إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه سبحانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:

وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۩ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۩ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ۩ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ۩ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ۩ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۩ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا ۩ خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ۩ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:

في مجلسٍ ضمَّني مع أخوين كريمين تساءل أحدهما كيف لي أن أكون إنساناً؟ فقلت له حق السؤال أن يكون أولاً ما معنى أن أكون إنساناً؟ إذا عرفت معنى أن تكون إنساناً سَهُلَ عليك بعد ذلك مُحاوَلة أن تكون إنساناً، كما قال الشاعر العراقي الكبير المرحوم بدر شاكر السياب:

إذا فقد الإنسان معنى أن يكون                               فكيف يُمكِن أن يكون؟

وهذا السؤال – كيف يُمكِن أن يكون؟ – يحتمل وجهين من وجوه المعنى، أي وحشٍ يُمكِن أن يكون أو احتمال التعجيز، الطرق مسدودة عليك لأن تكون إنساناً، والمعنيان متآزران مُتكافِلان، لأن فعلاً مَن فقد المعنى الحقيقي لأن يكون إنساناً لن يكون وبالتالي سيكون شيئاً آخر، والأقرب أن يكون وحشاً كاسراً، تاريخ البشرية وواقعها يُؤكِّد هذا، كل مَن فقد معنى أن يكون إنساناً استحال إلى وحشٍ كاسر، ولذلك هذه الخُطبة صلةٌ بما انقطع من الكلام الذي لا ينقطع عن الأصولية وتشويهها لإنسانيتنا، هذا الجانب ربما لا يلتفت إليه كثيرون، أن الأصولية لا تُشوِّه المفاهيم الدينية أو السياسية أو المفاهيم في عمومها وإنما تُشوِّه إنسانية الإنسان، أنت لا تُصاب في جماعة أو مجموعة من أفكارك أو في جانب من مفاهيمك أو في جانب من سلوكاتك، أنت تصاب في الجوهر وفي اللُب Core، أنت تُصاب في جوهر إنسانيتك، هذا الجوهر يبدأ يضمحل، وربما يتلاشي بالكُلية، فتُصبح أي شيئ آخر غير أن تكون إنساناً أو سوى أن تكون إنساناً، إذن هذه الخُطبة نوع من التقصي السريع بما يُناسِب المقام مع جوانب تشويه الأصولية لإنسانيتنا، للتذكرة ربما للمرة الثالثة – في مناسبة ثالثة – بأن الأصولية سياسيةً كانت أو دينية أو غير ذلك لا تكون أصولية إلا بركنين، الركن الأول إطلاقية النسبي، والركن الثاني إرداة الهيمنة، قد تجد هناك مَن يُطلِق النسبي ومَن يعتقد أنه يمتلك حقيقة مُطلَقة وأنه ظفر بالحق الكامل لكنه بارئ من إرادة الهيمنة، لا يصح هذاالآن على الأقل أن يُعَد أصولياً، هذا ليس أصولياً، طبعاً في المُقابِل تجد كثيرين لديهم إردات الهيمنة – السيطرة على المُجتمَع وعلى البشر وعلى الناس – ولكن دون أن يتهوروا ودون أن ينخرطوا في إطلاق النسبيات، دون أن يزعموا أنهم حقائق مُطلَقة، فهؤلاء ليسوا أصوليين، طبعاً الإطلاقية مشجوبة من حيث هى، إطلاقية النسبي مشجوبة وهذه لا تليق بالإنسان، هذه تُفقِده عقلانية مسعاه، أي الفهم والإدراك، ومن ثم يُجَن، الإنسان الذي يدعي المُطلَق في النسبي هو إنسان مجنون، الذي يُفكِّر على هذا النحو هو إنسان مجنون، وطبعاً نحن نشجب مسعى إطلاقية النسبي كما نشجب مساعي إرداة الهيمنة، في نهاية المطاف المفروض أن الصيغة التي تحكم علاقات البشر هى التشارك، هى التعاون، هى التفاهم، هى التآزر، ليست الهيمنة المُجرَّدة التي تُفرِز لنا سادةً قد يتألَّهون، والإنسان لديه نزوع لا يخفى للتأله، وبالإزاء تُفرِز لنا عبيداً مسحوقين مقموعين، لذا نحن لسنا مع هذه الهيمنة، لا يخفى أن كلاً من الركنين يقتضي الآخر ويستدعيه، إطلاقية النسبي تستدعي الهيمنة لكن ليس دائماً، في أكثر الحالات تستدعي الهيمنة، والهيمنة أيضاً في كثير من حالاتها تستدعي إطلاق النسبي، لكن أيهما يستدعي الآخر بدرجة أكبر وأشد؟ الإطلاقية فيما يبدو لي، إطلاقية النسبي تستدعي الهيمنة على الآخرين أكثر مما تستدعي إرداة الهيمنة إطلاقية النسبي، لماذا؟ هناك تبرير فكري نظري لهذه المسألة، لأن الشخص المُفرَد أو الشخص حتى الاعتباري – جماعة أو تنظيم أو هيئة أو حزب أو دولة أو أي شيئ – حين ينحو منحى إطلاق النسبي ودعوى أن هذا النسبي مُطلَق وبالتالي هو يمتلك الحقيقة المُطلَقة هو – كما قلنا – إله زائف، يتكلَّم كأنه إله زائف، الإنسان لا يستطيع أن يتكلَّم بإسم الحقيقة المُطلَقة، لا يستطيع حتى وإن استند إلى كلام المُطلَق، أي إلى كلام الله، المُطلَق هو الذي يتصرَّف في المُطلَق ويعرف المُطلَق في كلامه، أما أنت دائماً ما إن تتعاطى مع هذا الكلم الإلهي حتى يستحيل الفهم نسبياً مُباشَرةً، تماماً كالبحر والفنجان أو كالبحر والإناء، البحر هو البحر، هذا المُسطَح الهائل الاتساع والامتداد، هذا المُسطَّح الشاسع إذا أتيته بإناء أياً كان هذا الإناء – بسعة عشرين ملليلتر أو بسعة عشرة مليار لتر – فإنك في نهاية المطاف ستغدو الأصغر مُباشَرةً إزاء هذا الأكبر، هذا تمثيل للنسبي إزاء المُطلَق، لن تستطيع أن تستوعب البحر بفنجان، ولذلك لن تستطيع أن تستوعب الغايات والمقاصد والمغازي والأسرار النهائية لكلام الله وأنت بشر، لا تستطيع هذا، تحاول دائماً أن تُقارِب، وتُخطيء وتُصيب، وغيرك يُحاوِل أيضاً، وتتكامل المُحاوَلات، لكن المُحاوَلات في النهاية حتى في مجموعها لا تبلغ درجة الإطلاق، لأن كلام الله لا يُمكِن أن يستنفذه بشر، لا يُمكِن لبشر أن يستنفذ معنى كلام الله، ولذلك قال الله وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ – أي من شجر – أَقْلَامٌ – لو استحالت كل أشجار الأرض إلى أقلام – وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ – واستحالت كل بحار الدُنا والعوالم إلى مِداد وحبر، إذن كل الأشجار هذه بُريَت منها أقلام فاستحالت أقلاماً، وُجِدَت ملايير الأقلام، وملايير ملايير الأطنان من الحبر – مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ ۩، لا يُمكِن لشيئ أن يستنفذ معنى كلام الله تبارك وتعالى، أين نحن من هذا؟ لكن الأصولي لا يفهم هذا، تذكرةً بحديث بُرَيْدة بن الحصيب الذي ذكرته أو سلفت الإشارة واقتباسه قبل أسبوعين، النبي كان من عاداته ودأبه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه لا يُرسِل أميراً على سرية أو جيش – لا يُؤمِّره ولا يُرسِّمه على هذا الجيش أو السرية – إلا ويوصيه، وكان من ضمن وصاته – عليه الصلاة وأفضل السلام – نهيه إياه عن أن يُنزِل مَن يُحارِبهم ويُقاتِلهم على حكم الله، قال النبي وإن أنت حاصرت أهل حصن فاستنزلوك أو فأرادوك على أن تنزلهم على حكم الله – أن تحكم فيهم بحكم الله – فلا تُعطهم هذا، لا تُنزِلهم على حكم الله، لماذا؟ فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، أرأيتم النبي؟ النبي ليس أصولياً، النبي يعمل ضد الأصولية، ضد الأصولية الإسلامية وغير الإسلامية وضد كل طريقة الأصوليين في التفكير، ضد طريقة تفكير هؤلاء المغرورين المُتألِّهين، النبي كان مُتواضِعاً جداً ويُعلِّم أصحابه – رضوان الله عليهم – هذا التواضع، يقول فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، لا يُوجَد منطق كتاب الله واضح ونحن مُسلِمون وهم كافرون اعتدوا علينا فرددنا عليهم وغزوناهم والمسألة واضحة، قال له النبي لا ليس هكذا، لا يُوجَد هذا الكلام، هذا كلام الأصوليين، قال له أنزِلهم على حكمك، حين يظهر خطأ يُنسَب إلى اجتهادك أنت، لا يُنسَب إلى دين الله، كما قلت أين من هذا المغرورون الذين يتكلَّم الواحد منهم مُعادِلاً تماماً بين فهمه في كلام الله وكلام الله؟ كأن فهمه هو كلام الله، ولذلك يقتل عليه، هو يقتل على هذا الفهم، يذبح عليه ويأسر عليه وينتهك أعراض الناس عليه، ليس العِرض بالمعنى الدقيق وبالمعنى الحصري وإنما العِرض بشكل عام، يقول هذا كافر وهذا زنديق وهذا جاهل وهذا مُتجاهِل وهذا ملعون وهذا كذا وكذا، على أي أساس؟ على أساس فهمه، هذا الحديث احتج به المُصوِّبة، وقد حدَّثتكم مرة عن المُصوِّبة والمُخطِّئة في تاريخ الفكر الإسلامي والمدارس الفقهية، وهذا مبحث أصولي، أي من مباحث علم أصول الفقه، فكلمة أصولي هنا لا يُراد بها الأصولية، وإنما يُراد بها هنا أنه من مباحث علم أصول الفقه، باختصار للتذكير مِن العلماء مَن رأى أن كل مُجتهِدٍ مُصيب، وهذا أمرٌ عجيب، في مسألة واحدة اختلفت فيها آراء – مثلاً – أبي حنيفة ومالك وزيد والصادق والشافعي وأحمد وهكذا وكلهم مُصيبون، المُصوِّبة اعتقادهم أن الكل مُصيب مع أن الاجتهادات مُختلِفة مُتضارِبة ومُتعارِضة قالوا الكل مُصيب، هذا المذهب إسمه مذهب المُصوِّبة، ولديهم أدلة على ما قالوا، ليس من شأننا أن نخوض الآن في هذه المسألة لكن هذا للتذكير فقط، يقابل مذهب المُصوِّبة مذهب المُخطِّئة الذين يرون أن المُصيب واحد، إذا اختلف مائة مُجتهِد في مسألة على مائة قول يقولون حتماً المُصيب واحد إن أصاب – إن كان هناك من أصاب فالمُصيب واحد – وسائرهم مُخطيء، بعض هؤلاء احتجوا بحديث بُرَيْدة بن الحصيب، لماذا؟ لأنه يقول له فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، يعني أن تُخطئه، هذا يعني أن كل اجتهاد هو عُرضة للصواب والخطأ، ومعناه الخطأ لا يُعادِل الصواب، إذا وُجِدَ صواب فإذن الخطأ يُناقِضه ويُعارِضه وانتهى كل شيئ، ردَّ عليهم الفريق الآخر فقالوا لا، لعل هذا كان في مدة حياته عليه الصلاة وأفضل السلام، خشية أن ينزل وحيٌ يُخطِّيء اجتهاد هذا الصاحب، يقول لمحمد يا محمد صحِّح أصحابك، صحِّح فلاناً فإنه اجتهد فأخطأ، فالمسألة لا تزال مفتوحة، لكن بعد وفاة رسول الله هذا ليس حُجة لهم، لأننا في أمنة من نزول الوحي، لن يتجدد للوحي نزول.

على كل حال أنا لا أريد الآن أن أميل إلى أحد الفريقين – المُصوِّبة أو المُخطِّئة – فليس هذا من غرضي، لكن غرضي أن أقول لكم على كلا المذهبين لا حظ للأصولية، لماذا إذن؟ إن قلنا بمذهب المُخطِّئة – أن المُصيب واحد وسائره مُخطيء – فإن التحدي الآن مَن الذي يعرف هذا؟ مَن الذي يستطيع أن يُبرهِن أن المُصيب هو فلان دون سائر المُجتهِدين، وهم مُجتهِدون، والقاعدة أن اجتهاد مُجتهِد لا ينقضه اجتهاد مُجتهِدٍ آخر، أليس كذلك؟لا يقدر أي أحد إلا أصولي مغرور أن يقول أنا أعتقد أن اجتهاد إمامي الإمام الأعظم أبي حنيفة – مثلاً – هو الحق في هذه المسألة، واجتهاد سائر الإمة مِمَن غبر خاطيء غالط، نقول له أنت مغرور، إمامك لم يكن بهذه المثابة، لم يُعط نفسه هذه الصلاحية، لم يُخوِّل نفسه بغرور هذه الصلاحية، وكان يقول لعل اجتهادي هو الخطأ والغلط الذي لا ريب فيه، يقول لا أدري، أنا أجتهد فقط، يغلب على ظني عند نفسي أنه صواب، وأنا لست إلهاً أحاط بكل شيئ علماً، أنا بشر يتطوَّر لي علم، ولذلك كان يقول لأبي يوسف – يعقوب بن إبراهيم الكُليني – يا أبا يوسف لا تكتب عني كل ما أقول، فإنما أنا بشر اجتهد فأُخطيء وأصيب، وربما ذهبت في يومي هذا إلى قول عُدت عنه غداً، وربما ذهبت في غدٍ إلى قول عُدت عنه بعد غد، فلا تكتب عني كل ما أقول، كان يغضب من هذا، أتجعلونني مُشرِعاً وكأنني مُشرِع وكأنني رسول؟ أنا أُخطيء وأُصيب أنا، بالمُناسَبة كل الأئمة الكبار الأماثل – رضوان الله عليهم وروَّح الله أرواحهم – صدروا وأفرغوا عن مثل هذا المنطق وقررَّوا وشيَّدوا أسس هذا المعنى، كلهم فعلوا هذا، الإمام الفُلاّنيّ صاحب “إيقاظُ هِمَمِ أُولي الأبصارِ للاقتداء بسيَّدِ المُهاجِرين والأنصار وتحذيرِهم عن الابتداعِ الشائعِ في القرى والأمصارِمِن تقليدِ المذاهبِ مع الحميةِ والعصبيةِ بين فقهاءِ الأعصارِ” كتاب عنوانه ثلاثة أسطر وهو كتاب لطيف ماتع كله يقوم على شرح هذا المعنى وتنويره وتضويئه، يُؤكِّد الرجل بعشرات النقول الدقيقة الصحيحة أن هذا كان هو المزاج العلمي الذي طبع الإئمة المُجتهِدين كلهم من عند آخرهم، ما رأيكم؟ كلهم هكذا كانوا، وهنا يثور سؤال ما بال مسار الاجتهاد الإسلامي لم يتجدد فيه مذاهب جديدة بعد الأئمة المتبوعين المعروفين؟ هم ليسوا أربعة فقط، هؤلاء مشاهير أئمة أهل السنة وإلا عندنا الإمام زيد الذي يتبعه الزيدية اليوم في اليمن وعندنا الإمام عبد الله بن إباض الذي يتبعه الإباضية في عمان وأماكن الإباضية الأخرى في الشمال الأفريقي ولدينا الإمام جعفر الصادق الذي يتبعه الإمامية الاثنا عشرية في أماكن كثيرة في العالم، هذه مذاهب الآن معمول بها وموجودة، وطبعاً لدينا مذاهب دارسة مُنقرِضة كثيرة جداً، ما بال هذه المذاهب فقط هى التي بقيت ولم يتجدد اجتهاد مع أن العقل يقضي بوجوب وسائغية وسهولة تجدد مدارس اجتهادية جديدة؟ ما رأيكم؟ ليس لأن أبا حنيفة والصادق وزيد كانوا أذكى البشر، هم من أذكى البشر بلا شك، لكن هذا ليس شرطاً أبداً، قد يُحدِث الله في الأمة اليوم من هو أذكى من ثلاثة أو من أربعة أئمة سويةً، الله يٌعطيه عبقرية خاصة، هذا أمر عادي، وهذا موجود في الأمة في الشرق والغرب، في الشرق والغرب يُوجَد عباقرة مُتأخِّرين بذوا المُتقدِّمين بمراحل في عبقريتهم وذكائهم الخارق، لماذا أمة محمد تُحرَم من هذا؟ هى ليست محرومة، علماً بأن العلم الذي توفَّر للأئمة في أعصارهم توفَّر أمثال أمثاله وأضعاف أضعافه لأتباعهم، لأن العلم في زمانهم لم يكن مجموعاً، كل مسانيد أبي حنيفة التي جُمعِتَ على كم حديث احتوت؟ كم حديثاً احتوت؟يبقى في النهاية عدد منزور جداً، نفس الشيئ مع مُسنَد الشافعي، كل أحاديث الشافعي في كتابه الأم وحتى سُنن البيهقي أيضاً محدودة ومعدودة، لكن توفَّر للخالفين وللاحقين ما توفَّر للسابقين جميعاً، أحاديث هذا وهذا وهذا وهذا وهذا، وأتينا إلى زمن الأئمة المُحدِّثين العظام البخاري ومُسلِم طبعاً والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأمثالهم، كل هذا مُتوفِّر، علم أصول الفقه لم تُحرَّر قواعده بشكل علمي مُمنهَج مُنظَم ودقيق في البداية أبداً، بدأ علماً فطيراً وليداً يحبو حبواً، ولكنه بعد ذلك اشتد عوده ورسخت قدمه وبسقت أغصانه وتعالت فروعه وأثمر أثماراً مُبارَكة طيبة وتوفَّر فيه مُصنَّفات مُقارَنة بين طريقة المُتكلِّمين وطريقة الأحناف، وهذا مُتوفِّر للخالفين، كل شيئ مُتوفِّر، اللغة جُمعِت بعد ذلك في مُعجَمات ولم تكن مجموعة، وكذلك الأشعار وغيرها، أشياء كثيرة كلها تُوفِّر كل أسباب وأدوات الاجتهاد من قريب لمَن أراد الاجتهاد وكانت لدية الملكة والكفاءة – Competence – والقدرة واللياقة، لكن هذا غير موجود، ليس عندنا مدارس جديدة وانتهى كل شيئ، هل تعرفون لماذا؟ ليس لأن الأمة – كما قلت – فقدت العبقرية وفقدت النبوغ زلم تعد الأمهات يلدن العباقرة والنُبغاء والنابهين والألباء وإنما بسبب العصبية والانغلاقية، مسهم مسٌ من الأصولية المُعاصِرة، وبدأنا نُلاحِظ أن بعض الخلفاء – أي الخالفين – وبعض التابعين وبعض المُحدَثين من أتباع المذاهب الأربعة ينطق بلسان كان أكفر مَن سيكفر به لو سمعه إمامه ويقول له تباً لك ولهذا المنطق، أجعلتني شريكاً لله في الشرع؟ ما هذا المنطق؟ هذا شيئ غريب، حتى أنهم صاروا يبدَّون قول الإمام على قول الرسول، يقول لك هذا قول الإمام وقد ثبت عنه وهذا صح عن رسول الله، لكن بحسب قواعدك الأصولية هذا الصحيح له اعتباره وله أولويته، قال لا، يجب أن نُؤوِّل ويجب أن نعبث وأن نلعب وأن نحكم بالنسخ على النص ولا نحكم بمثل هذا على الإمام لأن الإمام انتهى إلى علمه واجتهاده وإلى آخر هذا الكلام الإنشائي الفارغ هذا، لكن لماذا لم ينته مثل هذا إلى أخيه الإمام الآخر أو الثالث أو الرابع أو الخامس؟ هو ليس مُجتهِد الدنيا بإطلاق، هكذا العصبية والانغلاق، في الحقيقة كان أكثر الأسباب تأثيراً بعد العصبية والانغلاق المأسسة، حين جاءت الدولة أو النظام ومأسس هذا الاجتهاد الحر الطليق، مأسسه وربط أرزاق الناس والاعتبارات الاجتماعية به، وهذا هو الجواب الذي أفاده الإمام المُجتهِد الكبير التقي السُّبْكِيُّ – أبو الحسن التقي السُّبْكِيُّ – والإمام الجليل ولعله حكاه عنه أبو الحجاج المِزِّي، رحمة الله تعالى عليهما رحمة واسعة، أشارا إلى أن سلاطين المماليك قرَّروا أن يجعلوا لكل مذهب قاضياً ولكل مذهب مُفتياً يتكلَّم بإسمه، وبعد ذلك ابتُدِعَت وافتُجِرَت بدعة بدعة المحاريب الأربعة في المساجد، الحمد لله جيلنا نحن لم يُدرِك هذه البدعة اللعينة الشنعاء، لكن أجداد أجدادنا أدركوها في مساجد الشام ومصر وما إلى ذلك، في كل مسجد أربعة محاريب، وكل صلاة تُقام أربع مرات، الحنفي لا يُصلي إلا خلف حنفي، والشافعي وراء الشافعي، والمالكي كذلك والحنبلي وهلم جرا، هذا شيئ عجيب، قسَّموا الأمة في بيت واحد لله، في كل مسجد الأمة مُقسَّمة، كيف لو كان لدينا أربعة عشر مذهباً؟ إذن سوف يكون عندنا أربعة عشر محراب، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ۩، لعنة حاقت بالأمة، جمود ومس من الأصولية، نحن وفقط، لكن هذا غير صحيح، الإسلام لم يكن كذلك، الصحابة لم يكونوا كذلك، الأئمة الأربعة لم يكونوا كذلك والخمسة والثمانية والتسعة بما فيهم الإمام حتى ابن حزم، لم يكونوا هكذا أبداً، كانوا مُتواضِعين مُدرِكين لنسبيتهم التي لا يريد الأصولي طبعاً بجهله وغروره وسطحيته وشكلانيته أن يُدرِكها، لا يُريد أن يُدرِك هذه النسبية، هو كافر بها.

قبل أن أستتلي أحب أن أشير حتى لا أنسى إلى أننا حين نُريد أن نُناهِض أصوليةً ما ونقاوم ونُكامِع أصوليةً ما لا ينبغي أن نتورَّط في تأجيج نارها وفي إزكاء نارها وأوارها، كيف؟ كيف نُزكي نار هذه الأصولية؟ حين نُقاوِمها ونُعارِضها بأصولية مثلها، هذا مستحيل لكن هذا الذي يحصل في ديار المُسلِمين والعرب اليوم، وهم لا يعون هذه الحقيقة، يُحارِبون أصولية بأصولية، أصولية شيعية يُحارِبونها بأصولية سنية ووهابية على جه الخصوص، وهذا غير صحيح، هذا سيذبحنا، هذا سيُحطِّمنا، هذا سيُدمِّر الجميع، سيخسر فيه الجميع، للأسف الذين يدّعون أنهم يُريدون استرداد الإسلام – لأن الإسلام كما أقول ويقول غيري مُختَطف، الإسلام مخطوف – يريدون استرداد الإسلام الطائفي، أي الإسلام الضيق المذهبي، وليس الإسلام العام الشامل الوسيع والمُنداح يا أحبتي – إخواني وأخواتي – فيُحارِبون أصولية بأصولية دون أن يدروا، لم يتعوَّدوا ولم يتمهَّروا ولم يتدرَّبوا على أن يُمارِسوا النقد الفوقاني كما يسميه الفرنسيون، لدينا حتى في تاريخ الأصول الإسلامية – أصول الفقه الإسلامي – والفقه الإسلامي مُصطلَح مشهور جداً الخلاف العالي -الفوقي – والخلاف النازل، وهذا قبل المدارس الفرنسية في النقد، هذا شيئ عجيب، عندنا الخلاف العالي والخلاف النازل، يقولون لك كل مذهب – مثل المذهب الحنبلي والمالكي وإلى آخره – فيه خلاف عالي وفيه خلاف نازل، الخلاف النازل داخل المذهب نفسه، اجتهادات كثيرة طبعاً، أي مذهب يكون هكذا ولا أُحِب أن أمثِّل، الأمثلة كثيرة جداً جداً، كتب الفقه طافحة بهذا، في كل مذهب هناك خلافات كثيرة، أحسن الحنابلة حين جاء الإمام المرداوي وجمع الخلافات داخل المذهب الحنبلي في كتاب إسمه الإنصاف في بضع عشر مُجلَداً، حوالي أحد عشر مُجلَد، الإنصاف كله فقط في الخلافات داخل المذهب الحنبلي، في كل مسألة يقول فلان قال وفلان قال، وحتى الإمام أحمد نفسه له قولان أو ثلاثة أو أربعة أحياناً في المسألة، وحتى الأئمة الحنابلة يختلفون مع إمامهم ومع بعضهم البعض، خلافات داخل المذهب ومُخرَّجة على أصول المذهب، وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۩، هذا الخلاف النازل، كل مذهب على الإطلاق فيه خلاف نازل، وبعد ذلك يُوجَد الخلاف العالي، وهو الخلاف بين المذهب والمذهب، مثل بين المالكي والحنفي أو بين الحنفي والشافعي أو بين الشافعي والإمامي أو بين الإمامي والإباضي أو بين الإباضي والزيدي وهكذا هلم جرا، هذا إسمه الخلاف العالي، طبعاً أكيد المبادئ والمعايير التي يُحتَكم إليها عند إدارة الخلاف العالي قطعاً هى ليست المعايير والمبادئ التي التي يُحتَكم إليها عند إدارة الخلاف النازل، كما قلت لكم في الخلاف النازل يتخرَّج معظمه إن كان صحيحاً على أصول الإمام، وطبعاً نفس الشيئ في المدرسة الفرنسية المُعاصِرة، يقولون النقد التحتاني والنقد الفوقاني، مشكلة الأصوليات – ليس فقط الأصولية الإسلامية بل كل الأصوليات – أنها تُمارِس نقداً من تحت – نقداً تحتانياً – ولكنها لا تعرف النقد من فوق، و أنا سأُنزِّل هذا على الحالة الأصولية في واقع المُسلِمين حتى – كما قلت – لا نتورَّط في مُحارَبة أصولية بأصولية، وإنما سنُحارِب الأصولية بالنقدية، لماذا النقدية في مُقابِل الأصولية؟ لأن – كما قلت لكم – من أهم سمات الأصولية الدوجمائية Dogmatism، الأصوليات قطعية، ونحن تحدَّثنا عن إطلاق النسبي، يقولون أنهم يعرفون الحق المُطلَق الذي يُقتَل عليه، والواحد منهم مُتأكِّد تماماً أنك بمُخالَفتك له من أهل جهنم خالداً فيها مُخلَداً، ولذلك هو يتساهل في قتلك، القتل هذا لا يزال رحمة لك، هو سوف يبعثك على شيئ أبشع بكثير مما تتخيَّل، هذا القتل رحيم جداً في نظره، أي في نظر المجنون الأصولي، أنت سوف تتدلى بعد القتل مُباشَرةً في هوة جهنم ولن تخرج منها، وهو مُقتنِع بهذا تماماً، لذلك هو يُكبِّر ويحمد الله ويُصلي على النبي حين يقتلك، نحن تقشعر أبداننا وتذرف دموعنا وننهال باللعنات على هؤلاء القتلة السفّاحين وهم يحمدون الله ويتضاحكون، يكونون مبسوطين جداً، هذه لعنة الأصولية، هذا جنون طبعاً، حالة جنون حقيقي، نسأل الله أن يشفيهم وأن يشفي كل المجانين، وإن كان هذا صعباً طبعاً لأنه من قدر الله لابد في كل جماعة أو في كل مجموعة جماعة من المجانين، هل لا يُوجَد في حارة من الحارات أو في حي من الأحياء مجانين؟ هذا شيئ طبيعي تماماً، فسوف يظل في المُتدينين مجانين، لذلك نصيحتي – والله العظيم – إليك يا أخي الشاب بالذات ويا أختي الشابة: قبل أن تنفعل وقبل أن تترك مقادتك بيد غيرك انظر لعله يكون أحد هؤلاء المجانين، إياك يا رجل، قد ضلَّ من كانت العميان تهديه، اجعل عندك نوع على الأقل من التأني ومن التلبث، اعمل لنفسك معايير معقولة قليلاً، أي تتوفَّر على على استيفاء الحد الأدنى من المعقولية، هذا الشخص واضح من كلامه ومن سلوكه ومن خطابه أنه شخص غريب، هو أقرب فعلاً إلى الجنون وإلى الانفلات، لماذا أُسلِمه مقادتي؟ سوف يذهب بي إلى داهية، ليس في الدنيا فقط بل وفي الآخرة والله العظيم، إذا تورَّطت في دماء الناس ذهبت في ستين داهية، بل ذهبت – كما اقول دائماً – في ستين مليار داهية، انتبه ولا تُصدِّق مَن يقول لك إذا حجيت سوف يغفر لك الله، هذا كلام فارغ، إذا قتلت عمداً ذهبت في ستين مليار داهية، النبي علَّمنا هذا بعشرات الأحاديث المشهورة المُستَفيضة، أنت لا تزال في فُسحة من دينك ما لم تصب دما حرامً، في حديث أبي داود إذا أصاب المُؤمِن دماً حراماً بَلَّحَ، أي يئس، أنت انتهيت، قَضيَ عليك يا مسكين بسبب الدم، الحياة الإنسانية شيئ مٌقدَّس أكثر مما يتخيَّل الأصوليون، لأنهم مجانين لا يفهمون أوزان الأشياء وقيم الأشياء، الواحد منهم ليس عنده هذا أبداً، عنده حياة الإنسان مثل حياة الصرصار، كل شيئ سهل جداً عنده والعياذ بالله، لأن المسكين مسح عقله، لم يجد مَن يُعلِّمه ومَن يُرشِده، هو مُرشِد نفسه، هو عابد نفسه، هو إله نفسه، قال الله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ۩، ولذلك – كما قلت لكم – هم اجتزائيون وسفسطائيون، ينظرون فقط إلى الزاوية التي تُساعِدهم.

قبل أسابيع يسيرة – ولعلكم جميعاً على ما أعتقد رأيتم هذا في اليوتيوب – Youtube – أحد هؤلاء أيضاً يدّعي أنه من المُجاهِدين، طبعاً عنده لحية كبيرة ويقول هو مُجاهِد ويقتل ويقطع الرؤوس، جماعته مُتورِّطة – هو لا أعرف، الله أعلم، لكن جماعته مُتورِّطة – في قضايا اغتصاب وزنا في مُسلِمات وفي حرائر، فما هذا الجهاد وهذه اللحية مع الزنا والاغتصاب؟ خرج بكل .. ماذا أقول؟ خرج بكل صفاقة وبكل قلة أدب وحياء يقول الصحابة منهم مَن زنى ومنهم مَن قتل، المُجتهِد الكبير الشيخ يستدل بهذا، الآن هو شطب على الصحابة تماماً، شطب على تسعة وتسعين في المائة من خيرية الصحابة ومن تقوائية الصحابة ومن ورع الصحابة العجيب، الصحابة كان لديهم ورع غير طبيعي وغير عادي، كان عندهم تقوى ومخافة من الله، أخذ فقط حالة أو حالتين، ماعز الأسلمي زنى وامرأة في المدينة زنت، فقال الصحابة ذكوراً وإناثاً تورَّطوا في الزنا، لم يقل واحد أو اثنان من الصحابة بلغنا أنه زنى، قال الصحابة كان فيهم مَن زنى والصحابة أيضاً كان فيهم مَن قتل ومن كذا وكذا، فأنا من حقي أن أقتل وأن أزني ولا أخاف كثيراً، ما المُشكِلة؟ شيئ مُرعِب، هذه اجتزائية وانتقائية، لذلك قال الله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ۩، الذي يُساعِده يأخذه، في التراث الإسلامي بلا مُبالَغة مئات ومئات ومئات المقبوسات والقولات – الأقوال – لكبار الأئمة والصلحاء والعارفين وقادة الأمة تُؤكِّد أنهم كانوا يتمتعون بدرجة مُعجِبة من احترام بعضهم لبعض ومن احترام التنوع ومن احترام الاختلاف والتعدد في الاجتهاد والرأي، مئات القولات كما قلت لكم، واقرأوا كتاب العلامة الفُلاّنيّ أو كتاب ابن عبد البر جامع بيان العلم وفضله في جزئيه وكتب كثيرة غير هذين، لكن هذان قد جمعا الكثير، يأتيك هذا الأصولي يترك كل كل هاته المئين ويقول ما يقول، تقول له يا أخي كيف يسوغ لك أن تسب فلاناً العالم أو الشيخ أو المُجتهِد؟ هذا عالم من علماء الأمة ورجل فاضل لا يبغي إلا الحق فيما يظهر لنا، وأنت سببته سباً قبيحاً وسباً ذريعاً، قرَّضت أديمه وخرَّقت عرضه بلسانك أو بسنان قلمك، ما هذا؟ هذا ليس من أدب المسلمين، يقول لك لا يا أخي، الزم حدك فأنت لا تفهم، أنت جاهل، الإمام أحمد عُورِضَ مرةً قول له بقول أبي حنيفة فما زاد على أن قال ما قول أبي حنيفة عندنا إلا كالبعر، وهذا إن صح عن أحمد ولا أحسبه يصح عنه، لكن هو ترك مئات الأقوال وآتاك بقولة واحدة لم يُكلِّف نفسه عناء البحث في إسنادها وصدقيتها الإسنادية وقال لك أحمد قال أبو حنيفة كلامه مثل البعر، أي أنه كالزبالة، ومن ثم كلامكم زبالة أيضاً، مَن أنتم؟ اجتزائية عجيبة جداً فانتبهوا، ولذلك أنا أقول لكم لا يُعيي الأصولي أن يفعل كل ما يُريد، وهو في كل ما يُريد عنده مُستنَد، مرة قال الله ومرة قال الرسول ومرة قال أحمد ومرة قال ابن تيمية ومرة قال فلان ومرة قال علان ومرة قال شيخه الذي في جبال الباكستان وهكذا، شيئ عجيب، هذه اجتزائية هؤلاء وانتقائية هؤلاء.

نعود مرةً أخرى يا إخواني، نقول إطلاقية النسبي تستدعي وتجتذب وتقتضي الهيمنة، – إرداة الهيمنة – أكثر مما تفعل الهيمنة إزاء إطلاقية النسبي، لماذا؟ لأن الذي يُطلِق النسبي لا يعود يرى لك رأياً، طبعاً هو يُطلِق النسبي فانتهى الأمر، المُطلَق عنده والحقيقة الكاملة بين يديه وطوع بنانه، هل تحسب أن هذا الأصولي بهذه العقلية وبهذا المزاج وبهذا الطابع عنده ترف أن ينظر في رأيك واجتهادك؟ سوف يقول لك اجتهاد ماذا؟ الحقيقة المُطلَقة عندي وانتهى الأمر، قالوا:

قالوا عبادان أَقصى ما يُرادُ بِنا                           ثُم القُفولُ فَقَد جِئنا عبادان.

نحن في عبادان وانتهى الأمر، ما دام نحن في عبادان لا يُوجَد كلام ولا يُوجَد سير ولا يُوجَد بحث، انتهى الأمر، نحن في حضرة الحق المُطلَق، أستغفر الله، مع مَن؟ مع الشيخ فلان، هو شيخ الحقيقة المُطلَقة، أستغفر الله، هذا تأله، فهو ليس عنده ترف أو سعة صدر لكي ينظر في اجتهادك واجتهاد فلان وعلان، والاجتهادات كثيرة جداً جداً جداً، محنة البشر الحقيقية من اختلافهم، قال الله وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩، هذه – سبحان الله – محنة البشر في كل القضايا، في القضايا السياسية والفكرية والفلسفية والدينية والفنية الجمالية وإلى آخره، في كل القضايا محنة البشر من اختلافهم، متى اجتمع الناس على رأي واحد أو آراء؟ هذا من الصعوبة بمكان، لكن الله يُريد هذا، الآن الشطارة والبطولة والعبقرية في أن نُدير هذا الاختلاف ونبحث في كل هذا التنوع عن الوحدة، أين الجوامع المُشترَكة؟ هل يُوجَد سبب مُشترَك يجمع بين هذه الأشياء المُختلِفة؟ لابد أن نجده دائماً فانتبهوا، هذا عمل الفيلسوف وعمل المُفكِّر الكبير، المُفكِّر الكبير دائماً يبحث عن خيط ناظم وعن خيط واصل، ولذلك هو تصالحي، وهذا أكثر ما نحتاجه الآن، أنا أقول لكم نحن فقيرون جداً إلى الغاية في المُفكِّرين والعلماء وصنّاع الرأي التصالحيين، لدينا فائض وتضخم – Inflation – في المُفكِّرين والمشائخ والعلماء وصنّاع الرأي الاحترابيين – ليس التصالحيين – المُفرِّقين المُبدِّدين والمُشعِّعين، شيئ لا يكاد يُصدَّق، وهذا على جميع المُستويات، قسماً بالله على جميع المُستويات، حتى على المُستوى السياسي لدينا دائماً مَن يعمل على التشظية، لا يُعجِبه أن يرى اثنين يجتمعان، لا يُعجِبه أن يرى اثنين يأتمران بأن يتقاربا قليلاً، مُباشَرةً يدق الأسافين، في نهاية المطاف ترى خلف مسعى هذا الاحترابي لعنة أصولية، لماذا؟ لو كشفت عن قلبه كأنه يُريد أن يقول لا حق إلا ما لدي، إن أردتم أن تجتمعوا فهلُموا يا قوم إلىّ، عندي فقطتجتمعون، إذا لم تجتمعوا على رأيي انتهى كل شيئ.

طبعاً لم أُفسِّر لكم إلى الآن النقد التحتاني والنقد الفوقاني وإن كنت فعلت هذا ضمنياً، لكن للتوضيح سأشرح، كما قلت النقد التحتاني يعني أن تأتي طائفة مُعيَّنة أو جماعة حتى معينة أو حزب معين أو تنظيم مُعيَّن ويُمارِس النقد على نفسه – على الجماعة أو على الطائفة أو على الحزب أو على التنظيم وإلى آخره – لكن ضمن مبادئ الجماعة أو الطائفة أو المذهب أو التنظيم، ضمن قواعده وثوابته ومعاييره يتغيا مصلحة الطائفة، فقط مصلحة الطائفة الضيقة، بغض النظر وإن كانت هذه المصلحة الضيقة للطائفة أو الحزب أو التنظيم أو الحركة تتعارض مع مصلحة العموم، عموم الدولة أو عموم الأمة أو عموم الدين أو عموم الوطن وهكذا، هذا كله لا يهمه، هو يُمارِس فقط النقد التحتاني، وطبعاً بعضهم حتى لا يفعل هذا، ما رأيكم؟ والله العظيم بعض الجماعات والطوائف والأحزاب يقشعر بدنها من حكاية النقد وما إلى ذلك، لا تُحِب هذا، لأنها عندها نفسها كاملة Perfect، كأنها تقول لماذا تنتقدني؟ في ماذا ننتقد بعضنا البعض؟ نحن كملة لكن الناس كلهم لا يفهمون، ولذا هذه لعنة، فأنا أقول لك حتى هذا النقد التحتاني الذي يُمارِسه بعض حسني النية وبعض ذوي النية الطيبة الذين يُحِبون الإصلاح ويُحِبون اللملمة للأسف يفعلونه تحتانياً ضمن الطائفة، أنا أقول لهم لن تُصلِحوا كثيراً، رؤوس الهيدرا Hydra – هذا الكائن الخرافي اللعين – أنت قطعت منها رأسين وبقيَ لديك ثمانية رؤوس داخل المذهب، ستُعيد بدل الرأسين عشرين، وتبقى أنت تُصارِع هذه الهيدرا Hydra إلى ما لا نهاية، الذي نحتاجه اليوم في الحرب ضد هذه النزاعات الأصولية الإقصائية الإلغائية الخطيرة جداً على أمتنا وعلى صورة ومُستقبَل ديننا داخل بلاده قبل أن تكون خارج بلاده هو أن نُمارِس بل أن نتمهَّر ونتدَّرب – يُصبح لدينا دربة وتمهّر وتمرّس حقيقي – بالنقد الفوقاني، أي النقد العالي بلغة الأصوليين – أصول الفقه – طبعاً، ليس النقد النازل، ما معنى النقد العالي؟ أن أنتقد حتى طائفتي، وقلت لكم مرة أن ريجيس دوبريه Régis Debray يقول التنوير الحقيقي في رأيي – التنوير Aufklärung أو Enlightenment – ليس أن تنتقد الأخرين، حتى وإن كانوا مُخطئين، ضروري أن ننتقد الخطأ أينما وُجِد، لكن الشطارة لكي تُصبِح مُنوِّراً مُصلِحاً حقيقياً ومُبشِّراً بالنور في هذا الظلام الدامس الطامس أن تنتقد ذاتك أو طائفتك أو مذهبك أو جماعتك، دائماً كنت أردد ولا أزال أنها ليست بطولة أنني كسُني هنا آتي أنتقد الشيعة والإباضية وكذا، هذه ليست بطولة بالمرة، يفعل هذا كل سُني حين يُريد، البطولة أنني كسُني أنتقد السُني، أنتقد أخطاءي وتجاوزاتي، وفي الوقت عينه أنشد وأنُاشِد أخي الشيعي وأقول له أنت أيضاً افعل هذا داخل طائفتك، انتقد طائفتك، انتقد نفسك، لكن ليس نقداً تحتانياً، انتبهوا فهنا الفرق، هذا ينتقد وهذا ينتقد، هذا ينتقد تحتانياً، الغاية الإصلاح الداخلي، مصالح الطائفة ومصالح أبناء الطائفة أو المذهب أو الحزب أو الحركة، لكن نحن يجب أن نُمارِس نقداً فوقانياً، المعايير التي يُحتَكم إليها والمبادئ التي نترسمها في النقد – في عملية النقد – هى معايير الأعم، في القضية الدينية ما هو الأعم؟ الإسلام، هذه المسألة بسيطة وواضحة جداً، وهى انقاذية أيضاً، انتبهوا فهذه ليست تنويرية فقط، بل انقاذية أيضاً، من المُمكِن أن تُنقِذ أمتنا – والله – من اللعنات التي حاقت بها، لكنها مُباشَرةً تُجهَض في أول خطوة بالمزاج الأصولي، هل تعرفون لماذا؟ لأن الأصولي – كما قلت لكم – يقول ما المُشكِلة؟ أنا لا أظن أن ثمة فاصلة أو مسافة – Abstand أوDistance – بين طائفته وبين الإسلام، بالعكس نحن الصورة النقية – Pure أو Rein – للإسلام، نحن الترجمة المُطابِقة الدقيقة للإسلام، فعُدنا مرة أخرى إلى إطلاق النسبي، يظن نفسه أنه بفهمه وبفهم أئمته يتطابق مع الإسلام، وطبعاً هناك مُشكِلة بالذات لدى إخواننا الشيعة للأسف – سنقول على المنبر هذا رغم أنهم سيزعلون كثيراً لكن هذه حقيقة – حين ادّعوا العصمة في أئمتهم، فالإمام جعفر الصادق يكون معصوماً في نهاية المطاف، هذا يجعلنا أمام مُشكِلة حقيقية لأنهم يقولون هذا معصومـ واجتهاد المعصوم معصوم، وطبعاً يُمكِن الالتفاف على هذا بطرق مُعيَّنة لكن هذه مُشكِلة أيضاً، وطبعاً لدى الطائفيين الآخرين هناك مُشكِلات لكن بجذور مُختلِفة، الآن أكثرهم يبدون تعصباً أكثر من الشيعة بمراحل أيضاً لوجود جذور من نوع مُختلِف، لكن على كل حال نحن نتكلَّم بحيدة، نُحاوِل أن نكون على مسافة واحدة من الجميع، وإن شاء الله نقدر على هذا، فنحن يقول ينبغي أن نحتكم إلى معايير وغايات وأهداف ما هو أعم، في المسألة الدينية ما هو أعم؟ الإسلام، شيئ إسمه الإسلام، جميع الأصوليين الإسلاميين هل تعرف ماذا يفعلون في قضية إطلاق النسبي؟ لا يكتفون فقط بإطلاق الفهم الذي هو بطبيعته وطبعه نسبي وإنما أيضاً يُوسِّعون دائرة المُطلَق، بماذا؟ باللعب على القيمة الاحتجاجية أو الحُجية للشواهد والأدلة، بمعنى ماذا؟ يأتيك إلى أحاديث الآحاد يرفعها إلى رتبة واعتبار الأحاديث المُتواتِرة، ويقول أنا آخذ عقيدة من المُتواتر وعلى قدم سواء آخذ العقيدة من الآحاد، ومن ثم وقعنا في مُصيبة، لأن الآحاد بطبعه وطبيعته نسبي قابل للخطأ ولا يُمكِن القطع على غيبه، وهذا رأي جماهير علماء أصول الفقه في المدارس الإسلامية المُختلِفة، يأتيك الأصولي المُعاصِر يُهدِر هذا كله مُنحازاً إلى رأي جماعة قليلين من علماء أصول الفقه ويقول الآحاد تُؤخَذ منه عقيدة، ولن نُناقِش في المسألة الآن أصولياً طبعاً، في أصول الفقه المسألة مُعقَّدة وواسعة، لكننا سنعطيكم رأي الجماهير، ما الذي يحصل هنا؟ يحصل هنا أن دائرة الإطلاق أو المُطلَق تزيد باستمرار خطأً – بالخطأ – وتُصبِح حظوظ الاختلاف أكثر فقراً، تضمحل هذه الحظوظ وتتراجع وبالذات تفغر الآن الفاجعة فمها، نبدأ نُصبِح على مشارف أن نُفجَع وأن نُكرَث من جديد بهذه العقلية، ولذلك أنا أقول لكم نحن نحتاج إلى تجديد مناهجي – منهجي حقيقي – لا يقوم به خُطباء ووعاظ وما إلى ذلك وإنما يقوم به العلماء الكبار الذين ربما يُوجَد منهم عدد منزور وقليل جداً، فنحتاج إلى إعادة تكوين العقل العلمائي، لكن بنقلات منهجية حقيقية جريئة، إلى الآن الأمة لا تفعل هذا بشكل جيد، لا تفعله تقريباً بالمرة وإن فعلت فهذا يكون ربما في حدود يسيرة جداً جداً.

نعود الآن إلى مسألة إرداة الهيمنة، إذن الذي يُطلق النسبي لا يرى لك رأياً فبالحري هل يرى لك خياراً؟ لا طبعاً، هل يرى لك حرية؟ لا، ومن هنا نرى الأساس النظري الذي يُسوِّغ إرداة الهيمنة، إذن عندي الحق في أن أقول لا رأي لك وبالتالي لا حرية لك ولا خيار لك وهذا يُبرِّر وصايتي عليك ويُبرِّر هيمنتي عليك، أنا سأُهيمن عليك، وهذا شيئ مُرعِب، سأُهيمن عليك إلى حد القتل وبالقتل أيضاً، فإذن إطلاق النسبي توابعه وتواليه وعواقبه وخيمة وخطيرة وكارثية، هى ليست قضية فلسفية وكلام وما إلى ذلك، وأنا أُحِب أيضاً أن أُنبِّه يا أحبتي في الله – إخواني وأخواتي – إلى أن الأمة العربية – لا أتحدَّث عن الإسلامية وإنما عن الأمة العربية بالذات وهذا واضح لدى من سنين طويلة – من أكثر الأمم بُعداً عن القناعة بتأثير الأفكار في الواقع وفي الأحداث، نتيجة ماذا؟ نتيجة أننا أمة لا نتعاطى كثيراً مع الأفكار ومع الكتاب ومع الثقافة ومع العلم ومع المعرفة، أمة فقيرة جداً، وهذا أمر معروف، اليوم من أفقر الأمم على وجه الأرض في استهلاك الكتاب وفي استهلاك الحروف والكلمات الأمة العربية، لا تكاد تقرأ، لا تكاد تفتح كتاباً للأسف الشديد، حتى العلماء وما إلى ذلك قراءتهم محدودة جداً جداً وثقافتهم محدودة جداً، ويظهر هذا الفقر حتى في لغتهم بل في كل شيئ، هؤلاء مساكين، لذلك العرب ليس عندهم قناعة بأهمية هذا، ولذلك بعض الناس يسمع خطبة مثل هذه فيُمتِعه فيها جانب دون جوانب أو بالأحرى دون الجوهر، ربما يُمتِعه جانب شكلاني مثل طريقتي في الحديث أو مُعجَميتي، لكن في النهاية يقول هذا تفلسف وأفكار وما إلى ذلك، ولا يعرف أن الأمر على العكس، هذا الكلام يمخر في جوهر حياتنا – والله العظيم – وجوهر معانتنا، فنحن ليس عندنا قناعة بهذا، لكن اسألوا المُفكِّرين الحقيقين الذين كتبوا في تاريخ الأفكار وفي تاريخ تأثيرات الأفكار، الأفكار شكَّلت الأمم وتُشكِّل الأمم والثقافات، الأفكار تبعث حروباً وتُنهِض حضارات وتُنشيء مدنيات وتُدمِّر أمماً، الأفكار تُدمِّر أديان، علماً بأن الإسلام سبق إلى تكثيف هذا المعنى بشكل جميل وإعجازي، تحدَّث عن الكلمة، قال لك هناك كلمة طيبة وكلمة خبيثة في سورة إبراهيم، الكلمة ليست شيئاً عادياً، الكلمة التي تقولها أو تفوه بها أو تكتبها شيئ خطير جداً، والكلمة تُدخِلك الجنة أو تُدخِلك النار، ما رأيك؟ والنبي قال لنا هذا الكلام، قال من المُمكِن أن تتكلَّم كلمة من سخط الله تهوي بك في جهنم سبعين خريفاً، وأنا أقول لكم يا كثرة الهاوين، اللهم لا تجعلنا منهم بحق لا إله إلا الله، هل تعرف لماذا؟ يُوجَد الكثير من الناس الآن يتكلَّم، وواضح جداً أنه يتكلَّم، وحين يتكلَّم بكل كلمة يتكلَّمها تسيل أطنان من الدماء وهو لا يلوي على شيئ، لا يهمه هذا، يا رجل أما تُراجِع نفسك؟ أما تتقي الله؟ أما تهتز؟ في الحقيقة هذا العالم أو هذا الشيخ أو هذا المُتكلِم مثله الآن في الحد الادنى بل هو أسوأ مثلاً طبعاً العامي الجاهل الهمجي المُتوحِّش الذي يحلف لك خمسين يميناً من أجل أن يأخذ منك عشرة يورو، يُقسِم خمسين يميناً كذباً وعلى المُصحَف وهو يعرف أنه كذاب، شيئ مُرعِب، طبعاً هذه الظاهرة تُكثِفها بطريقة رمزية – Symbolic – ظاهرة المسبحة التي تُقرقِع في الأصابع، تراها مع الأتراك ومع العرب ومع الأكراد وإلى آخره، ترى مسبحة تُطرقِع مع كل المسلمين بالذات، الذي يراهم من بعيد – من خارج الحقل الإسلامي – يقول هؤلاء – والله – أُناس عندهم ورع وعندهم تقوى، هؤلاء أُناس موصولة حبالهم بالله، لا تفتر ألسنتهم عن ذكر الله، ولك أن تتخيَّل هذا، لو أقترب منهم هذا الإنسان سيُصعَق، يرى أن اليد تدور وتعبث بهذه الحبات واللسان يُقرقِع ويُطرقِع بإسم الله والصلاة على محمد وما إلى ذلك وفي نفس السياق وفي نفس الموقف ينتهك عرض مصونة ويتكلَّم عليها أنها زانية داعرة ويتكلَّم في رجل كبير فاضل يتهمه بأنه خائن أو كافر أو زنديق ويحلف أيماناً – كما قلت – يتغوَّل بها عشرات الليرات أو اليوروات، هذا غير معقول، كيف؟ كيف يجتمع هذا مع هذا؟ لأنه هذا ثمرة ثقافة – والله العظيم – علمتنا اعمل السبعة وذمتها – كما يقولون – وصل كم ركعة يُغفِر لك، كما يقول إخواننا المصريون اعمل الذي يعجبك وصل على الذي يشفع لك، هذا نفس المنطق، وهذه كارثة طبعاً، هذه القولة المصرية كارثة، وهى ليست مصرية فقط، هى مصرية وشامية وعراقية وإلى آخره، كلنا أبناء هذه الثقافة، اعمل الذي يعجبك وصل على الذي يشفع لك، السبحة بيدي سوف أُصلي وأعمل الذي أُريده، يبدو أن علماءنا لكن ليس كلهم طبعاً وإنما السيئين منهم للأسف – اللهم قلِّلهم – هم أبناء هذه الثقافة، طبعاً هو ابن هذه الثقافة فكم غيَّرت فيه هذه الكتب؟ هو تربى على يد أب وأم أبناء الثقافة هذه وعلى يد شيخ كتّاب ابن الثقافة هذه وعلى يد إمام منبر ابن الثقافة هذه وعلى يد أستاذ في المدرسة ابن الثقافة هذه، فكيف سيكون؟ سيكون ابن الثقافة هذه أيضاً، لابد أن يكون عبقرياً لكي يقدر على أن يقفز خارج هذا الصندوق ويخرج خارج المدينة كما قال نيتشه Nietzsche ويُراقِب ويقول أف، يا للعار، هذا سواد وهذا بياض، هذا يصلح وهذا لا يصلح، لابد ان يكون عبقرياً، لابد أن يكون شخصاً استثنائياً، لعل القدر يصطفي هذا الشخص، فاللهم اجعلنا من أحبابك ومن أوليائك، ولذلك أعود لأقول إطلاق النسبي يقتضي إرداة الهيمنة أكثر بكثير ربما من اقتضاء إرادة الهيمنة إطلاق النسبي، لماذا؟ لأن إرادة الهيمنة في جذرها ..وطبعاً انتبهوا إلى أن مُعظَم البشر يُحِب أن يهيمن، ما رأيكم؟ مُعظَم البشر يحب أن يهمين، كما قالت العرب قديماً أيام العباسيين نعمة الإمارة ولو على الحجارة، وهذه حكاها أبو جرير الطبري في التاريخ الخاص به، حيث كانوا يبنون مدينة السلام للمنصور أبي جعفر وطبعاً حدثت مشاكل بين عرب وقبائل عربية على الحجارة، قالوا مَن المسؤول عن كومة الحجارة فنحن سنُوزِّعها ونضعها في كذا وكذا وحصلت مشاكل وضربوا بعضهم البعض، فجاء رجل حكيم وقال لهم ما هذا الهبل؟ من أجل ماذا يحدث هذا؟ فقام رجل وقال له نعمة الإمارة ولو على الحجارة، أنا أمير على كومة حجارة، ليست مُشكِلة فالمُهِم أنني الأمير، أنا الأمير على الحجارة، وهذا كان يأكل العرب، نحن لدينا نزوع للتأمر والاستبداد ونفخ الصدر، هل تعرفون لماذا؟ لأننا فارغون فكرياً وثقافياً، أنا عندي نوع من التعصب للفكر والثقافة ربما لأنني مُثقَّف، لكن الذي أفهمه فعلاً أن الفكر والثقافة يُثقِّفان الإنسان، والتثقيف هو التهذيب، يجعله ناعماً جميلاً لطيفاً ويجعل عنده القدرة على الوعي الذاتي، دائماً يُحاِسب نفسه، ويرى القصور في نفسه قبل أن يرى القصور في غيره، هذه الثقافة وهذا الوعي وهذا الفكر، ومن ثم يتواضع، لأنه كلما ازداد ثقافة وعلماً يعلم أنه جاهل – يزداد علماً بجهله – وأنه محدود جداً جداً وأنه لا يعرف شيئاً في النهاية، في النهاية ينتهي إلى اعتقاد أنه لا يعلم شيئاً، فيُصبِح إنساناً جميلاً جداً بخلاف الفارغ، وهذا مثل السنبلة، اذهب إلى أي حقل فإذا رأيت سنبلة تطلع إلى أعلى في الهواء الطلق بصورة مُلفِتة اعلم أنها فارغة ليس فيها أي قمح، في حين أن التي تراها تنزل إلى أسفل تكون هى المُحمَّلة بالقمح، وهذا الذي نراه الآن، فنحن عندنا هذا الحب، وإلا ما الذي ذبحنا في ليبيا وفي العراق وفي سوريا؟ أنا شخصياً كعدنان وأقدر أحلف بإسم الله على هذا لكنني لن أحلف، عندي قناعة شبه أرجحية أن كله هذا لا من أجل الشعب ولا من أجل الدين ولا من أجل شيئ، فقط من أجل الهيمنة، هذه إرداة هيمنة، ووراها إرادات هيمنة من هؤلاء ومن هؤلاء ومن وأولئك، كله يُريد أن يُهيمن، ولذلك إذا جد الجد الكل عنده القدرة يتنازل ويضع يده في يد الشيطان الرجيم ويعمل السبعة وذمتها كما يُقال أيضاً من أجل ألا يفوتوا الكرسي، وإذا أردت التبريرات فإنها موجودة، سيُقال مُستقبَل الأمة ومُستقبَل الدين والإسلام والأوطان والأقليم وما إلى ذلك، يا سلام، نحن أساتذة في هذا، ولذلك أنا أقول لكم جذور مشاكلنا ثقافية فكرية وبالتالي تربوية، يجب أن نتثقَّف ونُنشَّأ ونُربَّى على طريقة مُختلِفة تماماً في التفكير وإلا نحن أمامنا ليس فقط عار وإنما أمامنا دمار لا ينتهي، ونحن الآن نُدمَّر، إذن إرادة الهيمنة قد لا تقتضي أكثر من النزوع النفسي إليها، وهذا موجود ومُتوفِّر لدي البشر، ولذلك هذا الذي يريد أن يُهيمن وأن يُسيطر وأن يستبد وأن يُدير وأن يُحرِّك وأن يكون فاعلاً – هو الفاعل أو الرأس الفاعلة – قد لا يهتم كثيراً ولا قليلاً بكون الأخرين يتوفَّرون على أراء مُختلِفة، عندهم أراء مُختلِفة وعندهم نظريات ما إلى ذلك لكنه يقول لك هذا لا يهمني، لا يهمني بالمرة، مهما كان رأيه أنا لا يهمني أي شيئ إلا أن أُهيمن، إلا بمقدار ما تعوق هذه الآراء الخاصة المُستقِلة عملية تسويده وهيمنته، فهنا يتصدى لها، لا لأنها آراء تختلف ولكن لأنها تعوق هيمنته، هو قضيته ليست قضية رأي، وهو ليس عنده آراء أصلاً ولا عنده فلسفة مُعيَّنة أو أيدولوجيا، هو عنده إرادة الهيمنة، علماً بأن مُعظَم طواغيت العرب في العصر الحديث هم هؤلاء الذين نتحدَّث عنهم، لا تجد في العرب هتلر Hitler، هتلر Hitler كان في عنده أيدولوجيا، أليس كذلك؟ كان عنده أيدولوجيا نازية، طبعاً في نهاية المطاف هو مُفكِّر من حجم صغير جداً جداً جداً، الذي يقرأ كفاحه يعلم ما هو قدر هتلر Hitler في التفكير، شيئ ضئيل جداً ومُتواضِع، وموسيليني Mussolini مثله وستالين Stalin، الذي يقرأ الاشتراكية العلمية والفلسفة الجدلية الماركسية ويقرأ كُتيبات ستالين Stalin يعرف أن ستالين Stalin ليس له علاقة بالماركسية، ليس دفاعاً عن الماركسية وإنما هذا دفاع عن الحقيقة، هذا الرجل لصيق بالماركسية وقد لخَّصها في أربع جُملة، وفرض مُلخَّصاته على كل الاتحاد السوفيتي وعلى الفلاسفة والأدباء ، والكتّاب والفنانين والمُبدِعين، كان لعنة حقيقية، لكن وضع ستالين Stalin الحقيقي ليس وضعاً فكرياً له علاقة بأفكار والأيدولوجيا، وإنما وضع إرداة هيمنة بإسم الحزب وبإسم الأيدولوجيا الكاذبة التي علاقته بها شبه مبتوتة، فهذا هو، إذن هذا أخطر من هذا، لكن علينا أن نشجب الاثنين.

إطلاق النسبي مع إرادة الهمينة يُنتِج لنا صيغة تربوية مُخيفة داخل الطوائف وداخل الأحزاب والحركات والتنظيمات، داخل الأصولية – داخل النسق الأصولي – صيغة مُخيفة تربوياً تعمل على تحويل البشر إلى آلات Instruments، لكن البشر ليسوا آلات، نحن لسنا آلة، نحن لسنا حجراً، حتى النبات ليس آلة فانتبهوا، أنا أقول لكم هناك بشر النبات أحظى بالوجود منهم، النبات تعلّقه بالوجود أكثر من هؤلاء البشر، لأن هؤلاء انحطوا إلى رتبة خشب أو حجر أو حديد أو قطعة سكين أو رصاصة في بندقية أو بندقية في يد مُجرِم، هؤلاء وضعهم هكذا، ولك أن تتخيَّل أن بشراً خلقه الله ليكون خليفة الله في الأرض يكون هكذا، آدم ليس الخليفة فقط، أنتَ خليفة وأنا خليفة وهى خليفة وهو خليفة، كل واحد فينا خليفة، قال الله وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ۩، كلنا خلفاء، الله أرادك أن تكون خليفة، لكن ما معنى خليفة عن الله؟ أن تعكس الغاية الإلهية في الخلق، يا الله، أي غاية يقول لك؟ غاية ماذا؟ ما هى الغاية فأنا لا أفهم الغايات؟ هذه أيضاً مُشكِلة من مشاكل الأصوليين، الأصوليون عموماً – ليس الإسلاميين فقط وإنما عموماً – لا يُحِبون أن يُعرِّفوا الأمور بغاياتها أولاً – يجعلوا الغايات مُتأخِّرة قليلاً – إلا بمقدار ما يقوم بمُهِمة الحشد والتجميع، أي غايات تجميعية، لكن الغايات الحقيقية لا يهتمون بها، يُقدِّمون دائماً الوسائل، أنا أقول لكم تقديم الوسائل قبل الفصل في تحديد الغايات – ما هى الغايات بالضبط؟ يعني مرة عاشرة الكارثة، هذه كارثة حقيقية، لكي أُوضِّح لكم أقول اليوم الأصولية الإسلامية تعتمد مفهوم الجهاد، حيهلاً على الجهاد، نحن من أكثر الناس الذين يُحيِّون الجهاد ويدعمون الجهاد، لكن الجهاد بأي معنى؟ يُوجَد جهاد له معنى مُعيَّن ويُوجَد جهاد بمعنى آخر، الجهاد الذي نُؤمِن به بعد القراءة والاطلاع والترجيح والتعب والسهر ما آمن به مئات من الفقهاء المُعاصِرين وعشرات من الفقهاء الغابرين، وهو رأي المذاهب الثلاثة – إذا أخذنا المذاهب السنية الأربعة هو رأي المذاهب الثلاثة – خلافاً للشافعي، نحن لا نُجاهِد الناس من أجل عقائدهم أبداً، الشافعي غلط هنا وقال نحن نُقاتِل الواحد منهم لأنه كافر، وهذا كلام فارغ، حقيقةً هذا كلام فارغ، والأدلة ضعيفة جداً جداً جداً، لكن الأدلة أكثر من أن تُذكَر على أننا لا نُقاتِل الكافر لأجل كفره، لو كنا نُقاتِل الكافر لأجل كفره سوف يرتفع مفهوم الجزية، لن تُوجَد الجزية، إما تُسلِم أو تُقتَل، أليس كذلك؟ فإذن لماذا أُعطي الجزية لكل كافر؟ وقلت لكم في خُطبة سابقة رأي جماهير العلماء أن الجزية تُقبَل من كل كافر، من عابد الصنم والوثن وإلى آخره، تُقبَل من الكله، ليس من اليهود والنصارى فقط، وهذا رأي جماهير العلماء، فإذن نحن لا نُجاهِد من أجل تغيير عقائد الناس، هذا غلط لكن الأصولية تُحِب هذا وتقول أننا نفعل من أجل تغيير عقائدهم، وذلك لأنها إطلاقية، عندهم عقيدة واحدة صحيحة والباقي كله غلط ومن ثم يُمسَح ويُطمَس، لكن نحن نقول أننا نُجاهِد الناس من أجل رد عدوانهم، وطبعاً هناك فكرة ثالثة خرج بها المرحوم أبو الأعلى المودودي وتلقفها الشهيد سيد قطب، وكتبوا عليها كلاماً طويلاً وفي نهاية المطاف هى فكرة لا تصح، لن أصفها بأكثر من هذا، هى لا تصح، ليس لها أُسس راسخة يُمكِن أن تدفع عنها، ما هى؟ نحن لا نُقاتِل الناس من أجل كفرهم ولا نُقاتِلهم أيضاً من أجل رد عدوانهم – وهذا مشروع   طبعاً عند المودودي وسيد قطب فالمُعتدِي يُرَد عليه – لأن هدف الجهاد الإسلامي الحقيقي أن نُقاتِل الناس لكي نتأمَّر عليهم، أنا أعطيكم إياها بصيغة مُباشِرة Directly، أي نُقاتِل الناس لكي تكون لنا نحن أمة التوحيد السلطة عليهم وبعد أن نتسلَّط عليهم ونُهيمن عليهم سنُعامِل الكل بعدل، ولذلك قد تقول لي من هنا جذور الأصولية الإسلامية المُحدَثة عند المودودي وعند قطب، وهذا صحيح بالضبط، هذه جذورها عند الاثنين رحمة الله عليهما وغفر الله لهما وعفا عنهما، قالا نحن نُجاهِد من أجل أن نتسلَّط على الناس ونفرض السُلطة عليهم، بعد أن نفرض السُلطة سنُعامِل الكل بعدل، الذي يُحِب أن يبقى على دينه سوف يبقى على دينه لكن يدفع لنا الجزية عن يد وهو صاغر، فهذه أيضاً نظرية ثالثة ولكنها لا تصح، أنت الآن انظر إلى أي أصولي لا يُحقِّق هذه المسألة بالمرة ويفترض أن الجهاد مُرادٌ لذاته، أي أنه غاية، لكن هل الجهاد وسيلة ولا غاية؟ واضح أنه وسيلة، لا يُمكِن أن يكون غاية، الجهاد لا يُمكِن أن يكون غاية أبداً، هو وسيلة من وسائل، لكن ما هى الغايات؟ هو لم يبحث المسألة على هذا النحو وعلى هذا الترتيب، لأن عقلية الأصولي لا تُقدِّم الغايات، أنا أقول لك المُسلِم الحق يُطيل التفكير والنظر والتحقيق أولاً في تعريف وتحديد – Definition – الإسلام بغاياته، بعد أن يفرغ من هذه المُهِمة سيرى أن الوسائل تتنزَّل تقريباً تلقائياً في أماكنها اللائقة بها، هذه نظرية مُتكامِلة وسهلة جداً، وينتج لك إسلام كما أراده الله، هنا أنت تُحقِّق غاية الله في الخلق، وأختم بجملة الآن، ما هى الغايات العُليا والبعيدة للإسلام؟ لأن هذا الإسلام كما عبَّر القرآن العظيم دينٌ عالمي، قال الله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩، اسأل نفسك ما معنى هذه العالمية؟ كيف يكون الإسلام ديناً عالمياً؟ الأصولي الذي قدَّم الوسائل على الغايات يقول لك دين عالمي بالمعنى المودودي والقطبي، دين عالمي بمعنى أنه يقهر الناس بقوة السيف ويسود على العالم، أي أنه يُخضِع العالم، وبعد أن يُخضِع العالم يتعامل معهم وفق قيمه الخاصة، وهى قيم عادلة، هى قيم عدالة، يترك الناس وما اختاروا لكن بشروط، كما قنا دفع الجزية والدخول في الذمة وهكذا، لكن هذا الكلام غير صحيح، هذا الكلام لا يُمكِن أن يكون صحيحاً، لماذا؟ لأسباب نظرية قرآنية كثيرة ألمعنا إليه في عشرات الخطب تُؤكِّد أن مبنى الدين ومبنى الأمر كله ومبنى الإنسان على الحرية، الله شاء قدراً أن يخلق الإنسان ليكون حراً في أمره كله، طبعاً هناك استثناءات وأشياء تُوظَّف هنا، فهذا المنطق مبني على منطق إكراهي في الأول ومنطق إخضاعي، إذا استذكرنا جيداً أن الرسول لم تُجعَل له صلاحيات الجبروت – وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ ۩ – ولا صلاحيات الهيمنة والسيطرة والإكراه فإذن ما معنى عالمية رسالتك يا محمد؟ صلى الله على محمد وآل محمد، أنت لا تُكرِه، أنت لا تُسيطر، أنت لا تُجبِر الناس، أنت لا تفعل كذا وكذا، إذن ما معنى أن رسالتك عالمية؟ أنا أقول لكم الآن لم يبق من معنى لهذه العالمية – والله أعلم – إلا أن يكون إن هذا الإسلام يجب أن نُحسِن عرضه ولا يُمكِن أن نحسن عرضه إلا بترتيب الأولويات بأن نحدده غائياً أولاً وليس وسلياً، نرى ما هى غايات الإسلام وما هى الأهداف العُليا للإسلام ونُعرِّف بها ديننا، وهذا يحتاج طبعاً إلى تفصيل كثير جداً، إذا فعلنا هذا فأنا أقول لك النتيجة أنك تقريباً ستُلفي مُعظَم البشر الآن وفي الآنات المُنصرِمة المُنقضية وفي كل آن يأتي يقولون لك حيهلاً بهكذا دين، هذا دين لا يُرفَض، هذا دين لا يُرَد، إلا الذين سيرفضونه – كما قلت لكم – أيضاً تبعاً لأصوليات مُنغلِقة وفيها إرداة الهيمنة وتُحارِبه بإطلاقيات زائفة وتأُلهيات زائفة، أما البشر الأحرار كما هم كبشر سوف يقولون لك حيهلاً بهذا الدين، ومن هنا عالميته، العالم سوف يقبله ويقول لك هذا ليس فيه ما يُرفَض، أهلاً وسهلاً بهذا الدين، هل فعلنا؟ أنا أقول لكم ما فعلنا، هل لدينا الآن نية أن نفعل هذا بهذا الشاكل الواعي المُدرِك؟ لا، هذا في غير حسابنا، هذا خارج المُفكَّر فيه حتى الآن، لأننا لا نرى أولوية فعلاً لعرض الإسلام أو لتحديد الإسلام غائياً، وبعد ذلك نبدأ نتحدَّث عن الوسائل، علماً بأن هذه مُقارَبة أصولية لتناول الأحكام الإسلامية كلها وبل حتى العقائد الإسلامية – لتناول جُملة الإسلام وتفاصيله – من زاوية جديدة غير الزوايا المقاصدية المعروفة، ما رأيكم؟ زاوية التحديد الغائي والتحديد الوسلي للدين ولهذا النظام، نظام الإيمان – Belief – ونظام القانون أو التشريع.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسلمياً كثيراً.

أيها الإخوة:

إذن الأصولي بشكلانيته وبسطحيته الناتجتين عن إطلاقه للنسبي يعمل دائماً على خلق أدوات، ليس على تربية بشر مُستقِلين واعين مُدرِكين أحرار وإنما على خلق أدوات، هو يفعل هذا بوعي ويُريده ولا ينجح كأصولي إلا إذا تم له هذا المُراد، وهو يتم للأسف في كل الأصوليات، ومن هنا تنبع الكوارث وتتجدَّد، نحن نحتاج الآن إلى ثقافة قرآنية، وهى ثقافة – بفضل الله – البشر العقلاء في كل زمان ومكان، بعض الناس يأخذ علىّ وعلى غيري وعلى أمثالي أننا نستشهد بالكفّار من الرومان واليونان والغربيين والشرقيين والملاحدة، هل تعرفون لماذا؟ أنا أقول لكم نحن نفعل هذا براحة تامة، النبي – عليه السلام – كان يستنشد أشعار بعض شعراء الجاهلية مِمَن أُوتوا حكمة كأُمية بن أبي الصلت الذي عادى النبي وأدركه وكفر برسالته، ولكن هذا لم يمنع النبي من أن يقول آمن شعره وكفر هو، شعره شعر رجل مُؤمِن، والنبي يقول أنا أدعو إلى هذا فلماذا كفرت بي؟ إرداة الهيمنة، هذا الرجل كان يحلم أن يكون هو النبي، أي نبي آخر الزمان، فعندما لم يُصبِح نبياً كفر برسول الله، لكن النبي كان يُحِب شعره ويستنشد أصحابه هذا الشعر، حتى أنه في حديث في صحيح مسلم استنشد أحد أصحابه مائة بيت على دابة، النبي ركب على دابة وقال انشدني من شعر أمية فقال له بيتاً، فقال هيه – أي زدني – فقال له كذا وكذا، قال هيه – زدني – فقال كذا وكذا، فقال هية حتى أنشدته مائة بيت، أرأيتم؟ مائة بيت، والله لو اليوم فعلها شيخ في مسجد – شيخ وليس محمد بن عبد الله ختام الأنبياء المُرسلَين صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين – وأنشدوا له مائة بيت شعر لقالوا له ما هذه السخافة؟ أفي بيت الله؟ أتقول شعراً من مائة؟ والقرأن أين؟ والسُنة أين؟ والعلم أين؟ لكن هذا النبي، هل تعرفون لماذا؟ ما الأساس أيضاً لهذا؟ أنا أقول لكم ما هو آخر شيئ يمكن أن يُزوَّر؟هل القرآن يُمكِن أن يُزوَّر؟ طبعاً، لكن ليس حرفه وإنما معناه، لأن حرفه الله عصمه، قال الله وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩، لكن معناه زوَّروه أم لم يُزوِّروه؟ زوَّروه كثيراً، وما زالوا يُزوِّرونه ويكذبون عليه، أليس كذلك؟ هذا حدث طبعاً، السُنة زوَّروها حرفاً ومعنىً أي حداً ومعنىً، زوَّروها لفظاً وشرحاً، كل شيئ يُزوِّرونه، الكتب المُقدَّسة عند أهل الكتاب زُوِّرَت، الكتاب المُقدَّس – Bible أو Bibel – زُوِّرَ، كل شيئ يُزوَّر، كتب الهند المُقدَسة فيها تزوير رهيب، هل تعرف ما هو آخر شيئ يُمكِن أن يُزوَّ؟ إنسانيتك، آخر شيئ يُمكِن أن يُزوَّر الإنسانية، جوهر الإنسانية الذي وضعه الله فيك وحاكمك إليه وقال بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ۩، أنت تعرف هذا، أنت تُدرِك إنك كإنسان عندك القدرة الربانية بشيئ مغروس فيك أن تُميِّز بين القبيح والجميل وبين الحق والباطل وبين الصحيح والغالط، هذه القدرة تُنقِذك من أن تكون لقمة سائغة لهؤلاء أكلي البشر أكانوا أصوليين وغير أصوليين، هذه القدرة وحدها فقط تفعل هذا، هناك كلمة قالها ابن رشد – رحمة الله تعالى عليه – سبق بها تنويري أوروبا من الملاحدة وغير الملاحدة العلمانين، ماذ قال ابن رشد؟ قال لا يُمكِن أن الله – تبارك وتعالى – يُعطينا هذا العقل القادر على الميز بين الشر والخير وبين الصح والغلط ثم يُكلفنا بشرائع تتناقض مع هذا العقل، مَن الذي أعطانا العقل؟ مَن الذي أعطانا القدرة على التفكير المنطقي العلمي المُرتَّب والهداية الداخيلة والنور الباطني كما سماه ديكارت Descartes، لذا قال ابن رشد لا يمكن أن الله – تبارك وتعالى – يُعطينا هذا العقل القادر على الميز بين الشر والخير وبين الصح والغلط ثم يُكلفنا بشرائع تتناقض مع هذا العقل، يا سلام، لذلك فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وليس من الانفصال، جاء بعد ابن رشد في القرن الثامن عشر في ألف وسبعمائة وواحد وخمسين – ابن رشد تُوفيَ في خمسمائة خمس وتسعين للهجرة، فضِف ستة قرون تقريباً بالميلادي لكي ترى الفرق – المُؤسِّسان الكبيران للموسوعة الفرنسية دالمبير D’Alembert ودنيس ديدرو Denis Diderot وأسَّسا الموسوعة التي قال عنها فولتير Voltaire هذه الموسوعة – Encyclopedia – هى النصب التذكاري لمجد فرنسا، طبعاً هو قبل الثورة، فمجد فرنسا الحقيقي ليس في الثورة – لا تُوجَد ثورة إلى الآن – وإنما في الموسوعة، ماذا يكتب ديدرو Diderot ودالمبير D’Alembert في المُجلَّد الثالث عشر؟ قالا عبارة شهيرة أو قولة أصبحت مقبوسة دائماً للمُفكِّرين الأحرار، قال كلاهما حين يقطع العقل بقرارٍ واضح ويقيني لا يُمكِن أن يُطلَب منا فضلاً عن أن نُجبَر على أن نعتقد بما يُضاد هذا القرار الواضح والقطعي اليقيني بحُجة أن المسألة مسألة أيمان، عن ماذا يتكلَّمان الآن؟ يتكلَّمان عن الاعتزاليات المسيحية وعن ترتليان Tertullianوأتباع ترتليان Tertullian، بمعنى أنك يجب أن تُؤمِن ببعض المسائل سواء فهمتها أو لم تفهمها مثل الفداء والكفارة والثالوث والتجسد والقيامة، بأي طريقة يجب أن تُؤمِن بها، لماذا؟ لأنها أصلاً غير معقولة وغير منطقية وغير مفهومة، هذه قضايا فتؤخَذ كما هى، ومن ثم لا تُدخِل العقل، ديدرو Diderot يتكلَّم ضد هذا الكلام مع دالمبير D’Alembert، لماذا؟ ما الحُجة عندهم؟ اسمعوا هذا الكلام الجميل، هذا كلام ابن رشد لكن بصيغة أكثر جمالاً، قالا لأننا قبل أن نكون مسيحيين نحن بشر، انظروا إلى العقل، أنا بشر فلا يُمكِن أن تطلب مني أن أتخلى عن عقلي، أي عن جوهرتي، هذه جوهرة الله في، هذه الجوهرة التي يُمكِن بها أن أقول هذا نبي أو غير نبي، هى التي أحتكم إليها، أليس كذلك؟ هذه الجوهرة التي أحتكم إليها فأعرف هل فعلاً الإله موجود أم غير موجود وإذا كان موجوداً هل يُمارِس عناية على البشرية أم تخلى عنهم، بالعقل أعرف هذا وليس بالنص، فلا تقل لي أنك تكفر بحكم العقل لأن المسألة مسألة إيمانية محضة، قالا لأننا قبل أن نكون مسيحيين نحن بشر، أنا بشر، أنا إنسان، فاحذروا من كل أولئكم الذين يُريدون أن تتنازلوا عن إنسانيتكم وعن بشريتكم وعن نسبيتكم وضعفكم أيضاً وعن شغفكم بالفهم والمعرفة وتطلب الحقيقة، إياكم من هذا، بكلمة أقول احذروا من الذين يريدون أن تتحوَّلوا إلى أدوات في أيديهم، أدوات للضرب وللحطم وللتكسير وللذبح وإسالة الدماء، إياكم من هذا، فأنتم هنا تتخلَّون عما لا يُزوَّر، وهذا يعني أنكم يوم القيامة قطعاً لا عذر لكم، قال الله بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ۩، أين هؤلاء من كلمة المؤرِخ الروماني الكبير بلوتارك Plutarch – العرب يُسمونه فلوطرخس – الذي كتب العظماء؟ أنا مُتأكِّد أنه ما كتب هذا الكتاب إلا لأنه عظيم قادرعلى أن يتعامل مع التنوع البشري على أنه إثراء للمشوار البشري، قال بلوتارك Plutarch لا أُريد صديقاً حين أهتز يهتز، حين أميل يميل، حين أتغيَّر يتغيَّر، فظلي يفعل ذلك بشكلٍ أفضل، انظروا إلى هذا الإنسان، هؤلاء هم الناس الأحرار، أنا لا أُريد أن أكون هكذا، ولا أُريد تلميذاً ولا أُريد تابع يكون هكذا، لأن ظلي يفعل هذا بشكلٍ أحسن، أريده إنساناً مُستقِلاً، أُريده إنساناً مثلي، يُعاونني وأُعاونه على رؤية الحقائق.

أختم بما هو خير، أختم بالقرآن العظيم الذي فاق كل هذه القولات وكل هذه الاتجاهات الحرة، القرآن كما تعلمون جيداً وتعلمن لم يجعل الآبائية عذراً، كأن تقول وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ۩، قال لك مصيرك هو النار، يا الله، انتبه إلى هذا، القرآن ضد أن تتحوَّل إلى أداة، لا بيد التقاليد ولا بيد المُجتمَع ولا بيد الطائفة ولا بيد المذهب ولا بيد السياسة، يجب أن تكون حراً، أنت مسؤول أمام الله، أنت خليفة الله، أنت لست خليفة الرئيس ولست خليفة الشيخ ولست خليفة القائد ولست خليفة الأيدولوجيا، أنت خليفة الله فانتبه، حين تقول يا ربي وجدت آباءي على هذا يقول لك اذهب إلى جهنم، يا الله، وجدنا كُبراءنا – ليس الأجداد السالفين بمعنى الـ Ancestors، وإنما الكُبراء بمعنى صُناع الرأي وما إلى ذلك – أيضاً، فماذا عنهم؟ قال مَن هم صناّع الرأي؟ هل هم آلهة؟ هؤلاء يُصيبون ويُخطئون، أما أدركت أنهم بشر؟ لماذا لم يكن عندك ثقة بنفسك أن تزن أراءهم وتحتكم إلى النور الداخل الذي غرسته فيك؟ قال الله بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ۩، فيها بصر وفيها رؤية، أنا غرست فيك نوراً، كان يُمكِن أن تحتكم إليه وتعرف أن هذه الفتوى ملغومة ومدعومة ومدفوعة وأنها ليست لي، أي ليست لله، لكن لماذا استجبت لها؟ لأنك تُريد أن تستجيب لنوازع الإجرام في نفسك، تُريد أن تستجيب لنوازع إلغاء الآخر، تُريد أن تشفي غيظك من آخرين تكرههم لأسباب أخرى لكن بإسم الدين، ومن ثم يقول لك جهنم تنتظرك، إذن الكُبراء ليسوا عذراً، الآباء والأجداد ليسوا عذراً، لكن ماذا عن المصلحة يا رب؟ عشرات الآيات تُؤكِّد أن المصلحة ليست عذراً، هذا مُستحيل، لماذا؟ لأن الله قال لك المصلحة بيد الله، إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۩، أي سوف تذهب مصالحنا وتضيع تجاراتنا وما إلى ذلك، لكن الله قال المصلحة عندي، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ۩، تالله والله وبالله – أُقسِم بعزة الله – لو أن هذه الأمة أو لو أن هذا البشر أو لو أن الإنسان من حيث هو إنسان فهم المعنى الحقيقي للإيمان لأصبح قوة ولا تُضارَع ولا تُنازَل ولا يُقدَر عليها ولجسَّد نفسه خليفة حقيقياً لله تبارك وتعالى، كما يرضى الله وكما يُحِب الله أُقسِم بالله لا يُمكِن أن تُؤتى ولا يُزيَف وعيك ولا تُهدَر إنسانيتك لا من زاوية المصلحة ولا من زاوية الأيدولوجيا ولا من زاوية الطائفة ولا السياسة ولا الفكر أبداً لكونك مُؤمِناً حقيقاَ تستهدي بالله وتستعصم بالله وتثق بالله دائماً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اهدنا واهد بنا، اللهم اجعلنا رحمةً لإخواننا ورحمةً للدنيا جميعاً برحمتك يا أرحم الراحمين، ولا تجعلنا لعنة ولا تجعلنا عذاباً ولا تجعلنا من المُرتَدين المفتونين الناكصين على أعقابهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (12/9/2014)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: