قاسم حسين كاتب بحريني
قاسم حسين
كاتب بحريني

لماذا يكون المتشدّدون الإسلاميون التكفيريون هم أصحاب الألسن الأكثر بذاءةً في العالم؟

ألا تمثل هذه الظاهرة اللاأخلاقية، نقصاً في تربية وسلوك هذه الجماعات التي يطرح أفرادها أنفسهم كممثلين حصريين للإسلام، يبيحون لأنفسهم تكفير بقية المسلمين، وإخراجهم من الدين الحنيف؟

يمكنك تلمس شراسة هذه الجماعات وعنفها اللفظي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تعمل عشرات الآلاف من الحسابات بأسماءٍ وهمية، تتيح لأصحابها التلفّظ بما يخجل من التلفظ به كل إنسان سوي. وهي حساباتٌ تكشف مدى ضعة هؤلاء الأفراد، وسقوطهم في ميزان التربية والأخلاق.

اللجوء إلى السبّ والشتائم هي أرخص طريقةٍ يلجأ إليها العاجز عن إثبات حجته، وإقناع خصمه فضلاً عن سائر الناس. كما يدلّ ذلك على إفلاسٍ سياسي، يحاول صاحبه التعويض عنه بالتضليل والتهويش وتشويه صورة الآخرين، مادام لا يملك جانباً إيجابياً مضيئاً في تجربته، يمكن أن يقدّمه للمجتمع والحضارة بوجه عام.

في تاريخنا الإسلامي، ومنذ بواكيره الأولى، استُخدم سلاح السبّ ضد الخصوم، على أمل أن يحطّ من مكانتهم ويسيء لمنزلتهم. ومن اكبر مفارقات التاريخ، أن رجلاً في مقام علي بن أبي طالب، وهو رجلٌ صادقٌ ومنزّهٌ عند كل الأطراف، تعرّض بعد وفاته مباشرةً إلى حملاتٍ مبرمجةٍ للحطّ من مكانته بين المسلمين. بل إن من مفارقات هذا التاريخ أنه ظلّ يُلعَن على منابر المسلمين لستة عقود، حتى جاء الحاكم الصالح عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، ليوقف هذه البدعة القبيحة، وبعدما قتلوه بالسم عاد الأمويون إلى سيرتهم الأولى في السبّ واللعن لتستمر تسعين عاماً.

اليوم، عندما تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا «تويتر»، حيث تجري أكبر عملية تداولٍ للأفكار والمعلومات عبر هذه المنصّة، ستكتشف درجة الانحطاط الأخلاقي لدى الجماعات المتطرفة المنغلقة. وتلحظ ذلك خصوصاً في الردود على مقالات أشهر الكتاب العرب، ممن يخالفونهم في الرأي والموقف والاتجاه. فحين يعبّر الكاتب عن رأيه في هذا البلد أو ذاك، تجد 90 في المئة من التعليقات مجرد شتائم وردود بذيئة، تدلّ على الانحطاط كأفراد، كما تدل على تدني أخلاق المجتمعات، حتى تتساءل عن حقيقة البيئة التي أفرزت كل هذا السعار، وأنتجت كل هذه الثقافة من الحقد والكراهية.

الدين هو المعاملة، والدين هو الحب، حسبما تنصّ الأحاديث النبوية الشريفة، فمن أين تنبع هذه الثقافة القائمة على الكراهية؟ ومن أي مستنقع موبوء بالأمراض والعقد النفسية تتغذّى وتستطيل كل هذه الأشواك؟ ولماذا يقدّمون أنفسهم كممثلين حصريين للدين؟ وهل هناك من هو أبعد منهم من تعاليم الدين؟

هذه الأمة لا تعاني فقط من الانهيار السياسي والتراجع الاقتصادي، والخواء الثقافي، والتبعية الفكرية، بل تعاني ما هو أشد وأنكى، وهو السقوط في مجال الأخلاق. فهناك أشخاصٌ برتبة دعاةٍ، يفترض أن يكونوا من دعاة الصدق والفضيلة، يستبيحون الكذب على غيرهم، وتوزيع الأحكام على مخالفيهم بالفسق والكفر. وهناك من يشمت بمصائب غيره، ويرقص على جراحه، ويدعو لقطع رزقه، وتجويع أطفاله، وحرمان أبنائه من حقوق المواطنة الثابتة دستوراً، كالبعثة الدراسية وحق العلاج، ويدافع حتى عن سحب الجنسية من المواطنين، لدوافع سياسية بحتة، لا يرضاها الله ولا رسوله، ولا تقرها الشرعة الدولية أو حقوق الإنسان.

يمكنك أن تتفهّم وجود اختلافٍ في وجهات النظر والمواقف السياسية، كما يحدث في كل بلدان العالم، لكنها لا تتحوّل إلى ثقافة كراهيةٍ ودعواتٍ لمحو الآخر من الوجود.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: