ما هي الأبراج؟ ما حقيقتها؟ وهل اهتمام بعض الناس بها حقيقة أم وهم؟ كيف سيطرت ثقافة الأبراج على شريحة كبيرة من الناس وبالذات النساء؟ هل الصحافة المرموقة تُفرِد باباً لعلم الأبراج؟ وأخيراً هل لعلم الأبراج علاقة بالتنجيم؟ هذه هي الأسئلة التي استهل بها الدكتور أحمد العرفج حلقته.

طلب الدكتور أحمد العرفج إضاءة حول الأبراج من حيث التاريخ والنشأة، فقال الدكتور عدنان إبراهيم حين نتحدَّث عن الأبراج نتحدَّث عن علم التنجيم، هناك مُدخَلية لموضوعة الأبراج في علم الفلك، وحتى الأبراج مذكورة في كتاب الله واهتم بها العلماء المُسلِمون، لكن بشكل رئيس إذا سمع العامي كلمة الأبراج فهو يذهب وهله إلى علم التنجيم، علم التنجيم يقوم أساساً على الأبراج.

قال لابد أن نستسلف الفكرة القديمة – الفكرة ما قبل كوبرنيكوس Copernicus – وهي فكرة أن الأرض هي مركز العالم والشمس والسيارات الأرض تدور حول الأرض، وهذه الفكرة تغيَّرت بفضل العلماء المُسلِمين وبفضل البولندي نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus حين أثبت أن الشمس هي مركز الكون، وفي الحقيقة هي مركز المجموعة الشمسية لكن هذا الذي حدث.

أضاف أن البابليين في العراق القديم حين كانوا ينظرون إلى السماء يرون أن الشمس تمر في مدارها المعروف بالمدار الشمسي بمجموعات من الكوكبات ἄστρον، ومن هنا كلمة Astrology التي أتت من هذه الكلمة الإغريقية وتعني علم التنجيم.

قال تمر الشمس بمجموعة من هذه النجوم أو بكوكبة تُسمى البرج، في الشهر الذي يليه تمر ببرج آخر أو بمجموعة أُخرى من النجوم “كوكبة”، هذه الأبراج لابد أن يكون عددها مُغطياً لثلاثمائة وستين درجة، لأن الشمس لها مدار من ثلاثمائة وستين درجة، فالثلاثمائة والستون الدرجة مُقسَّمة على اثني عشر برجاً، إذن كل برج يُساوي ثلاثين درجة، هكذا كان يظن القدماء – ولا يزالون – الذين يشتغلون بالتنجيم ويُدجِّلون على الناس، فهم يعتقدون أو يُريدون من الناس أن يعتقدوا بوجود اثني عشر برجاً مُقسَّمة بالتساوي على المدار الشمسي وتُغطي ثلاثمائة وستين درجة في القبة السماوية.

أضاف أن الأبراج معروفة للناس مثل برج الحمل، وقال يُمكِن أن نصوغها في البيتين الشعرين المعروفين لمَن لا يحفظ هذه الأبراج، يقول الشاعر:

حمل الثور جوزة السرطان                               ورعى الليث سنبل الميزان.

ورمى عقرب بقوس لجدي                                    نزح الدلو بركة الحيتان.

أوضح أن أول برج هو برج الحمل وآخر برج هو برج الحوت، وقال إن كلمة جوزة يُقصَد بها برج الجوزاء أما كلمة سنبل فيُقصَد بها برج العذراء.

قال هذا الذي اعتقده القدماء، والآن حين يُولَد الإنسان يُولَد طبعاً في لحظة مُعيَّنة في يوم مُعيَّن في شهر مُعيَّن فلابد أن تُوافِق هذه اللحظة وقوع الشمس في برج من هذه الأبراج، فيُقال هذا برج فلان.

أوضح أنه لا يعرف برجه لأن هذا الأمر لا يهمه، وقال من الصعب جداً إلا على المُطلِعين أن يعرف الإنسان برجه الحقيقي لأن الأبراج تغيَّرت، ومع ذلك المُنجِّمون لم يقوموا بتحديث معلوماتهم، مُشيراً إلى أن هذا ليس بعلم، فهو علم زائف، أي ما يُعرَف بـ Pseudoscience، فهو من العلوم الزائفة الكاذبة.

قال يأتي المُنجِّم المُهتَم بمصائر البشر يحسب مواضع النجوم ومنازل القمر وأشياء أُخرى كثيرة ثم يبدأ يتحدَّث، فتبعية الإنسان لبرج مُعيَّن تُعطيه سمات ثابتة عامة، وهذا غير المصير اليومي المُفصَّل، فيُقال هذا من برج الثور – مثلاً – وله سمات عامة، لكن هذا كلام فارغ، غير صحيح بالمرة!

تساءل عن سبب تفكير الإنسان على هذا النحو، وقال أنا فكَّرت في هذا وتوصَّلت إلى تحليل شخصي، وهناك أشياء مكتوبة في تاريخ علم الفلك، لكن أنا أعتقد أن الإنسان كانت حياته بسيطة وبالتالي حياة نمطية ومُقولَبة، وسبق أن تحدَّثنا عن مُعادَلة الفلاسفة الكبار في بلاد الإغريق بين العدالة والاستحقاق وبين الاستحقاق والمزايا، حتى أفلاطون Plato في الجمهورية يضع الناس في طبقات صُلبة، ولا يجوز لإنسان أن يُغادِر طبقته إلى طبقة أُخرى، وهذا مثل التقسيم البرهمي الشهير لدى الهنود، فالحياة عموماً في العالم القديم كانت هكذا، فالذي يُولَد لفلاح سيبقى فلاحاً، والذي يُولَد لملك سيبقى أميراً ويرتقي ليكون ملكاً، فهناك نمطية في الحياة، ولاحظ الإنسان في الأعلى أن هناك أيضاً نمطية، مثل القمر ومنازل القمر وأيضاً حركة الشمس فضلاً عن هذه الأبراج، فهناك نمطية عتيدة، الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ ۩، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ۩، هذه حقائق لاحظها الإنسان القديم في بابل فظن أن هناك ارتباطاً عتيداً وحقيقياً بين ما فوق وما تحت، وهذه الجُملة تُلخِّص حقيقة علم الأبراج والتنجيم.

قال إن الهولندي الشهير تيخو براهي Tycho Brahe – أحد أعمدة علم الفلك في عصر النهضة – كان مُنجِّماً وله دراسات وأرصاد، حين أراد أن يُلخِّص دراساته في التنجيم قال أنا بالنظر في الأعالي أستطيع أن أفهم ماذا يجري في الأسفل، هذه حقيقة التنجيم، فهل ثمة ارتباط حقيقي فعلاً بين ما في الأعلى وما في الأسفل؟ هل تُحدِّد هذه الكوكبات وهذه الأبراج مصائر؟ هل لا يُمكِن أن نتخطى هذه المصائر أو أن نُغيِّرها أو نُساهِم فيها؟ وهل نحن محكوم علينا بهذا؟

أضاف أن في العصور المُتأخِّرة حين تزحزت هذه القوالب وخفت قبضتها اختلف الأمر خاصة في القرن العشرين والحادي والعشرين، وقال إن الأمور قُلِبت رأساً على عقب، فتجد ابناً لمُهاجِر إفريقي – عنيت باراك أوباما Barack Obama – يصل إلى سُدة حكم أعظم إمبراطورية في العالم المُعاصِر، وقد كان أجداده ونظراؤه من فترة قريبة يُضرَبون بالرصاص وتُهدَر دماؤهم، لا أحد يُطالِب بهم، فالأمور اختلفت كثيراً، يُمكِن لإنسان أن يُولَد من خلفية مُتواضِعة جداً ويُصبِح رئيس حكومة أو رئيس بلد!

قال إن الحياة أصبحت مُعقَّدة، لم تعد نمطية، ومن ثم أصبحت بعيدة جداً عن إمكانية التنبؤ فيها، فالمفروض أن تخف قبضة علم التنجيم والأبراج وقد خفت بلا شك لكنها لم تزل بالكامل، في كندا – مثلاً – رُبع الشعب يعتقد بالأبراج وبالتنجيم، في الولايات المُتحِدة الأمريكية حوالي ثلاثين في المائة من الشعب يُتابِع هذه الأشياء ويعتقدون بعلميتها، والحال أنها ليست كذلك.

أراد الدكتور أحمد العرفج العودة إلى موضوع عدم تحديث المُنجمِّين لمعلوماتهم، فقال الدكتور عدنان إبراهيم إنه سيتحدَّث عن هذا وسيضح لنا أن هذا علم شعوذة وكلام فارغ ليس له علاقة بالعلم.

قال برج الحمل – مثلاً – المفروض أنه البرج الأول وحُدِّدت به نُقطة الحمل الأولى، قبل ألفين وستمائة سنة حصل الكلام هذا، لأن الاعتدال الربيعي يحصل حين تكون الشمس في هذا البرج، الآن لو قلت لأي فلكي الاعتدال الربيعي يحصل حين تكون الشمس في برج الحمل لضحك عليك ملء شدقيه، فهذا غير صحيح بالمرة ولا يقول به أي طالب علم فلك، فهو لا يحصل حين تكون الشمس في برج الحمل، بل حين تكون في برج الحوت، لأن الأبراج تزحزحت، وهناك نُقاط كثيرة لسبب هذه الزحزحة، أهمها أن الأرض لها ثلاث حركات، حركة الأرض حول محورها التي ينتج عنها الليل والنهار وحركة الأرض في مدار طويل إهليلجي وليس دائرياً حول الشمس التي ينتج عنها الفصول الأربع، هاتان أول حركتين.

أضاف أن الأرض حين تتحرَّك حول الشمس في المدار الإهليلجي يكون لها نُقطة حضيض ونُقطة أوج، وقال حين تكون في الحضيض تكون أسرع ما تكون لكي تُفلِت من قبضة الجاذبية، وحين تكون في الأوج تكون أبطأ ما تكون، إذن سرعة الأرض في مدارها حول الشمس مُتفاوِتة والشمس شرعتها مُتفاوِتة، وبما أن سرعة الشمس مُتفاوِتة إن الشمس حلولها ومكوثها في الأبراج يختلف.

قال الآن حين تستشير الكتب الفلكية ستُصدَم حين تعلم أن برج العقرب لا تمكث فيه الشمس إلا سبعة أيام وليس ثلاثين يوماً كما يقولون، في حين أنها تمكث في برج العذراء أربعة وأربعين يوماً.

أوضح أن الحركة الثالثة تُعرَف بالحركة المحورية البدارية، وقال إن الأرض تدور على محورها كما هو معروف، وهذا المحور لا يبقى في مكانه، والمحور الشمالي يُشير إلى القطب الشمالي، ونجمة القطب الشمالي يتغيَّر موقعها بسبب هذه الحركة البدارية، والأرض تُكمِل دورة كاملة للحركة البدارية كل ست وعشرين ألف سنة تقريباً، والشمس كانت في البداية في برج الحمل لكن الآن بعد ألفين وستمائة سنة يحصل الاعتدال الربيعي والشمس في برج الحوت، وحدث انزياح للأبراج بسبب الحركة إلى الغرب، وبعد أن تُكمِل الأرض ست وعشرين ألف سنة سوف تعود الأبراج كما كنت في الأول، لكن هذا الآن غير موجود، ولذا لا يعرف أحد تقريباً برجه الحقيقي.

قال المُنجِّمون تذرَّعوا وقاموا بحركة التفافية من جهتين، فبعضهم لجأ إلى القولة المشهورة الكواكب تُخبِر لكنها لا تُجبِر Planets tell but not compel، أي أنهم أفسحوا هامشاً عريضاً للحرية ولتغيير المصير، وهذه كانت المُناوَرة الأولى، أما المُناوَرة الثانية أكثر افتضاحية لكنها ساغت على الناس، وهي أنهم قالوا نحن لا نتحدَّث عن البروج السماوية وإنما نتحدَّث عن دائرة البروج، والسؤال الآن: ما قيمة دائرة البروج هذه التي لم تعد تتطابق مع أبراج السماء؟ لا صدقية لها مُطلَقاً لكن هكذا شغل الدجل!

تحدَّث عن الفرق بين الطالع والمصائر المُفصَّلة وطالب بضرورة خضوع هذا لدراسات علمية، مُشيراً إلى عدم وجود دراسات تُؤكِّد صحة وجود سمات مُحدَّدة للأشخاص الذين ينتمون إلى برج مُعيَّن.

ضرب الدكتور أحمد العرفج مثالاً قائلاً إن الطفل الذي يُولَد في الحرب في غزة سماته الشخصية ليست كالذي يُولَد في نفس الوقت في الدنمارك، وهذا ما وافق عليه الدكتور عدنان إبراهيم وأضاف أن الأمر لا يقتصر فقط على زمان الميلاد، فهناك علم الجينات Genetics الذي يُكذِّب هذا، وقال إن أحدث الدراسات الجينية تقول هناك جينات Genes ثابت أنها يُمكِن أن تُعبَّر بالطريقة الفلانية ومع ذلك هذا ليس ضرورياً، فالعلم يوماً فيوماً يُتيح مجالاً أكبر لكي يقتنع الإنسان أكثر أنه يُشارِك في صنع مصيره ومُستقبَله.

أوضح أن الغربيين يهتمون بالأبراج، مُشيراً إلى انتشار كتب التنجيم وتفاوت سعرها، فالمُنجِّم الكبير كُتبه أغلى من المُنجِّم المُبتديء، وقال يُوجَد فرق بيننا وبين الغربيين، لأنهم بشكل عام ثقافتهم علمية صارمة، لكنهم يُتيحون لأنفسهم هامشاً ضيقاً للأخيلة والأماني دون أن يُؤثِّر على مسار حياتهم، لكننا نخلط فتُصبِح هذه الخُرافات المُحرِّك الحقيقي لنا.

عرض الدكتور أحمد العرفج مُداخَلة الحلقة، وهي مُداخَلة للدكتور صالح الشادي التي ذكر فيها وجود خلاف وجدل حول موضوع الأبراج وقال إنه يعتقد أن كل الأبراج تنطبق علينا، فكل إنسان سيُعاني وسيفرح وسيحزن، وتمنى أن يُسلَّط الضوء على هذا الموضوع وأن يُوضَع جواباً فاصلاً خاصة أن هذا الموضوع استشرى وأصبح جُزءاً من البرنامج اليومي عند البعض.

أثنى الدكتور عدنان إبراهيم على الُمداخَلة وقال إن أجمل ما فيها اعتقاده بأن كل الأبراج تنطبق على كل أحد.

ذكر تجربة لرجل يُعتبَر الأشهر عالمياً في مجال التصدي للاعتقادات الخوارقية والدعاوى العلمية الزائفة وهو الكندي الأمريكي جيمس راندي James Randi، قال إنه أتى بمجموعة طلّاب جماعيين وأخبرهم أن كل أحد سيتلقى ورقة تتحدث عن مصيره وصفاته وطالعه استنداً إلى تاريخ ومكان ميلاده، وهو يُريد من كل أحد أن يُقيِّم دقة التنبؤات على مقياس من واحد إلى خمسة، على أن تكون خمسة الأعلى وأن يكون واحد الأدنى، ثم قال لهم تبادلوا الأوراق ليقرأ كل واحد ورقة الآخر، وحين قرأوا فُوجئوا وضجت الصالة بالضحكات، لأن الورقة كانت واحدة، هي ورقة واحدة وتنبؤات واحدة انطبقت على الجميع.

أوضح أن هذه الظاهرة الآن تُسمى في العلم بظاهرة بارنوم Barnum effect، وقال إن معنى المُصطلَح هو نزوع الإنسان أن يُعطي تقييماً عالياً للمعلومات المُصمَّمة حول صفاته الشخصية.

قال إن الإنسان عموماً عنده تحيز التأكيد Confirmation bias، فأي شيئ يُناسِبني ويُسعِدني سأذكره وأُؤكِّده، في حين أنني سأُغفِل انتقائياً وسأتناسى مئات الحالات التي لم يُصب فيها المُتنبيء، وهذا يحدث معنا كل سنة في التلفزيونات العربية، فهم يأتون بالمُنجمِّين وتُطلَق نبؤات جريئة عن مصير الزعماء والدول، وأكثر من ثمانية وتسعين في المائة لا يتحقَّق والناس تنساه، لكن لو تحقَّقت واحدة الكل يُؤكِّدها، فهؤلاء يفضحون أنفسهم كل سنة ولا فائدة.

تساءل الدكتور أحمد العرفج عن الاستعانة بالأبراج الصينية التي يُقال إنها أكثر دقة من الأبراج العربية، ورأى الدكتور عدنان إبراهيم أن علم موقفه واحد، فلم يثبت صحة الأبراج الصينية أو اليابانية أو العربية أو الهندية أو البيزنطية، فهذا كله كلام فارغ وغير علمي.

قال في سنة ألف وتسعمائة وست وستين حدث شيئ لافت في اليابان، في اليابان يعتقدون بعام الحصان بحسب الأبراج اليابانية، وكل فتاة تُولَد في عام الحصان ستكون تاعسة وستحظى بزيجة من أسوأ ما يكون، ووافق عام ست وستين عام الحصان، فقام عدد من النساء الحوامل بإجهاض أنفسهن اختيارياً ومن ثم انخفض عدد المواليد من اثنين مليون سنوياً إلى مليون ونصف، أي بنسبة خمسة وعشرين في المائة.

قال الدكتور أحمد العرفج إن الاقتناع بالأبراج يُحِد من تطور الإنسان، فقد يسمع أحدهم أن برج الجوزاء صاحبه يكون مزاجياً ومن ثم يقول دائماً أنا جوزاء وأنا مزاجي، وهذا ما وافق عليه الدكتور عدنان إبراهيم حين أكَّد على خطورة الإيحاء الذاتي، مُشيراً إلى أن درسات التنمية والدراسات العصبية تُفهِمك العكس، فيُمكِن أن تُوحي إلى نفسك بأشياء مُخالِفة تُؤثِّر على بنية دماغك ومن ثم يتغيَّر دماغك بعد مُدة فتُصبِح إنساناً آخر.

قال في البداية حين نشأ هذا العلم في بابل لم يكن هناك علم فلك Astronomy وعلم تنجيم Astrology، كان يُوجَد علم واحد، وأفاد في أشياء علمية مثل وضع التقاويم ومعرفة المواسم والفصول لذلك كان مُفيداُ في الزراعة، لكنهم اهتموا أكثر بمصائر البشر.

أوضح أن مع بداية العصر الهيليني بدأ يتميَّز علم الفلك من علم التنجيم، ثم جاء المُسلِمون وأسهموا في هذا الباب، مُؤكِّداً على أن الإسهام الإسلامي مقدور ومشكور وأنه أتى على خلفية دينية تستند إلى الكتاب والسُنة، لذلك تجد علماء وفلاسفة إسلاميين كبار حاربوا التنجيم، مثل الفارابي، ابن سينا، البيروني، ابن الهيثم، ابن رشد، وغيرهم.

ذكر أن ابن القيم الجوزية في مفتاح دار السعادة كتب صحائف من نور لإبطال علم التنجيك مُستنِداً إلى حقائق فلكية تجريبية.

تحدَّث عن علم الفلك الإسلامي وقال إلى الآن تُوجَد مئات المُصطلَحات والتسميات الإسلامية للأجرام العلوية، مخطوطات علم الفلك الإسلامي في العالم عشرة آلاف مخطوطة، ولذا حدث تمايز حقيقي بين علم فلك Astronomy وعلم تنجيم Astrology في الحضارة الإسلامية، والفقهاء موقفهم واضح، فعلم الفلك يُؤخَذ به وقالوا هو حق، حقٌ نطق به الكتاب، الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ ۩، الحساب حق لكن الاستدلال – الأحكام – باطل، وهو شُعبة من شُعب السحر كما في حديث أبي داود وابن ماجه.

قال في عصر النهضة زاد التمايز، يوهانس كيبلر Johannes Kepler أمه كانت مُنجِّمة واتُهِمت بالسحر، وتيخو براهي Tycho Brahe كان مُنجِماً أيضاً، لكن في عصر التنوير أصبح التمايز واضحاً.

أكَّد أن علم التنجيم لم يعد علماً، هو علم زائف Pseudoscience، أما علم الفلك فهو علم عتيد ومُحترَم ورصدي.

تحدَّث عن الموقف الشرعي، وذكر قول الله وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ۩، وقوله تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ۩، وقال لا يُوجَد اتفاق على أن البروج هي مجموعات الكواكب، فمِن العلماء مَن قال البروج هي القصور، وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۩، فالعرب تُسمي القصور بروجاً، وكذلك البروج تعني الخلق الحسن ومنه التبرج، وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۩، وذلك بأن تُبدي المرأة عن محاسنها، ولذا قال بعض المُفسِّرين إن معنى الآية هو السماء ذات الخلق الحسن، ومنهم مَن قال عن البروج إنها منازل القمر ومنهم مَن قال هي النجوم ومنهم مَن قال هي مجموعات الكواكب الاثني عشر، وفي الحقيقة هي ليست اثني عشر برجاً، هي الآن ثلاثة عشر برجاً رئيساً، والجمعية الدولية للفلك في سنة ألف وتسعمائة وثلاثين في أمريكا أعادت تصنيف البروج فإذا بها ثمانية وثمانين برجاً، لكن البروج التي تمر بها الشمس وتُرى بالعين ثلاثة عشر برجاً، ولذا يُوجَد برج جديد اسمه الحاوي أو الحواء أو حامل الأفعى Ophiuchus.

ذكر أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان واضحاً حين قال مَن قبس شُعبة من النجوم فقد قبس شُعبة من السحر زاد ما زاد، السحر ممنوع وموقف القرآن واضح منه.

أضاف أن في حديث أخرجه مُسلِم قال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن أتى عرّافاً – العرّاف كما قال اسم عام يُطلَق على كل هؤلاء الذين يتنبئون بالغيوب من الكهنة والمُنجمِّين وأمثالهم – فصَّدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزِل على محمد، وفي مُسلِم أيضاً مَن أتى عرّافاً فصدَّقه بما يقول لم تُقبَل له صلاة أربعين يوماً، وهذا يعني أن القضية خطيرة!

عرض الدكتور أحمد العرفج فيديو الحلقة، وهو مقطع للدكتور محمد العريفي تحدَّث فيه عن تجارة الوهم المُتعلِّقة بالأبراج، مُشيراً إلى الناس سابقاً كانوا ينظرون في هذه الأبراج عبر المجلات الأسبوعية لكن الآن أصبح الأمر أسهل وأهون من خلال الإنترنت Internet الذي يستخدمه البعض لمعرفة حظه اليومي الذي قد يبني عليه قرارات مُتعلِّقة به ظناً منه أن هؤلاء فعلاً يعرفون الغيب.

اتفق الدكتور عدنان إبراهيم مع ما جاء في الفيديو وتساءل مَن منا يُحِب فعلاً أن يطلع على غيبه؟ وقال أنا لا أُحِب هذا، فالغيب لا يتعلَّق فقط بالخير والسعد، هناك الشقاوة والموت والدمار، ولذا ستتنغص حياة الإنسان.

أضاف أننا لا نُحِب أن نطلع على الغيب، وإنما نُحِب أن نطلع على الكذب والأوهام، وقال العقلية الإسلامية يجب أن تكون أنظف من غيرها.

تساءل بكامل الأسف عن القدر الذي بقيَ لنا كمُسلِمين للاستفادة من ديننا في تنمية أنفسنا وحياتنا، وقال إن باب الأبراج والطوالع والتنبؤ بالغيب باب مسدود.

قال إن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين تُوفيَ ابنه إبراهيم انكسفت الشمس، فقال الناس ما كُسِفت إلا لموت إبراهيم ابن رسول الله، سمع النبي فقام مُباشَرةً وقال أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته، وهذا موقف علمي، لذا محمد إقبال يقول موقف القرآن التجريبي في عمومه الذي أورث المُسلِمين قناعة أن الحقيقي هو الفعلي وليس الوهمي والتخميني قادهم في النهاية إلى تأسيس العلوم الحديثة.

أضاف أننا بنينا حضارة بمثل هذا التأسيس الديني، وأثنى على موقف رسول الله العلمي النزيه، فهو لم يترك الناس يعتقدون أن الشمس حدث لها هذا الكسوف بسبب موت ابنه، وأراد أن يُصحِّح العقلية لكي نكون أيقاظاً بعقول يقظة.

قال إن الذي حرَّم الخمر والمُخدِّرات حرَّم أيضاً الاعتقاد في الخُرافات، وذكر قصة عن كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus مُلخَّصها أنه كان في رحلة مع مجموعة بحارة وعصفت بسفينتهم ريح زعزع، فضربت السفينة في جزيرة وعلقوا هناك، والمحليون لم يتعرَّفوا عليهم ولم يمدوا لهم أي مُساعَدة لمدة ثمانية أشهر فهدَّدتهم المجاعة، لكن كولومبوس Columbus كان ذكياً وخبيثاً أيضاً، فاستدعى الزعيم المحلي لتلك الجزيرة وقال له الرب غاضب جداً وأمارة غضبه أنه سيبتلع القمر بعد ثلاثة أيام، فسخر منه المحلي وذهب، وفي الليلة الثالثة دخل القمر في حالة خسوف، فهُرِع سكان الجزيرة مُحمَّلين بشتى المؤن وسجدوا لهذا القائد الخبيث.

أوضح أن كولومبوس Columbus كان يتوفَّر على جداول فلكية بمواعيد الكسوف والخسوف، فاستخدمها وعرف أنه بعد ثلاثة ليالٍ سيحدث كذا وكذا، وقال إن الرسول في المُقابِل لم يقتنص هذه الفرصة لكي يُعزِّز ثقة الناس به، فهو كان حريصاً على أن يبقى العقل يقظاً ومُتحرِّراً.

ذكر الدكتور أحمد العرفج أن تعلَّق النساء بالأبراج أكثر من الرجل وتساءل عن السبب، فقال الدكتور عدنان إبراهيم إن النساء قليلات حظ، بمعنى أنهن مظلومات مهضومات، ولذا يُعرَف عن السجناء أنهم يُعوِّلون كثيراً على المنامات، وبنفس المنطق سيُعوِّلون كثيراً على أوهام التنجيم، فأي إنسان مظلوم سيلجأ إلى هذه الأوهام ما لم يحجزه دين أو عقل علمي، لكن إن أثبتت الدراسات زيادة تعلَّق النساء بهذه الأشياء فهذا يُعزى إلى شعورهن بالمظلومية والمهضومية.

قال إنه يرفض التعلَّق بهذه الأوهام بحُجة التفاؤل، فهذا من ناحية شرعية ممنوع وهو شُعبة من شُعب السحر، وهذا يُؤثِّر على قرارت الإنسان التي يجترحها، ولذا النبي اعتبر التطير نوعاً من الشرك، كأن يُقال هذا الإنسان منحوس ولذا حين أراه لا أذهب إلى العمل وأعود إلى البيت.

أوضح أن النساء عموماً يشتغل النصف الأيمن من الدماغ فيهن أكثر مما يشتغل النصف الأيسر، بمعنى أنهن مُفعَّل فيهن الخيال والعاطفة والماورائيات أكثر من الرجل.

ذكر الدكتور أحمد العرفج مقولة كذب المُنجِّمون ولو صدقوا، فقال الدكتور عدنان إبراهيم هذا ليس حديثاً ولا خبراً، لكن معناه صحيح سلباً وإيجاباً، بمعنى أنهم كذّابون وقد يصدقون أحياناً لكن لا عن علم أو إصابة حق وإنما عن نمط، مُشيراً إلى وجود دراسات رياضية تُثبِت أن مثل هذه التنبؤات تصدق بنسبة مُحدَّدة في زمان مُحدَّد، فمن بين مائة نبؤة قد تصدق نبؤة واحدة ولو لم يكن مُطلِقها مُنجِّماً وكان إنساناً عادياً، وهذا عكس المنهج العلمي.

طلب الدكتور أحمد العرفج تغريدة الحلقة، فقال الدكتور عدنان إبراهيم: التنجيم هو نوع من المُخدِّرات العقلية، واقترح على الجمعيات التي تُحارِب المُخدِّرات والمُسكِرات أن تضعه ضمن هذه المُخدِّرات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: