمد وليس أتباع موسى وليس أتباع عيسى وليس أتباع زرادشت وليس أتباع أي نبي من الأنبياء يُمكِن أن يقول كلمة الفصل بينهم، إنما كلمة الفصل مُرجأة إلى الله يوم القيامة – إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۩، ينبغي أن يظلوا على قدم سواء موجودين  حاضرين ومُمثَّلين بكامل الحرية والاحترام والتوقير، أما الفصل فهذه مُهِمة الرب يوم القيامة، ليست مُهِمة الأنبياء فضلاً عن أن تكون مُهِمة أتباع الأنبياء الذين ساروا أحياناً في خط مُناهِض تماماً لخط الأنبياء، حتى لا أُطيل وأعطي الفرصة لزميلي الدكتور محمد أُحِبُ الآن أن أختم بالقول:

أيتها السيدات والسادة إذا كان القرآن بمثل هذه الفرادة وهذه العظمة وهذا الثراء في قبول الآخر وتوقير التعددية المُعتقَدية الدينية لماذا نرى من المُسلِمين بعض القراءات الإسلامية الحصرية التي يضيق صدرها ليس فقط بالآخر الديني وإنما بالآخر المُسلِم ضمن الإسلام نفسه؟ وطبعاً أنا هنا أُثنّي على كلمة أحد الفلاسفة وأشكره على ذلك بخصوص أنه لا ينبغي لنا أن نتورط في تعميمات غير علمية وغير عادلة ومُنصِفة من الجهة الأخرى فنتحدَّث عن الإسلام حين نُريد أن نشجب أو نُنكِر أفعال وسلوكات بعض المسلمين، هناك مُبرِّر موضوعي وفلسفي لهذا يتمثَّل في القول بأنه لا تُوجَد قراءة واحدة اليوم للنص الإسلامي، تُوجَد عشرات القراءات، صحيح القراءة الداعشية والقراءة القاعدية – وهى قراءة كارهية – موجودة وهى إحدى القراءات، لكن هناك عشرات القراءات ترتقي لمصاف وتسبح بأفق وسماوات عُليا مُختلِفة تماماً ولا أقول إلى حدٍ بعيد، إذا كانت هذه القراءات المُتاحة والمُتعدِّدة موجودة إذن لا ينبغي أن نقول الإسلام، وإنما نقول هذا الفصيل من المُسلِمين وهذه القراءة أو تلك القراءة لكي نكون مُنصِفين ولكي نكون عادلين، أعود إلى تتمة سؤالي لماذا نرى بعض القراءات الإسلامية الحصرية التي يضيق صدرها ليس فقط بالآخر الديني – باليهودي والنصراني والبوذي والمُلحِد واللاديني – بل لتضيق بالآخر المُسلِم ضمن الإسلام نفسه؟ يُؤسِفني هنا أن أُدلي لكم بمفتاح الجواب وربما ستأتي فرصة أخرى بُعيد قليل لكي أُفصِّل، العقل المُسلِم مثل سائر العقول البشرية عبر التاريخ عمل مدفوعاً بدوافع مُختلِفة وضمن ظروف والتباسات كثيرة – ليس هذا الآن مجال تفصيلها – إلى الذهاب في الاتجاه المُعاكِس لجمهرة النصوص أو لغابة النصوص، لأكثر من خمسمائة آية تُقرِّر حرية الاعتقاد وحرية الضمير ومحوطية التنوع الملي مُستخدِماً آليات عجيبة غريبة لا تُفلِح في تأويل النص وإنما تُفلِح بكلمة في شطب النص وفي إدارة الظاهر له، وأنا أعني ما أقول، لا أتكلَّم بلغة مجازية أو شعرية، تُفلِح فعلاً في شطب النص، لقد أبدع العقل المُسلِم – ويا ليته لم يُبدِع – آليات، هذه الآليات تنص على أن النصوص يُمكِن أن تُبطَل ويُمكِن أن تُشطَب، تكون موجودة للتبرك وللتعبد ولكن لا نستفيد منها شيئاً، نستفيد ماذا؟ نستفيد الذي تُبرِزه وتُؤكِّده عقلية الهيمنة، الهيمنة على الآخر المُسلِم والآخر غير المُسلِم، وطبعاً هذه المرة وفي كل مرة بإسم النص وبإسم الدين، أكتفي بهذا القدر.

السؤال الثاني: هل من المُهِم مُقاوَمة التطرف الديني بخطاب ديني؟

أجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً شكراً أخي فيليكس Félix على السؤال، في الحقيقة أنا أُؤكِّد ما ذكره أخي فيليكس Félix طبعاً ليس من باب الإشادة بتجربتي الشخصية المُتواضِعة وإنما من باب فتح باب للأمل وللابتسام، وهذا الشيئ يُفرِحني شخصياً وأعتقد أنه يُسعِدكم جميعاً، في نهاية المطاف نحن إخوة في الإنسانية في مركب واحد وهو كوكب الأرض، ويُسعِدنا أن نعمل جميعاً لجعل هذا المكان مكاناً أصلح للعيش عبر منطق مقبول أكثر للتعايش والتثاقف والتقارب، تجربتي الشخصية المُتواضِعة عبر أكثر من عشرين سنة وضَّحت شيئاً التقطه جميع مَن تابعها وتابع أمثالها، هناك تجارب كثيرة مثل هذه التجربة وربما أغنى منها وأفضل منها وأعمق منها، الذين تابعوا هذه التجارب على تعددها ثبت لديهم أن هناك تعطشاً في العالم الإسلامي – وفي العالم العربي خصوصاً طبعاً لكوني عربياً وأُخاطِب بالعربية – لخطاب جديد يثبت لدى المُسلِم أنه يلتئم ويتوافق بإنسانيته أكثر، وكون هذا الخطاب يتوافق مع إنسانية المُسلِم أكثر فهذا يعني أنه يُقرِّبه من إخوانه في البشرية وفي الإنسانية أكثر، يُذيب الجليد ويُذيب الحواجز ويُبرِّئ المسلم، يجعله بارئاً فيشفى من منطق العنصرية الدينية وأننا الأمة المُختارة وأننا أفضل الشعوب وأفضل الأمم على أساس التعاطي مع الإسلام كهوية، فقط هوية بغض النظر عن مدى عمق المُمارَسة ومدى صدق وروحية هذه المُمارَسة لهذا الدين ولهذا المُعتقَد، هو هوية مثل الهوية اللغوية أو الهوية الإثنية العرقية أو غير ذلك للأسف، بحمد الله – تبارك وتعالى – رغم كل ما نراه من هذا التمدد العشوائي الانشطاري السرطاني لخطابات الإفناء وخطابات الجريمة في العالم العربي والإسلامي هناك تشوق وتشوف غير مسبوق بالملايين بين الشباب والشابات لهكذا خطاب، خطاب يجعلهم – كما قلت مرة أخرى – أقرب من إخوتهم في الإنسانية، خطاب يجعلهم ينظرون نظرة فيها تواضع الإنسان، ربما في رأس الفروق بين الله – تبارك وتعالى – وبين الإنسان أن الله مُطلَق ونحن البشر نسبيون، معنى أننا نسبيون أننا يعترينا الجهل، ولذلك ما مِن أحد يُمكِن أن يُؤدي دور الأستاذ على طول الخط، سيُؤدي دور الأستاذ للحظة ثم يتراجع ويُؤدي دور التلميذ، وسيُؤدي أيضاً بين ذلك وذلك دور المُشارِك في الإسهام العام، المُسلِم النمطي – مُسلِم عصور الانحطاط والتخلف – أبى إلا أن يلعب دائماً في فراغ واهم دور الأستاذ، وربما هذا يُفسِّر لنا على كل حال – جزءاً ويُقدِّم سبباً لتخلف العالم الإسلامي حضارياً على حد مقولة المُفكِّر الجزائري الكبير مالك بن نبي، لأن المُسلِم فشل أن يتسلَّح بعقلية تلميذ أمام الآخر، بالذات في هذه الحالة الغرب المُتقدِّم حضارياً، فكرياً، علمياً، وتقنياً، المسلم ابن عصور الانحطاط أبى إلا أن يلعب دائماً في فراغ واهم دور الأستاذ، ويتكلَّمون بلغة أستاذية البشرية، لسنا الآن بصدد أن نلعب دور أستاذية البشرية، نحن الآن يجب أن نقبل بكل تواضع دور التلميذ، بالأمس كنا أساتذة بلا شك، ويُعترَف لنا بهذا عالمياً، اليوم ينبغي أن نتعلم أن نلعب دور التلميذ، لكن – كما قلت – ليس دوراً من البداية حتى النهاية، دور فيه أدوار كثيرة، نأخذ ونُعطي ونُعطي ونأخذ، قال الله – تبارك وتعالى – في القرآن يَا أَيُّهَا النَّاسُ والخطاب الآن للناس أيضاً – إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ ۩، كل البشر الهدف من خلقهم أن يتعارفوا، أن أعرف ما لديك وأن تعرف ما لدي، أن أُفيد مما لديك وأن تُفيد مما لدي، الجاحظ – الفيلسوف والمُفكِّر المُعتزِلي الهائل في القرون الأولى – في البيان والتبيين يكتب عبارة غير مسبوقة يُؤكِّد فيها بالتفصيل أن الحكمة والحقيقة لها وجوه أقوامية، فتجد عند الروم ما لا تجده عند الفرس، وتجد عند العرب ما لا تجده عند الهنود، وفي النهاية الحقيقة – من هذا الموضوع الهوروسكوبي – هى حقيقة مُتعدِّدة الوجوه وينبغي أيضاً أن نُداوِرها من وجوهها المُختلِفة، بفضل الله الآن الأجيال المسلمة – ليس في فيينا وإنما حول العالم – بدأت تتشرَّب بتشوق وتعطش وعشق هذا الخطاب الجديد، أحسب أنه على المُسلِمين وعلى غير المُسلِمين – وللمسلمين أصدقاء كثر كما أن أيضاً المسلمين أصدقاء كثر لغير المُسلِمين – أن يعملوا سوياً لدعم هكذا خطاب، وفي النهاية لن تكون نتيجته إلا جعل العالم مكاناً أفضل، وشكراً.

السؤال الثالث: ما هى حدود تأويل النصوص في التعاطي مع الآخرين؟
أجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً سأجعل الجواب توخياً للاختصار في نقطتين، النقطة الأول هى أنني ألمعت في أول كلامي بأنه لا يُمكِن – من غير المُمكِن بتاتاً – الاستناد إلى النصوص القرآنية في تبرير هكذا جرائم وشناعات إلا باعتماد الآلية الخاطئة التي دشَّنها العقل المُسلِم للأسف منذ البدايات المُبكِّرة والتي سوَّغت له شطب النصوص – أنا واضح جداً هنا وأقول شطب النصوص – وإلغاء النصوص وادّعاء أن خمسمائة آية لم تعد تعمل ولا موضع لها، وباللغة الأصولية – لغة أصول الفقه – باطلة وأحكامها باطلة، ولذا هذه كارثة، لذلك كما قلت لكم صادمية خطابي أنني لا أُحِب أن أُجامِل نفسي أو أُجامِل إخواني وأخواتي من المُسلِمين والمُسلِمات، أنا أُريد إصلاحاً حقيقياً، أُريد أن أُحدِّق في عين الحقيقة، وهو مُؤلِم أكثر من التحديق في عين الشمس، أقول بكلمة إذا ظللنا مُصِرين على اصطناع وتسويق هذه الآليات دون التجديد فيها بالحذف والإضافة أيضاً والتغيير سيظل العقل المُسلِم للأسف الشديد مُؤهَّلاً لأن يُنتِج خطابات كارثيةن خطابات غير صحيحة، آن الأوان لكي يتغير هذا الخطاب، النقطة الثانية عوداً على السؤال الذي أفاض فيه الدكتور غالب بن شيخ بطريقة مُمتازة في تعريف الإسلام أُحِب فقط أن أُضيف شيئاً وهذا طبعاً له علاقة بالسؤال، الإسلام يُمكِن أن يُنظَر إليه من زاويتين دلالياً أو اشتقاقين، الإسلام بلا شك – ولا يُمكِن أن نُنكِر هذا لأنه تصريح في القرآن – هو من إسلام الوجه لله تبارك وتعالى، واضح أن هنا معنى الاستسلام وارد، لكن الاستسلام لله لا يعني إلغاء حرية الإنسان حتى الميتافيزيقية إزاء الله بالكامل، هذا غير موجود، ولا يعني إلغاء مناط التكليف في الإسلام، وهو العقل القادر على التمييز والفرز والاختيار، لكن هذا الإسلام – يا إخواني وأخواتي – إسلام يُؤسِّس للسلام بين البشر ولإخوة البشر، بمعنى ماذا؟ بمعنى أن الإنسان بما هو إنسان – والمسلم ليس استثناءً بل المسلم مدعو أولياً إلى هذا – ينبغي أن يبرأ من كل دعوى أو أزعومة ربوبية أو إلهية، لسنا آلهة، لسنا أرباباً، وبالتالي لا نُمارِس دوراً من الهيمنة الكلية على إخواننا البشر، هذا لا يسوغ لنا، لأننا لا نُسلِم إلا لقوة واحدة فقط، نتساوى جميعاً كبشر مهما اختلفت حيثياتنا ومهما اختلفت خلفياتنا في هذا الاستسلام لإله واحد، لو انطلقنا من هذا ما الذي يحصل؟ يحصل أن كل ضروب الإلغاء والهيمنة والتسلط على الآخر – الآخر بما هو – ينبغي أن تختفي، ومن هنا يكون السلام ، من هنا الجذر الواحد (سَلِمَ) الذي يتفرع منه أو يُشتَق منه مُصطلَح السلام ومُصطلَح الإسلام، وأُذكِّركم بما تعرفون، السلام هى تحية المُسلِم لغير المُسلِم، يقول السلام عليكم ورحمة الله، السلام إسمٌ من أسماء الله – تبارك وتعالى – الحُسنى، السلام إسمٌ للجنة، الجنة هى دار السلام، السلام تحية الملائكة لأهل الجنة في الجنة، فالعلاقة بين الإسلام والسلام علاقة عضوية في أعمق المُستويات على الإطلاق، نستطيع أن نُفسِّرها – كما قلت – بهذه المُقارَبة البسيطة، الاستسلام لله – ولله وحده – يُبرِّئ الإنسان من كل شُبه الإطلاقية ويُعيده إلى هامشه – هامش النسبية المحدودية البشرية – مُباشَرةً، وهذا هو الشرط الأول لإحلال سلام حقيقي بين البشر.

(إضافة أدلى بها الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم)
سأُضيف إضافة سريعة ووجيزة، لعلكم لاحظتم – سيداتي وسادتي – حين تلوت آية الحج أن آية الحج ذكرت أيضاً المُشرِكين، لم تقتصر على الأديان التوحيدية فقالت وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۩، أي الوثنيين الذين ينالون من وحدانية الله وطبعاً من مبدأ النبوة والرسالة من حيث هو، القرآن واضح في أن كل هؤلاء الله وحده هو الذي يفصل بينهم يوم القيامة، بالنسبة لشارلي إبدو Charlie Hebdo والتجديف في حق الأنبياء والرسل أو حتى في حق الذات العلية فإن القرآن الكريم به عشرات الآيات التي سجَّلت وخلَّدت شتائم وإقذاعات المُشرِكين من أمم الرسل في حق الرسل وبالذات في محمد خاتم الأنبياء والرسل، أنهم مجانين، أنهم كذبة، أنهم أشرار –  الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ۩ – أنهم مسحورون، أنهم أيضاً مُدّعون، وأنهم لهم مصادر تُموِّلهم بأفكارهم ودعواهم التوحيدية ولكن يخفونها، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۩، فضلاً عن قولهم إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ ۩، كل ما يُمكِن أن تتخيَّليه يا سيدتي من السب والشتيمة والإقذاع ورد في حق الأنبياء وبالذات في حق محمد بن عبد الله، السؤال الآن – ها هى فتوى شارلي إبدو Charlie Hebdo – ماذا كان موقف القرآن؟ بماذا أمر الله محمداً وأصحابه وأمته بإزاء هذا الشتم؟ دائماً وباستمرار وعلى طول القرآن المكي والمدني من البداية حتى النهاية الأمر بالعفو، الأمر بالصفح، الأمر بالصبر الجميل، الأمر بالإعراض، وتوكيل الأمر إلى الله تبارك وتعالى، لم يقل الله في مرة واحدة انتقموا أو انتصروا لرسوله، لم يحدث هذا مرة واحدة على الإطلاق، وفي تاريخ الحضارة الإسلامية نُشِرَت الكتب المُعادية للإسلام، ربما الذين قرأوا المُداوَلات والجدليات بين أهل الكتاب بالذات وبين المُسلِمين سيأخذهم العجب حين يقفون على عشرات الكتب التي دبَّجتها يراعات نصرانية ويهودية طبعاً وغير ذلك كالزرداشتية المجوسية وكلها تقوم على تفنيد – Refutation – القرآن الكريم وتكذيب القرآن وتكذيب النبوة المحمدية والنيل أيضاً من صدقية وحقانية الشرع الإسلامي، كانت هذه الكتب تُدبَّج في القرون الأولى للحضارة الإسلامية وتُنشَر وتُتدَاول ودون أي نكير ودون أي مُحاوَلات لإسكات هذا الصوت فضلاً عن إلغائه بالكامل بجريمة من الجرائم، وشكراً.

قال أحد الحضور بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المُرسَلين وأهل بيته الطيبين الطاهرين، أخي عدنان إبراهيم أُريد أن أسألك سؤالاً عن حقوق الإنسان في الإسلام، ثم طرح سؤالاً يتعلَّق بالديمقراطية والإسلام والعلمانية وحقوق الإنسان، على اعتبار أنه لا يُمكِن أن نتحدَّث عن إسلام بدون حقوق الإنسان بالمعنى الشمولي والكوني مثل حقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية وحقوق الأفراد وحقوق الأقليات الجنسية وحقوق كل الأقليات في المُجتمَع الإسلامي، ويُمكِن أن يُلخَّص سؤاله في الاستفسار عن حقوق الإنسان بشكل عام.

أجاب الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً قبل أن أُجيب عن سؤال الأستاذ الفاضل أود فقط أن أُضيف تعقيباً على كلام الدكتور محمد، هناك نُقطةربما تكون أهم من الناحية العملية وأكثر أهميةً من السؤال عن نسبة الذين يتسلَّحون بهذا الخطاب الجديد وبهذا الخطاب المُتسامِح وهى تأكيد وجوب العمل على ألا نجعل هذا الخطاب معزولاً، بمعنى ألا نتجاهله، ألا نتعامل معه على أنه ليس الخطاب الأكثر شيوعاً وبالتالي الأكثر قوةً وحضوراً في الساحة، بالعكس علينا نعمل جميعاً لكي نجعل هذا الخطاب يحظى بتقدّم مُستمِر في مواقِع مُتقدِّمة بكل الوسائل، وبالتالي النتيجة العملية ستُصبِح هى معزولية خطاب الكراهية وخطاب العصبية بعد ذلك، أعتقد أن النظر إلى هذا الموضوع من هذه الزاوية سوف يكون أكثر أهمية، بالنسبة للأستاذ الفاضل طرح الحقيقة مجموعة من النقاط لا أدري كيف يسمح الوقت بالإجابة عنها لكن سوف أفعل بسرعة حتى لا أُطيل عليكم وقد داهمنا الوقت، في الحقيقة بلا شك العلاقة بين حقوق الإنسان وبين الديمقراطية والليبرالية والعلمانية حتى من جهةٍ أخرى هى علاقة مُتداخِلة ومُركَّبة وأيضاً علاقة تواصلية بلا شك، لا يُمكِن الحديث عن الديمقراطية بلا الحديث عن القيم المُؤسِّسة والجوهرية في الديمقراطية، ومن بينها حقوق الأقليات، سواء حقوق المرأة أو الأقليات الدينية والعرقية واللغوية وإلى آخر ذلك، الديمقراطية لا يُمكِن اختزالها بين مُقارَبتين، مُقارَبة أننا نأخذها بعجرها وبجرها كفلسفة حتى للحياة وإدارة الاجتماع السياسي والاجتماع الثقافي أو مُقارَبة أننا نأخذها كآلية للتداول السلمي على السُلطة، غير صحيح، هناك خيار مُتوسِّط بين هذين الخيارين الأقصويين، يُمكِن أن نأخذ الديمقراطية كآلية لإدارة الشأن العام، وفي نفس الوقت كطريق وآلية وإجراءات  لتكريس حقوق الإنسان، مثل حقول المرأة وحقوق الأقليات على اختلافها، هذا الموضوع ليس واضحاً جداً للأسف في الفكر الإسلامي المُعاصِر، بعض الإسلاميين – لن أقول الكثير ولكن أقول بعض الإسلاميين – يُحبِّذ التعامل مع الديمقراطية على أنها أداة ووسيلة فقط للوصول إلى السُلطة ويسد بها الطريق على الآخرين، هذه في الحقيقة ليست الديمقراطية، هذه انتهازية تعمل تماماً ضد روح الديمقراطية، وهذه الانتهازية هى التي سوَّغت لبعض قادة العالم الإسلامي الأصولي في بلد عربي معروف وأيضاً في أندونيسيا – معروف هذا في درس الأصولية الإسلامية –  أن يقول حين نصل إلى السُلطة بالديمقراطية لن تكون هناك انتخابات بعد ذلك، هذه هى الديمقراطية على الطريقة الانتهاية للأسف الشديد، لكن هذا ليس له علاقة بالديمقراطية، هذا نوع من الانتهازية المطروحة، وطبعاً – بفضل الله – الفكر الإسلامي الواعي والعقلية الإسلامية الواعية بارئة تماماً من مثل هذه المُقارَبات وهذه الانتهازية حتى نكون واضحين، وتُشكِّل تقدماً مقدوراً ومشكوراً على خط استعادة الديمقراطية، بالنسبة لحقوق الإنسان في المنظور الإسلامي عموماً تنظيرياً وعبر ربما المُقارَبة التاريخية فإن هذا الموضوع طويل جداً وشديد التعقيد، ولكن باختصار أنا سأقول لك خلاصة سعيي وجهودي العلمية في هذا الباب، باختصار التاريخ الإسلامي كسائر التواريخ فيه مناطق إظلام وإعتام وفيه مناطق إنارة، لكن في المجموع – في مجموعه – لنا كمسلمين أن نفخر بأنه كان يتعاطى مع مسألة حقوق الإنسان والأقليات بالذات – الأقليات الدينية والملية – بطريقة غير مسبوقة ولكن ملحوقة، الآن الحضارة المُعاصِرة حقيقةً قطعت خطوات فسيحة وبعيدة جداً، لكن نحن أسَّسنا لهذا ودعَّمنا هذه المسيرة بطريقة مُشرِّفة جداً، والدكتور محمد قد تحدَّث عن اليهود والدعوة إلى قتل اليهود والموقف من اليهود، أنا فقط هنا يُمكِن أن أُشير إلى عمل مشهور جداً يُعتبَر الآن كلاسيكياً للمُؤرِّخ اليهودي المشهور وهو أمريكي من أصل طبعاً بريطاني برنارد لويس Bernard Lewis وإسمه يهود الإسلام، حين تقرأ هذا الكتاب – وهو ليس كتاباً كبيراً – تجد أن الرجل يعترف بأكثر من صيغة وبأكثر من أسلوب بأن اليهود بشكل عام في التاريخ الإسلامي كانوا سعيدي الحال، حين تحدَّث عن يهود الأندلس لم يُسجِّل إلا مجزرة واحدة وقعت في غرناطة وضحاياها لم يكونوا بالمئات، كانوا بالعشرات، والعجيب أن السيد لويس Lewis – الدكتور لويس Lewis  – يُقدِّم اعتذاراً لأنه يقول نحن تعاطينا بطريقة فيها عجرفة وفيها نوع من الاستفزاز للوجدان العام الجمعي الإسلامي بطريقة جعلتهم يخرجون عن صوابهم، هذا ما أتلوه من كلام البروفيسور Professor لويس Lewis، لكن – وأختم لهذا الشيئ – من المُهِم أن أُسجِّل مُلاحَظة للمسلمين بالذات للشباب المُتحمِّس، أنا حين قرأت وضع الأقليات في التاريخ الإسلامي بدءاً من محمد رسول الله ومُؤسِّس هذا الدين وانتهاءً بسقوط الخلافة العثمانية – فعلت ذلك بطريقة أكاديمية – تبيّن لي ملمح عجيب ومُهِم، كلما كان المُسلِم أكثر تسامحاً، أكثر انفتاحاً، وأكثر تقارباً مع الآخر وتساهلاً كان الاقتراب من الإسلام وموجات التحول إلى الإسلام والدخول في الإسلام ترتفع دائماً، والعكس صحيح، كلما ظهرت الحركات المُتطرِّفة – كالمُوحِّدين مثلاً بعد المُرابِطين – وتم انتقاص التسامح الديني والملي كان الابتعاد عن الإسلام والتحول إلى الإسلام تقريباً يصل إلى مُستوى الصفر، وهذا ينطبق على المسلمين المُتحدَّثين الآن الذين يتحرَّكون بالمنطق التبشيري، وأنا لا يُغريني هذا المنطق كثيراً حقيقةً، المنطق التبشيري ومنطق حمل الآخرين على أن يدخلوا في ديني لا يُغريني كثيراً بمقدار ما يُغريني منطق التعايش والتقبل والتسامح، لأن في نهاية المطاف هذه سُنة إلهية، الله يقول هذا دستور إلهي لن يتغير، سيبقى هذا التنوع الملي موجوداً إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، هذه سُنة الله وقدر الله، هؤلاء الشباب المُتحمِّسون المُتسلِّحون بالأمل التبشيري وبالأمل في إدخال العالمين في أنوار وأضواء الإسلام عليهم أن يفهموا أن الطريق ليس التنطع وليس الإلغاء وليس الإقصاء وليس الجريمة، الطريق الصحيح هو التقبل والتسامح، اليوم أذكر أن في طريقي إلى هذا المكان قلت لإحدى الأخوات – سيدة فاضلة – قلت لها المُؤتمَر الفاتيكان Vatican الثاني – من سنة ألف وتسعمائة واثنين وستين إلى ألف وتسعمائة خمس وستين – أنجز خطوات غير مسبوقة في تاريخ هذه المُؤسَّسة الدينية العريقة، نتائج هذا المُؤتمَر – وفعلاً هذه النتائج اختراقية ومُثيرة جداً – خَلُصَت إلى تأكيد الخلاص خارج الخط الكاثوليكي وتقريباً فتحت هامشاً وإن كان ضيقاً إلى حدٍ ما وفيه شيئ من الإفلاس لأول مرة في تاريخها للمسلمين، فقلت لهذه الأخت الفاضلة للأسف الشديد المُسلِمون لم يفعلوا هذا إلى اليوم وقد تأخَّروا رغم أن الآيات القرآنية التي تُؤكِّد على المنطق والمعنى ذاته بالعشرات وواضحة جداً جداً جداً لكن تم تأويلها – لسنا نحن وإنما الذين يذهبون إلى المعنى المُعاكِس – بطريقة نتج عنها أنه لا خلاص خارج الإسلام بالمعنى الأخص وهو الإسلام المحمدي، لكن القرآن واضح جداً في أن الخلاص سيكون للإسلام بالمعنى الأعم، أي الإسلام الإبراهيمي، وهو دين الأنبياء جميعاً من بنو آدم إلى بنو محمد، هذا الأمر لم يتعوَّد المُسلِمون عبر أربعة عشر قرناً سماعه ، وهو يهزهم ويُقلِقهم جداً، وربما يعتبرونه منطقاً تجديفياً أو كفرياً، لكن بكل الصدق الذي التزمت به معكم وإزاكم – لذلك أنا مُلتزِم بالصدق – أنا أُعبِّر عما انتهى إليه سعيي العلمي أو اجتهادي، هذا منطق النص القرآني في عشرات الآيات، وشكراً لكم.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: