‏بسام ناصر كاتب صحفي و باحث‏ أردني
‏بسام ناصر
كاتب صحفي و باحث‏ أردني

تكشف مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتديات الحوارية، عن ذلك اللون من الأسئلة القلقة، والإشكالات المعرفية المثارة من قبل رواد تلك المواقع والمنتديات، والتي تحوم في أغلبها حول قضايا ومسائل دينية شائكة، لم تعد طريقة تفسيرها بحسب المعهود في الخطاب الديني السائد مقنعة لكثير من أولئك النشطاء.

ومن خلال الملاحظة والمتابعة والرصد فإن الدكتور عدنان إبراهيم يعتبر من أكثر الأصوات تأثيرا في تلك الأوساط، فالرجل واسع المعرفة، وباحث متمكن في العلوم الشرعية، ودارس راسخ القدم في العلوم العقلية (المنطق والفلسفة)، وله اهتمامات شديدة في العلوم الطبيعية المختلفة، ويمتاز بقدرته الفائقة على الإلقاء الجاذب، مع امتلاكه لأسلوب مؤثر في مناقشة الأفكار والمقولات..
من يتابع مواده المسجلة من خطب الجمعة، والمحاضرات، ومجموعات الدروس المنهجية، يدرك تماما أن الرجل صاحب عقلية نقدية جسورة جدا، لا تقنع بكثير مما هو مدون في المراجع الدينية والفقهية والحديثية، فقلما تجده يتناول موضوعا من الموضوعات إلا ويمطره بسيل من الأسئلة والإشكالات، وينقض عليه مشككا وناقدا ومفندا.

من الطبيعي أن تتباين المواقف في تقييم أداء الدكتور عدنان، فثمة من يرمي الرجل بالزندقة والهرطقة، وهناك من يراه يهرف بما لا يعرف، ويصفه بالمتشبع بما لم يعط، ويعتبر إثارته لتلك الأسئلة والإشكالات القلقة ما هي إلا إعادة إنتاج لما قيل قديما، إضافة لما يتلبس به الرجل من مظاهر التعالم والتفاخر والغرور على حد وصف مخالفيه.

لكن بصرف النظر عن مدى علمية تلك المواقف وموضوعيتها، ومدى انطباقها على حاله ومقاله، فإن للرجل حضورا كبيرا، وتأثيرا بالغا، وجمهورا واسعا من المحبين والمريدين والمتابعين، بلغت أعدادهم أكثر من 700 ألف متابع، وبالتأكيد فإنهم يتأثرون بما يقوله، ويتشربون أفكاره ورؤاه، وكثير منهم يردد ما سمعه منه ويتبناه، ويدافع عنه، ويجادل عن تقريراته وآرائه.

في المقابل تجد الكثيرين من علماء الدين، وأساتذة الشريعة، يواجهون إثارة تلك الأسئلة والإشكالات القلقة، التي يلقيها الشباب والمثقفون بين أيديهم، بتحذيرهم من إثارة تلك القضايا والمسائل الشائكة على الملأ، فمكان بحثها ومناقشتها يجب أن يكون محصورا في الدوائر العلمية المغلقة، والمجالس الخاصة، وكأنهم يغيبون تماما عما يجري من حولهم، ولا يلحظون مدى تأثير تلك الموجات النقدية الموجهة للثقافة الدينية التقليدية السائدة برمتها.

ما زال الكثيرون من أولئك العلماء والأساتذة يصرون على أنه لا يجوز طرح تلك الأسئلة والإشكالات أمام عامة المسلمين، وكأن الأمر ما زال واقعا في دائرة يجوز أو لا يجوز، وليس أمرا قد شق له سبيلا واسعا إلى عقول المثقفين والشباب، فهل يجدي بعد ذلك كله، التشبث بذات الوصفات المعتادة، بإطلاق صيحات التحذير من التعلق بالفلسفة والمنطق وعلم الكلام وما إلى ذلك؟

وهل يحسب العلماء وأساتذة الشريعة أن إصرارهم على إلجام عامة المسلمين عن الخوض في القضايا الدينية الشائكة والمشكلة يمكن أن يجد آذانا صاغية في عصر الانفتاح المعرفي، وسيولة المعلومات وسهولة معرفتها وتداولها؟ وهل يظنون أن أولئك المثقفين والشباب سيلقون السمع إليهم وهم لا يجدون عندهم إلا التحذير والتعلل بالتخصص، وضرورة امتلاك علوم الآلة التي تمكنهم من حسن الفهم، في الوقت الذي لا يجدون فيه أجوبة مقنعة عن أسئلتهم القلقة وإشكالاتهم المتكاثرة.

إن من أفضل ما يواجه به العلماء وأساتذة الشريعة تلك الموجات النقدية المشككة، الانتقال من تلك الوصفات الجاهزة، والتخلي عن اجترار الردود العامة المعروفة، إلى التشمير عن ساعد الجد والبحث، ومناقشة القضايا المطروحة بأعيانها، ومعالجة الأسئلة والإشكالات المثارة، ومحاورة كل من يقول قولا أو يبدي رأيا، بعلمية وموضوعية وتواضع، بعيدا عن الإصرار على سلوك مسارات يكون همهم فيها إسكات مثيري تلك الأسئلة والإشكالات وإلجامهم، وليس إجابتهم وإقناعهم.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: