إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ۩ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ۩ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ۩ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ۩ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا ۩ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ۩ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩ وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ۩ أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ۩ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

من الحقائق العجيبة التي لا يُقضى منها العجب أن أبطال قومٍ هم مُلعونو قومٍ آخرين، وهذه حقيقة حين تُقرَّر على هذا النحو المُكثَّف المُختزَل قد تُثير التساؤل على أنها حقيقة يومية مُبتذَلة معيشة ظلت تتكرَّر عبر المشوار الإنساني بطوله، السُلطان سليم الأول – السُلطان العثماني الشهير – بطلٌ عظيمٌ جداً في نظر قومه لا شك، لكنه ملعون كبير في نظر الإيرانيين بسبب نزاعه وكسره للشاه الإيراني إسماعيل الصفوي في المعركة الشهيرة في صدر القرن السادس عشر، بايزيد أيضاً من سلاطن العثمانيين الكبار العظام، هكذا ينظر إليه قومه، في الوقت الذي يلعنون فيه رجلاً آخر مُقدَّساً في قومه ويُعامَل ليس كبطل قومي بل كرجل صالح وولي، إنه ويا للهول تيمور الأعرج، تيمورلنك الذي له ضريح إلى اليوم في سمرقند يطوف به قومه ويتجوَّهون به، يتوسَّلون بجاهه إلى الرحمن الرحيم، تيمورلنك يلعنه الأتراك ويلعنه العرب لأنه قتل من أهل العراق قيل مثل الذين قتلهم المغول أو قريباً من ذلك، قتل منهم مئات الألوف، شيئ عجيب جداً، وتيمورلنك مُسلِم، إسماعيل الصفوي مُسلِم، سليم مُسلِم، بايزيد مُسلِم، أبو لؤلؤة المجوسي له ضريح ومقام يتبرَّك به الإيرانيون للأسف الشديد، لأنه قاتل عدوهم الأكبر، قاتل أحد الملاعين في نظرهم، الفاروق عمر بن الخطاب، فاروق الإسلام في نظرنا، فأبطالُ قومٍ هم ملعونو قومٍ آخرين، هذه حقيقة، كل الدنيا تعيش هذه الحقيقة، حقيقة عادية بل أكثر من عادية فانتبهوا، نُريد أن ننبش تحتها ونرى تداعيات هذه الحقيقة ونظائر وأمثال لهذه الحقيقة ومدى فعل وتجلي هذه الحقيقة في مديات أوسع، والأمرُ جد.

طبعاً في السياق الغربي نفس الشيئ، وفي تاريخ الهند وفارس واليابان وهكذا، أوليفر كرومويل Oliver Cromwell – كرومويل Cromwell مثلاً – بطل قومي عظيم في نظر قومه الإنجليز، وهو الذي ثار على الملك وطهَّرهم من رجس ذلكم في القرن السابع عشر بقطع رأسه، أعني الملك، وأنشأ فيما يزعم نظاماً جمهورياً ينحاز فيه إلى الجماهير، ولم يكن الأمر على هذا النحو، بل كانت جمهورية مُزيَّفة ونظاماً طائفياً مُستمَداً من أفكار كالفن Calvin، ولذلك أدار المجزرة الحمراء المُروِّعة والفظائع الدامية على الكاثوليك الأيرلنديين، تمر قريباً وستمنستر آبي Westminster Abbey وترى تمثاله على حصانه بطلاً قومياً إنجليزياً عظيماً، يمر به الأيرلنديون فيبسقون عليه ويلعنونه ويلعنون أيامه، لأنه جزَّرهم، قد يقول قائل هذا ما حصل وهذا ما سيحصل وربما ما سيظل يحصل إلى أن يشاء الله، في الحقيقة جاءت الأديان لكي تُخفِّف من هذه الغلواء، لماذا؟ لماذا يعبد قومٌ زعيماً ويلعنه آخرون؟ للضيق والاحتياج والفقر، ومن هنا يحدث النزاع، السبب الرئيس والأكبر في جُملة أسباب أُخرى هو الضيق والاحتياج، حتى الاحتياج إلى أن نتوسَّع على حساب الغير دائماً، المصالح هنا تمثل في القلب، المصالح قبل العقائد فانتبهوا، وهذا الذي أضر بالعقائد وبالذات العقائد الإلهية السماوية، المصالح أضرت بالأديان وبالشرائع الإلهية، ولذلك أكبر الآلهة على الإطلاق هى المصلحة، أكبر إله يُعبَد ولا يزال يُعبَد من دون الله هو المصلحة، مصلحة الفرد ومصلحة الطائفة ومصلحة الشعب ومصلحة القبيلة ومصلحة الأمة وربما مصلحة الاتحاد والقارة أكبر إله وأكبر شريك لله، لأنهم يحتاجون ولا يُمكِن أن يُلبوا هذه الاحتياجات – كما قلت – إلا على حساب الآخرين، لأن المسألة دائماً تنازعية، إما لك وإما لي، فمن هنا كان أبطال قوم ملعوني قوم آخرين، وستظل المسألة على هذا النحو إلى أن يشاء الله تبارك وتعالى.

جاء الدين لكي يرسم خُطة علاج لهذه اللعنة التي تُلازِم الاجتماع البشري، طبعاً أنا أقول هذا وفي ذهني وفي خلفيتنا القريبة جداً أننا أصبحنا – كما أشرت في خُطبة الدولار أو انهيار العالم – نسمع في الأشهر الآخيرة أو في الآونة الأخيرة تقريباً دون أن يُحرِّك أحداً ساكناً تهديدات بحرب نووية، وهذا أمرٌ عجيب، هل فعلاً البشرية يُمكِن أن تتورَّط في هذا؟ يُمكِن جداً وأكثر مما تتخيَّلون، هذا يُمكِن جداً، لأنها ظلت تفعل هذا عبر الأزمان، هذه البشرية لم تتعاف، الذي ظنَّ أن هذه البشرية وأن هذا الغرب بالذات – الغرب الأوروبي والأمريكي – تعافى تماماً هو مُغفَّل لا يعرف ما هو الفكر ولا ما هى السياسة ولا ما هو التاريخ البشري، هو مُغفَّل جداً، هم لم يتعافوا من الحرب الأولى، بعدها بأقل من عشرين سنة تقريباً – زُهاء عشرين سنة – أداروا رحى حرب أُخرى كانت أفظع ولم تنته إلا في الخامسة والأربعين، أي أنها قريباً جداً، والآن كأنهم تعطشوا ونبض لهم العرق، هذا العرق الإنساني على كل حال، تاريخ هذه البشرية أقل من عشرها سنوات سلام وهدوء، وتسعة أعشاره كما يقول ويل ديورانت Will Durant – مُؤرِّخ الدنيا ومُؤرِّخ الحضارة مُتحدِّثاً عن تسعة أعشار التاريخ البشري – حروب ودماء وأشلاء وعذابات، هذا هو، هذا تاريخنا كبني آدم، هذا هو تاريخ البشر، جاءت الأديان لكي تضع برنامجاً في حقيقته إذا شئنا وإذا شاء الغير أن يفهمه على ما هو عليه وأن يتلقاه، لا ينبغي لأحد أن يُقدِّم بين يدي الله ورسوله ويتأستذ، أي يظن أنه بروفيسور Professor أستاذ، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ ۩ وإلا هذه … ماذا أقول؟ على كل حال قد يأتي إنسان لكي يُعلِّم العلّامة العليم لا إله إلا هو، وهذا لا يُمكِن، إما أن تتعلَّم وإما أن تهلك، لكن للأسف الشديد نحن دائماً نفعل هذا، ولا أعني المُسلِمين فقط وإنما كل البشر وكل الأديان، دائماً تفعل هذا، نأتي إلى النص ونُعيد إنتاجه عبر تأويله، يبقى النص مكتوباً في أغلب الحالات وفي أغلب الديانات كما هو لكن يُعاد إنتاجه وتفهيمه وتدريسه وتعليمه للأتباع والشيع والناس بمنطق أن نحن، بمنطق المصلحة، بمنطق القبيلة والعشيرة والأمة والطائفة والمذهب، وبمنطق الزعيم ومنطق الأنا، ومن ثم يضيع الدين، هنا دخلنا في الشرك، هذه مُحاوَلات شركية حقيقية – توثين للدين – يُصبِح فيها المعبود دون أن يدري هؤلاء العابدون ليس الله تبارك وتعالى، المُوحَّد ليس الله تبارك وتعالى، الواحد الذي لا شريك له والمعبود الذي لا ثاني له القبيلة أو الطائفة أو العشيرة أو الأمة أو الزعيم، هو هذا دون أن ندري، نفعل هذا باستمرار، ومن هنا قال محمد إقبال – رحمة الله عليه رحمة واسعة – الكفر يضحك من إسلامنا، عبارة طبعاً تقشعر لها جلود هؤلاء الذين يضحك الكفر من إسلامهم، انتبهوا إلى هذا، لا يُمكِن أن يقشعر لها جلد مَن يُريد أن يفقه إسلامه حقاً، العبد الذي رضيَ أن يكون عبداً لله يتعلَّم وحسبه الله ويخضع وحسبه الله – تبارك وتعالى – ويأتي نقياً طاهراً بارئاً أمام كلمات الله العلوية هذا بالعكس، يبصم بالعشرة وبالعشرين على كلام محمد إقبال، أن الكفر يضحك من إسلامنا، هو لم يقل الكفر يضحك من الإسلام، أي الإسلام كما هو وفي نفس الأمر، لم يقل هذا، وإنما قال من إسلامنا، يُريد إقبال من الإسلام كما نفهمه وكما نُؤوِّله وكما نُعيد إنتاجه وثنياً غير خالص وغير إلهي وبشرياً طائفياً ومذهبياً وقومياً وقبلياً وعشرياً وأنوياً وإن شئتم أنانياً، هو هذا، يقول الكفر يضحك من إسلامنا، وكيف لا يضحك؟ تذكرون قبل بضع سنوات يسيرة فقط حذَّرت وقلت هذه الطريقة في خصخصة الدين ستأتي على الأخضر واليابس، أحد الظرفاء من علماء الأنثروبولوجي Anthropology عرَّف الدين مرة، طبعاً هو لا يحتاج لأنه عالم أناسة، هو عالم أنثروبولوجيا Anthropology، ليس مدعواً أن يُعرِّف الدين في ذاته، يُعرِّف الدين كما يتديَّن به الناس، هذه هى الأنثروبولجيا Anthropology أصلاً، هذه ليست فلسفة، فعرَّف الدين بأنه إدارة المُقدَّس، Management المُقدَّسات، نقوم بعمل إدارة، يُوجَد منطق المصلحة ومنطق التجارة ومنطق الحسابات، وكما قلنا الدين في ذاته كما أنزله الله وكما أراده الله يقع خارج وماوراء الحسابات والمصالح والعراكات والصراعات، لا شأن لله ولا شأن لدين الله ولوحي الله بعراكات البشر، البشر يتعاركون بمصالح البشر حين تصطدم هذه المصالح بتأويلات البشر، لكن هو يُريد أن يُقدِّم إليهم خُطةً يُمكِن أن تُنقِذهم من جنونهم ومن طمعهم ومن جشعهم، الآن البشرية مُهدَّدة بحرب نووية ثالثة قد تأتي على المليارات منها إن لم تأت على الكوكب بأسره لا قدَّر ولا سمح، وهذا الكلام ليس جنوناً، كل شيئ واقع ومُحتمَل، وفي نهاية المطاف أيضاً في القلب من هذا ومن هذه الكارثة ما الماثل؟ مجموعات قليلة وأفراد قليلون – كما قلت في خُطبة انهيار العالم – حازوا المليارات، مليارات مليارات مليارات ولا يشبعون, ولأنهم يُريدون استدامة حالة السلب والنهب والاستعباد والسرقة وتكديس المليارات يُمكِن أن يذهبوا بنا إلى حرب نووية، لماذا؟ لأن هذا الوضع يبدو أنه لم يعد قابلاً لأن يستمر، هم يُريدونه أن يستمر وبأي معنى، مثل هذا الجشع ومثل هذا الإغراق في التمركز حول الأنا وحول الهوى وحول المصلحة وحول المادة شيئ جنوني، ولذلك أنا أقول لكم دين الله كان ولن يزال في وظيفته الأولى تعليماً لكل البشر من العقول من طبقة أرسطو Aristotle مروراً بأمثال هؤلاء الرؤوساء المُغامِرين وانتهاءً بحمقى الناس في الشوارع، لأن هذا من رب العالمين، هذا ليس من فيلسوف آخر أو مُصلِح آخر أو من مُبدِع أو من عبقري أو من واعظ، هذا من رب العالمين، جاء فقط لكي يُقدِّم لكل هؤلاء صيغاً إنقاذية تفعل على الدوام في كل زمان وفي كل مكان لو فُهِمَت كما هى، ليس بالطريقة التي سخر منها إقبال وقال الكفر يضحك من إسلامنا، أي من طريقة فهمنا من إسلامنا، كيف لا يضحك يا محمد إقبال رحمة الله عليك؟ قبل بضع سنوات قلت من على هذا المنبر هذه الصيغة الحصرية والصيغة التخصيصية وخصخصة كل شيئ – نحن ونحن ونحن حتى ننتهي بالأنا والأنا الفردية على مُستوي فردي – ستأتي على الأخضر واليابس، ستُنهي هذه الأمة، هذا ما حصل وهذا ما يحصل الآن، في أسبوع واحد قُتِل عالمان، لا أعرف عنهما حقيقةً شيئاً من قبل، لكن يبدو أنهما عالمان فاضلان، أحدهما في ليبيا والآخر في سيناء، أحدهما إسمه الدكتور نادر العمراني وهو من ليبيا، لم أسمع به من قبل، رحمة الله عليه رحمة واسعة وأعلى الله مقامه في عليين، لكن بعد أن سمعت النبأ دخلت على النت Net وأول ما رأيت وجهه وجدت أن الرجل فيه سكينة وفي جمال وفيه وقار، فرحمة الله عليه في عليين، ولعنة الله على قاتليه، لا أقول أقل من هذا، لعنة الله على قاتليه، فيم قتلتموه؟ أُوتيَ بهذا الشاب الذي طبعاً كان مُشارِكاً في القضية كلها وهو شاب صغير، المُبرِّر الذي ظل يُكرِّه أنه قيل لهم وهم يُدبِّرون لقتله – رحمة الله عليه – أنه مُخالِف ومن ثم خطفوه وقتلوه، خطّاف مُجرِمون قتلة ولصوص، خطفوه ثم قتلوه، وكيف قتلوه؟ ليس برصاصة واحدة، فرَّغوا فيه كما يقول أمشاطاً، قال أتى أحدهم وفرَّغ فيه كلاشنكوف Kalashnikov كامل، ما هذا الحقد؟ هذا حقد شديد، والنبي يقول إذا قتلتم فأحسنتم القتلة، وأين قتلتم؟ قتلتم في المعركة، إذا قتلت خصمك، وقع تحتك الذي جاء يقتلك ليقتل دينك معك، وطبعاً خصومات النبي كانت هكذا، خصومات دينية لأنهم يُريدون ذبح الرسول ومَن معه لذبح الدين، ومع ذلك يقول مثل هذا، يقول إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، لا صلم ولا تجديع ولا تشويه ولا بقر ولا تعوير أبداً، وفي بدر دفنهم أيضاً، دفنهم في القليب كلهم طبعاً، لم يتركهم لعوافي وسباع الطير والوحش أبداً، دفنهم احتراماً للآدمية وللإنسانية، قال إذا قتلتم فأحسِنوا القتلة، لكن ما هذا الحقد؟ فرَّغ في الشيخ كلاشنكوف Kalashnikov كاملاً – الله أعلم كم رصاصة – ثم أتى الآخر ووقف على رأسه – رحمة الله عليه – وفعل ما فعل، شيئ أُقسِم بالله العظيم مزَّق قلبي، بصعوبة نمت بضع ساعات في تلك الليلة، لم أعرف أن أنام، حسبنا الله ونعم الوكيل، ورحمة الله على الدكتور العمراني، شهيد الغدر، شهيد الخيانة والخسة والنذالة، وشهيد الفكر الإجرامي، هذا الذي سميته فقه الجريمة، هناك مساجد ومنابر ومنائر وفضائيات تُعلِّم الناس فقط ليكونوا مُجرِمين، يقتلون حتى العلماء والأولياء، في سيناء قُتِل شيخ لأول مرة أسمع به، شيخ يُلقَّب في دائرته وعند مَن عرفه واستفاد مِن علمه وفضله بشيخ الزاهدين، وهو الشيخ السويركي، هكذا كتبوا إسمه رحمة الله، وقد جاوز المائة، رجل مُعمَّر حياته كلها في العلم والفقه والقرآن والزهد، لم يرحموا لا علمه ولا قرآنه ولا عبادته ولا سنه ولا زهده، قتلوه بدمٍ بارد أيضاً، ما الذي يحصل؟ هو هذا، ولذلك – كما أقول دائماً – العصم مرفوعة الآن، عصم النفوس رُفِعَت، هم رفعوها، لم يعد شيئ له عصمة، المساجد تُفجَّر كما قلت في خُطب كثيرة، وأنتم تسمعون هذا وترون هذا على اليوتيوب YouTube وفي التلفزيون Television، يتم التفجير في المساجد، مَن الذي فهَّمهم – قطع الله عرقهم – أنه يُمكِن أن تدخلوا جنة الله ورحمة الله وأنتم تُفجِّرون بيت الله؟ مِن أين فهموا هذا؟ بالأمس اتصل بي أحد أحبابي من المملكة السعودية، يتكلَّم بقلب ملؤه الحزن والغضب أيضاً والغيظ، يقول ما هذا؟ ما هذه القسوة يا أخي؟ ما هذه القسوة؟ قال خرجوا مرة ومرتين وعشرات المرات يتندَّرون ويتحدَّثون عن المرحوم الأستاذ الفنان طلال مدّاح وقالوا هناك ثعابين في قبره وأن قبره يشتعل عليه ناراً، ما أدراكم ومَن أدراكم يا كذبة ويا مَن أبيتم إلا أن تغتصبوا صلاحيات الله في الحكم والفصل بين عباده؟ شيئ لم يُعطه الله لأنبيائه أنتم اغتصبتموه وجعلتم أنفسكم قيمين على مصائر البشر بعد أن ارتحلوا، أين اذكروا محاسن موتاكم؟ يا إخواني، يا رجال، يا نساء، يا عباد الله حتى أبو جهل حين سمع النبي – هذا حديث أبي داود – بعض أصحابه – رضوان الله عليهم – يذكره بما هو أهله – تباً له ولعنة الله عليه أبو جهل، ولكن عكرمة ابن أبي جهل دخل الإسلام وأسلم – قال لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء، وهذا السباب لن يصل للأموات، الميت ميت وهو رهنٌ بعمله، هل أنت ستزيده عذاباً بسبك؟ انتهى الأمر، هو رهن عمله الآن، هو في يد الحكم العدل لا إله إلا هو، قال النبي لا تسبه فتجرح ابنه، هذا هو النبي، انظروا إلى الأدب، انظروا إلى النبوة، لم يقل هذه حقيقة وهذا حق وهذا ولاء وبراء ومثل هذا الهبل والخبص والعبص والعبط الذي لا نعيشه، كلمات لا ندري من أين أتيتم بها، كما لا ندري من أين يأتون بهذا الجنون المُنفلِت.

يُعلِّمون الناس أن فلاناً في النار وفلاناً في الجنة، أستغفر الله العظيم، ما هذا؟ وهذا في كل الطوائف مُنتشِر الآن أو في مُعظَم الطوائف، يقول لي هذا الأخ يا أخي – والله – هذا الرجل – طلال مدّاح رحمة الله عليه – كان من أكرم الناس، والله أبكاني وترحمت عليه رحمات واسعة، فرحمة الله عليه وعلى سائر أمة محمد أحياءً وأمواتاً وعلى كل مَن قال لا إله إلا الله ووحَّد الله وقال محمداً رسول الله، قال والله أعلم عنه أشياء وسمعت عنه أشياء من ثقات، أشياء عجيبة، قال لي من أكرم عباد الله، طلال مدّاح من الصعب أن تسمع برجل عنده كرم وسخاوة نفسه، رضوان الله عليه، أنا أترضى عليه من على منبر رسول الله، قال لي يا أخي جاءه أحدهم في الليل يطرق بابه، قال يا أستاذ طلال – يعرفونه لا يرد سائلاً، يُعطيك ما عليه – مُحتاج، قال والله يا أخي أتيتني في ظرف ليس عندي شيئ، قال أنا مُحتاج، قال لكن انتظر، دخل ولم يلبث إلا قليلاً وخرج ومعه صُرة سوداء، قال خُذ وانطلق، أخذها الرجل وإذا فيها ذهب، ذهب نسائه، أخذ الذهب وقال سائل يُعطيني، رحمة الله على طلال مدّاح، والله قصة مثل هذه – أُقسِم بالله – تُطلِق قلبي ولساني بالترحم عليه مع الدموع، ألم يُعلِّمنا رسول الله هذا؟الحديث في الصحيح – في البخاري – عن الرجل الذي بُعِث وأُوتيَ به يوم القيامة لم يعمل خيراً قطُ، لا صلى صلاة ولا صام يوماً ولا حج ولا اعتمر، النبي قال لم يعمل خيراً قطُ، لم يُوجَد في كتابه خير، هذا في البخاري لكنهم يسكتون عنه، يقولون طلال مدّاح في جهنم، يقولون النار تشتعل في قبره، مِن أين يا كذبة، يا كهنة، يا أحبار الكذب والزيف، يا مُتربِّبون بالكذاب؟ فقال الله ابحثوا لعبدي عن حسنة، قالوا يا رب لم نجد له حسنة، والحديث في الصحيح، قال بلى إن لعبدي حسنة، لا يضيع المعروف عند الله، لا يضيع الأجر عند الله، فبحثوا وقالوا يا رب وجدنا أنه كان رجلاً غنياً – كان تاجراً غنياً مُتموِّلاً مُثرياً – وكان يُقرِض الناس وكان يقول لغِلمانه أنظِروا المُعثِر – إذا وُجِدَ شخص مُعثِر ليس عنده ما يدفعه أعطوه فترة طويلة ومدِّدوا له، يا سيدي ائت بالمال بعد سنة دون أي مُشكِلة، ائت بالمال بعد سنة أُخرى، ليس عنيفاً، ليس قاسياً، ليس شحيحاً – وضعوا عن المُوسِر، والذي عنده أيضاً لا تأخذوا الحق منه كاملاً، كم استدنت؟ مائة، أعطنا سبعين وسامحناك في الثلاثين، أعطنا خمسين وسامحناك في النصف، قال الله أنا أولى بالكرم، أدخِلوا عبدي الجنة، لم لا يُقال هذا الحديث إذا تحدَّثنا عن أمثال الأستاذ طلال مدّاح رحمة الله عليه؟ هاني مهنا أكيد تعرفونه، أكثركم يعرف هذا الفنان، عازف الأورج رقم واحد في العالم العربي، ومعروفة قصته مع كبار الفنانين، هاني مهنا أيضاً اشتغل مع المرحوم طلال مدّاح، ويُمكِنكم رؤية هذا على اليوتيوب YouTube، ابحثوا عن هاني مهنا وطلال مدّاح، أنا سمعت هذا بنفسي، قال ما رأيت رجلاً يُحِب الناس ويهتم بالناس مثله، أستطيع أن أقول يُحِب الناس أكثر من نفسه، كيف لا يكون هذا من أهل رحمة الله رحمة الله عليه؟ وهو مُسلِم مُوحِّد، صدَّعتمونا بالأحاديث التي تقول أن مَن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله دخل الجنة، طلال مدّاح من أهل لا إله إلا الله، لم يُشرِك بالله يوماً، لم يكفر بالله يوماً، لم يُعلِن يُوماً بإلحاده، لماذا هذه القسوة؟ لكي تُربّوا قلوباً قاسياً لا تقسو على أمثال طلال مدّاح وعبد الحليم وأم كلثوم وإنما تذبح أمثال نادر العمراني رضيَ الله عنه وتذبح أمثال العارف الزاهد المُلقَّب بشيخ الزاهدين السويركي رحمة الله تعالى عليه، هو هذا، البداية هنا والنهاية هنا، لا والله، حتى هذه ليست النهاية، هذه لا تزال التوسطات، النهاية الله أعلم بها، النهاية بخراب العالم العربي والإسلامي، لكن لن يأذن الله بإذن الله، لأن هذا الدين خالد وهذه الأمة خالدة، هؤلاء هم الزائلون، حتماً زائلون، كلما فكَّرت وكلما تدبَّرت وكلما أعدت النظر لم أفهم – والله – إلا أن القضية على هذا النحو فقط، كما في كل أمة وفي كل قبيلٍ من الناس هناك مُلتاثون، اذهب اسأل أي طبيب نفسي وأي عالم في النفس وقل له نسبة الشيزوفرينيا Schizophrenia كم؟ نسبة المذهونين بالأمراض العقلية – الذين عندهم Neurosis – كم؟ وسوف يقول لك كذا في المائة، هذا كذا في المائة، هذا كذا في المائة، هذا كذا في المائة، وهذا يعني أنك سوف تجد في كل تجمع من الناس وفي كل قبيل من الناس مجموعة من المذهونين، وهذه لغة مُؤدَّبة طبعاً، هذه لغة نفسية مُؤدَّبة للمجانين، هم توقَّفوا عن قول كلمة مجانين وهذا جيد ونحن مع هذا، لم يُحِبوا أن يقولوا كلمة مجنون ولذا يقولون مذهون، وهذا المجنون ليس بريالة فانتبه، ليس بالضرورة بالمرة أن يكون يمشي بخرقة مُرقَّعة وأن يكون مُثقَّب الثياب وبريالة، المذهون باللغة النفسية – وهذا كما قلنا تعبير مُؤدَّب عن المجنون المُختَل عقلياً – قد يكون أستاذاً في الجامعة، ويُوجَد الكثير من الأساتذة والبروفيسورات Professors المجانين، وقد يكون هذا المذهون زعيماً، أكثر الزعماء مجانين، صدِّقوني أكثر الزعماء من عشّاق السُلطة وعشّاق قيادة الناس وعشّاق مُخاطَبة غرائز الشوب مجانين، انظروا إلى برنامج ترامب Trump الانتخابي بالله عليكم، هذه هى البشرية اليوم في القرن الحادي والعشرين، برنامج نجح لأنه يقول لهم نكرههم، اكرهوهم، أنا داعية كراهة، أنا برنامجي برنامج كراهية، أنا برنامج عنصري، أنا عنصري، ضد الناس لأعراقهم وضد الناس لأديانهم، وفاز الرجل – ما شاء الله وتبارك الله – في القرن الحادي والعشرين، تقدَّمنا كثيراً، يبدو أننا ننكص على أعقابنا، البشرية تتأخَّر، وزير العدل الألماني ماذا قال؟ قال فوز ترامب Trump لن يُنهي العالم – لن يكون نهاية العالم – لكنه سيزيده جنوناً، وهذه عبارة حكيمة، لا يقولها إلا حكيم، هذا وزير العدل الألماني وقد قالها، ليس إماماً على منبر لا يهمه ما يقوله، هذا رجل مسؤول عن كل كلمة ويعرف ماذا يقول، قال لن يكون نهاية العالم فوز ترامب Trump لكنه سيزيد العالم جنوناً، البرنامج نفسه في جزء منه طبعاً برنامج مجنون، برنامج – والعياذ بالله – عنصري عرقي كراهية تمييزي ضد أديان وضد أجناس وأعراق وبشر وحضارات وثقافات، شيئ فظيع ينطوون عليه وبالذات هؤلاء الذين تُوحي مسالكهم وتصريحاتهم بأنهم مدفوعون بمثل هذه الاعتقادات، أنهم منذورون من القدر لإصلاح العالم، هؤلاء يقودون العالم دائماً إلى مآسي وكوارث رهيبة – والعياذ الله – أو أممهم، يقودون أممهم وشعوبهم وقبائلهم للأسف الشديد طبعاً.

هذه النُقطة ترتبط وتعتلق بنُقطة سبق أيضاً التطرق إليها، قضية القديس هنا ملعون هناك، كان لابد أن نُذكِّر أيضاً بعظماء وزعماء وأبطال الأمة الأمريكية الذين ساهموا بجدارة إجرامية طبعاً غير مسبوقة في التاريخ في إبادة عشرات الملايين من الهنود الحُمر المساكين، وهذا عجيب جداً، خُطبة انهيار العالم ذكرنا – مثلاً – الرئيس الأمريكي ذي الخلفية الشعبية – جاء من عامة الشعب والناس الفلاحين البُسطاء الغلابة – أندرو جاكسون Andrew Jackson صاحب عبارة قتلت البنك، علماً بأن صورة أندرو جاكسون Andrew Jackson موجودة على العشرين دولار طبعاً، هذا الرجل قومه يذكرونه إلى الآن بالإجلال والمحبة والعرفان، لكن الهنود الحُمر ولا يزالون موجودين على قلة قليلة على وشك الفناء يلعنونه، لأن الرجل كان مهووساً بقضية السلخ، سلخ فروات رؤوس الهنود الحُمر والتمثيل بهم وصلم الآذان وتجديع الأنوف والعيون وقطع الأعضاء، هذا شيئ غريب، وكان يُكافيء مَن يفعل بهم هذا، هذا الزعيم الأمريكي العظيم والرئيس الأمريكي الذي قتل البنك – جاكسون Jackson – حضر حفلاً لن نقول حفل شواء – أبشع من الباربكيو Barbecue البشري – وإنما حفل تمثيل وتجديع وتصليم وتقطيع وبحسب العدد تكون المُكافأة، يرى كم فروة رأس وكم أذن وكم كذا وكذا وتُعطي الجائزة، فُعِلَ هذا – أي التمثيل بصوره المُتنوِّعة – بثمانمائة من الهنود الحُمر يتقدَّمهم زعيمهم المسكين، ويليام هاريسون William Harrison الذي سيُصبِح رئيساً أيضاً من رؤوساء الولايات المُتحِدة الأمريكية لم يكن أحسن، في انتصار ألف وثمانمائة وأحد عشر حدث نفس الشيئ، قام بنفسه على رعاية حفل سلخ وتمثيل وتقطيع الهنود الحُمر يتقدَّمهم أيضاً زعيمهم أو أحد كبار زعمائهم، هؤلاء أبطال كبار وبعضهم آباء مُؤسِّسون لكنهم قتلة سفّاحون ومُجرِمون في نظر ضحاياهم وهم كذلك في نظر الحقيقة في نهاية المطاف إذا آمنا – انتبهوا – بوحدة الإنسانية ووحدة الحقائق الإنسانية، لا تُوجَد حقائق إنسانية، تُوجَد حقيقة واحدة، إلا إذا آثر البعض أن يُؤمِن أن هناك بشراً وأن هناك أشباه بشر وأن هناك كسور بشر، هذا ربع إنسان وهذا عُشر إنسان وهذ خُمس إنسان، ما أعظم الإسلام، الإسلام حين جاء هنا بالذات جاء لكي يقضي على هذه اللوثة اللاإنسانية، جاء لكي يُقضي على هذه اللوثة العنصرية، علماً بأن هذا موضوع خُطبة اليوم، من الآن سيبدأ الموضوع الحقيقي لخُطبة اليوم، وهنا قد يقول لي أحدكم ما علاقة آيات سورة مريم وما موضع الشاهد فيها؟ موضع الشاهد يتكرَّر في مئات الآيات، أول درس يتلقاه المُسلِم حين يفتح المُصحَف الشريف، أول درس يتلقاه المُوحِّد حين يبدأ والده في تعليمه الدين ما هو؟ ماذا يُعلِّمونه؟ سورة الفاتحة لكي يُصلي بها، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۩، رحمة، من أولها رحمة، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، هذا أول درس، ليس رب المُسلِمين، فضلاً عن أن يكون رب العرب الذين نبيهم ورسولهم محمد الذي بُعِث فيهم، هو رب العالمين، في أول الدفة – افتح دفة المُصحَف – الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، وفي آخر المُصحَف قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۩ مَلِكِ النَّاسِ ۩ إِلَهِ النَّاسِ ۩ إلى آخر السورة، صدق الله العظيم، الله أكبر، أليس فيها دلالة؟ أول درس تبدأ به وآخر درس تنتهي إليه، أنا أقول لكم هذا الدرس الأمة المُسلِمة بالذات الآن لا تفقهه وكفرت به وخاصة هؤلاء الذين يقتلون الأولياء والعلماء الزهّاد الركّع السجود، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا قتلوا العالم نادر العمراني – رحمة الله عليه – الليبي؟ لماذا؟ لا أعرف، لكن الذي أعرفه أن هذا الشاب قال أنهم قتلوه لأنه مُخالِف، لم يقولوا كافر، لم يقولوا مُرتَد، ولسنا مِن دُعاة قتل المُرتَدين، عندنا موقف علمي معروف طويل مُسهَب مُدلَّل مُعلَّل ومُؤصَّل، ومع ذلك آتونا أين كفر الدكتور نادر العمراني وأين ارتد عن الإسلام؟ لم يقولوا ارتد، لأنه لم يرتد، مُستحيل أن تُثبِت أنه ارتد أو كفر، هذا رجل يشتغل في دائرة الإفتاء، لكن قال هو مُخالِف ومن ثم جاءتهم الفتوى، وطبعاً لم يقل هذا الشاب التائه الضائع مِن أين جاءتهم الفتوى، مَن الذي يُفتي؟ مِن أين؟ قال جاءت قائمة فيها نادر العمراني وفيها فلان وفلان وفلان، وهؤلاء لابد أن يُنحَّوا عن الطريق، لابد أن يُذبَحوا، تُفرَّغ فيهم أمشاط، لماذا؟ قال لأنه مُخالِف، وهذا اصطلاح جديد فاحفظوه، احفظوه جيداً، هذا فصل جديد في الجنون الإسلاموي وفي الجنون التعصبي، قال هذه طريقة السلف الصالحين، قال هكذا كانوا السلف الصالح، ما هذا الكذب على الدين؟ قال مُخالِف، ومن ثم المُخالِف يُقتَل، وطبعاً – ما شاء الله – تحت يافطة أو عنوان مُخالِف يُمكِن أن تقتل كل البشرية، يُمكِن أن تقتل أباك وفعلوها وأن تقتل أمك وفعلوها، أليس كذلك؟ ويُمكِن أن تقتل أخاك وابن عمك وفعلوها وبالرصاص أيضاً وقد رأينا هذا، ومن ثم لم يبق شيئ، كما قلت لم يبق شيئاً معصوماً.

نعود إلى موضوعنا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم هذه حقيقة مُقرَّرة ومعروفة، لكن صدِّقوني بقدر ما هى أم الحقائق – حقيقة الحقائق – بقدر ما نجهلها ونغفل عن معناها واستلزماتها، ونقول لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ۩:

أولاً كون الله – تبارك وتعالى – رب العالمين بلا شك حقيقة الحقائق، سواء آمن بها ذاك أم كفر، أقر أم جحد، علم أم جهل، وعى واستحضر أم غاب وغفل هى حقيقة الحقائق، أي أنه رب العالمين، وهل يقوم العالم بلا رب وبلا مُدير يُديره إن جاز التعبير وأستغفر الله؟ هذه حقيقة شئنا أم أبينا، العجيب – انتبهوا فهنا سنبدأ الآن – أن القرآن العظيم وما أعظمه ولا أعظم – وأي كلام أعظم من كلام الله؟ وأي قيل أصدق منه أو أقوم منه قيلاً؟ – من أوله إلى آخره يُؤكِّد على هذا، وهذه الطريقة الصحيحة في درس الدين، هذه الطريقة الصحيحة، هذه الطريقة المنهجية العلمية في فهم الدين، ليس أن تأتي وتُحاكِم الإسلام وتُحاكِم القرآن الكريم إلى قال فلان وقال علان والدواعش وما الدواعش، ما هذا الكلام الفارغ؟ هذا عبث، هذا عبث وستدفع ثمنه يوم القيامة، القرآن علَّمنا هذا، إياك أن تُغامِر بنفسك، أنا أتحدَّث لكل أحد من المُسلِمين وغير المُسلِمين، إياك أن تُغامِر بنفسك يا مسكين، أنت مسكين، خُذ القرآن كما يأخذه عالم مُحترَم ينشد الحقيقة ويبحث عن الحق، وسوف ترى أن القرآن – كما قلت – في أول صحائفه يُقرِّر حقيقة أن الله رب للعالمين كل العالمين، قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩ قَالَ رَبُّ السَّمَواَتِ والأرض وَمَا بينهما إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ۩، رب العوالم، رب الخلائق، رب كل مَن عداه لا إله إلا هو، انتهى الأمر، الأكوان والوجود – Existence – كله فيه شيئان فقط، ربٌ ومربوب، خالق ومخلوق، وانتهى الأمر، المخلوق كل ماعدا ومَن عدا الله، هو مربوبٌ لله، هذه حقيقة الحقائق، لكن انتبهوا إلى أن القرآن حين يذهب يُذكِّر بها باستمرار لم يُقرِّرها مرة ثم يمضي وإنما قرَّرها ثم دأب على تأكيدها وتعزيزها وترسيخها في مئات الآيات، ماذا أراد من هذا؟ انتبهوا جيداً، ماذا يُريد القرآن من هذا؟ وكيف استجاب القرآن لهذه الحقيقة؟ القرآن استجاب لها واستجاب معها ونوَّع عليها وصدر عنها، القرآن في قوانين كثيرة وأحكام كثيرة وأوامر ونواهي يصدر عن منطق حقيقة أن الله رب العالمين، كيف؟ أولاً يقول الله يا مُؤمِن، يا مُسلِم، يا مُوحِّد، يا مَن آمنت بالله مُنزِّل القرآن وبالقرآن ومَن على قلبه أُنزِل القرآن عليك أن تتقي الله في عدوك المُقاتِل، قلت هذا مائة مرة لكن لابد ان أقوله دائماً، تتقي الله في عدوك المُقاتِل وفي ساحة المعركة، مع عدوي يا رب الذي يكفر بك وبكلامك هذا؟ هو يكفر بهذا الكلام نفسه الذي هو موطن تشريع هذه الأحكام؟ قال طبعاً، لكن لماذا؟ لماذا أعدل مع الكافر الذي جاء يُحارِبني وهو كافرٌ بك وبقرآنك وبنبيك؟ فقط المنطق البسيط لأنني رب العالمين، أنا لست رباً لك وحدك، وأنا ربه أيضاً هو، إذن فهمنا الآن، بدأنا نفهم ما هى القضية، ثانياً إبراهيم قال رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ – يا رب ارزق فقط المُؤمِنين الذين وقَّروك ووفَّروا توحيدك وأذعنوا لسُلطان ربوبيتك فقط دون الذين جحدوا ونكدوا وكفروا – قَالَ وَمَنْ كَفَرَ ۩، وليس هذا فحسب، قال في نفس الآية فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا – وأمتعه أيضاً، أُعطيه متاعاً، والدنيا كلها متاع في النهاية – ثُمَّ أَضْطَرُّهُ – ليس أنت مَن تضطره، أنا الذي أضطره، أنا الذي أُحاسِبه – إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩، هذا منطق رب فعلاً، هذا ليس منطق قائد أو منطق حتى مُدعٍ للنبوة، هذا منطق رب يقود العالم، خلق الخلق وتكفَّل بهم، قال الله وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ ۩، وإلا لماذا خلقها؟ لماذا خلقها؟ لابد من أن يرزقها، ثم انظروا إلى هذا الاتساق كما يُسمونه، هذا اتساق في القرآن، يُوجَد في القرآن اتساق عجيب، القرآن هو نفسه الكتاب الذي دائماً يقول أن الله خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ ۩، أنتم مخلوقون ومُستخلَفون في هذه الأرض ومُخاطَبون بالشرائع للابتلاء والاختبار، جميل جداً اتساقياً إذا كان هناك اختبار وابتلاء أن يُؤجَّل إذن الفصل في العباد والحكم على العباد إلى يوم ظهور نتائج الاختبار، أي يوم الدينونة، وكذلك هو، وهذا من عجائب القرآن الكريم، الله قال من أجل هذا قبل أن يُفصَل في هؤلاء الذين نجحوا أو رسبوا وكفروا او آمنوا أنا أُمتِّع الجميع، أرزق الجميع، أُحافِظ على كرامة الجميع، أطلب العدل والإنصاف مع الجميع، ليس مع المُؤمِنين فقط، مع الكفّار الملاحدة أيضاً، مع الجميع، قال الله وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، هذه الخلقة مُكرَّمة أصلاً، ابن آدم مُكرَّم بما هو، الجنة والنار والكفر والإيمان لا يزال موضوعاً آخر، كل شيئ في مكانه، ولذلك كأين من آيةٍ في كتاب الله – تبارك وتعالى – تقول أن الفصل بين العباد يوم القيامة، مَن يُحصي هذه الآيات؟ آياتٌ كثيرة، لا يزال ولا يفتأ القرآن يُذكِّر أن الذي يفصل بين العباد وأن الذي يحكم بين الناس إنما هو الله وحده ويوم الفصل، أي يوم الدين، أليس كذلك؟ يفعل هذا وحده، وهذا فعلاً مُقتضى الربوبية بلا شك، مُستحيل أن يكون الله – تبارك وتعالى – رب العالمين ويسمح لي أو لك أو لمحمد أو لموسى أو لعيسى أن يفصل بين العباد، كأن يُقال لأحدهم تعال فأنت كفرت وبعنوان كفرك سأذبحك، هذا غير صحيح، هذا كذب على الله وعلى رسوله، لا يُوجَد كافر يُقتَل لكفره، وهنا قد تقول لي هذا رأي مَن يا عدنان إبراهيم؟ رأي جماهير العلماء، ما رأيك؟ هذا رأي جماهير العلماء خلافاً لإمامي الإمام أبي عبد الله الشافعي الذي نُخالِفه في هذه المسألة كما خالفته الجماهير فلم يكن الصواب معه، الغلط معه هنا، رحمة الله عليهم جميعاً ورضوان الله، إذن هذا رأي الجماهير، وهذا هو الحق وبالدليل، الكافر لا يُقتَل ولا يُقاتَل لأجل كفره، وإنما لأجل عدوانه وحرابته فقط، هو يضن علىّ بحق الحياة ومن ثم سأدفع عن نفسي فقط، هذا هو الدين، هذه عظمة القرآن الكريم، هذا القرآن كان في القرون الوسطى ومعروف ما هو المنطق الذي كان سائداً في العالم، لكن هذا مُختلِف تماماً، هذا منطق جديد.

قال الله وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي … هل قال العن أبيك وأمك؟ لا، لم يقل هذا، قال يبقى أبوك أباك وتبقى أمك أمك، قال وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ – لزاك واضطراك وأعنتاك لكي تُشرِك، يُريدان أن يحملاك على الشرك – فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ – وبعد ذلك قال ماذا؟ هل قال فارقهمها واتركهما؟ لم يقل هذ أبداً – وَصَاحِبْهُمَا – كن في خدمتهما عند أيديهما ورجليهما وخاصة في الكبر، اخدمهما وارحمهما – فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ ۩، قال الله أيضاً وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ۩، لم يقل كما آمنوا وما إلى ذلك، وإنما قال ارحمهما بسبب التربية، أطعموني وشرَّبوني واهتموا بي وما إلى ذلك فيا ربي ارحمهما، ولا تتم الرحمة إلا بهدايتهما للإسلام، ومن ثم تكون كسبت الحسنتين ودعوت لهما بالدعوة الطيبة الحسنة، قال الله وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ ۩، يا سلام، وقالوا هذا ليس ديناً إلهياً، هذا دين إلهي، والله يقشعر البدن – أُقسِم بالله على هذا – حين تستحضرونه، لكن انتبهوا وحذاري من الابتذال، نحن أمة مُبتذِلة وأصبحنا أمة مُبتذَلة، نبتذل كل شيئ، ولذلك نُقرِّر الأشياء ولا نفهم، أنا أقول لكم هذه الأشياء كأنها جديدة تماماً مع أننا سمعناها في الطفولة، سمعناها بطريقة الابتذال ولم نفهم شيئاً، الآن بدأنا نفهمها في سياق العراك والجدال والمُحاماة عن الدين والإلحاد والكفر والإيمان والحق والباطل، الآن بدأنا نفهم، هذا لا يكون إلا ديناً إلهياً.
هناك حقيقتان أيضاً تستتبعان الحقيقة الأولى التي هى أم الحقائق وحقيقة الحقائق، لماذا القرآن الكريم في بضع مئات – لم أُحص هذا وقد مر بي من مُدة، ربما قريب من خمسمائة آية تقريباً – حين يحضر النبي لا يحضر بنفسه؟ هل يحضر بغير استئذان؟ هل يحضر بذاته؟ انتبهوا وفكِّروا بعمق في هذه النُقطة، نُقطة جميلة جداً وعميقة، حين يحضر النبي هل يحضر بغير استئذان؟ هل يحضر بنفسه؟ هل فجأة تجد نفسك أمام رسول الله وهو يُخاطِبك؟ لا يحدث هذا أبداً، لا يحضر إلا وقد أُؤذِنَ له وأُمِرَ بالحضور، هو الذي قال في الحديث الصحيح قيل لي فأنا أقول، كم مرة في القرآن نجد (قل، فقل، قل، وقل،وقل، وقل، وقل)؟ تُوجَد هذه الكلمات باستمرار، أليس كذلك؟ ويُخاطَب النبي كشخص مُخاطَب، هذا إسمه الشخص الثاني، الشخص الأول المُتكلِّم، أي صاحب القرآن، القرآن يُخاطِب محمداً كما يُخاطِبك ويُخاطِبني، أليس كذلك؟ يُخاطِبه ويقول له يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ۩ ويقول أيضاً يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ۩، أليس كذلك؟ يحدث هذا باستمرار، وأحياناً يعتب عليه ويُشدِّد في العتب ويُؤاخِذ، قال الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، وقال له أيضاً عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ۩، يُخاطِبه في معرض العتب والعتب الشديد، أليس كذلك؟ قال الله وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ۩، يقول هذا له باستمرار، لماذا؟ هذا مُقتضى الربوبية، يُوجَد رب ويُوجَد عبد، محمد عبد مثلي مثلك، ولذلك ليس عنده الصلوحية أن يحضر فجأة وإذا به يتحدَّث إلينا ويأمرنا، هذا لا يُمكِن، محمد لم يفعل هذا مرة في القرآن الكريم، لا يستطيع، ولا يزال يُوجَد ما هو أعجب من هذه الحقيقة، والله العظيم أشياء تقشعر لها الأبدان، لقد اقشعر بدني، ومع ذلك يُقال القرآن ليس مِن عند الله، مَن يقول هذا لا عقل له، ليس لديك طريقة علمية لكي تفهم يا رجل، أنت – كما قلت لك – مُبتذَل مُفرَّق، تظن أن هذا القرآن مُوسيقى وكلمات وإن وإن، أنت لا تفهم شيئاً، اقرأه بعقل مُحلِّل وبعقل فاحص وبعقل ذكي وبعقل مُستقِر راسخ رصين، ومن ثم سوف تجد العجب فيه، اللهم افتح علينا فتوح العارفين، الأعجب من هذه الحقيقة أن القرآن العظيم يُخاطِب أهل الكتاب، والأكثر من هذا أنه يُخاطِب المُشرِكين ويُخاطِب الكافرين ويُخاطِب الإنسان بما هو، كأين من آية فيها يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ۩، أليس كذلك؟ هذا أمرٌ عجيب، كيف هذا إذن؟ قد ينبغ لك الآن أو ينهض لك كافر يقول لك عجباً، واعجبي، واعجكبي لكتابكم ومن كتابكم هذا، فيم يُخاطِبني؟ ولم يُخاطِبني؟ وأنّى يُخاطِبني؟ أنا لم أُؤمِن به، أنا لا أُؤمِن بما تُؤمِنون به، لا بربكم هذا ولا بنبيكم ولا بهذا الكتاب، ففيم يُخاطِبني؟ فيم يتوجَّه إليّ؟ نقول له أولاً هذا الكتاب ليس كتابنا إلا من حيثية واحدة فقط، أننا أذعنا به وآمنا به، والإضافة لأدنى مُلابَسة، وإلا في الأصل ليس كتاباً لأحد، هو كتابٌ لكل أحد، هذا كتاب البشرية، هذا كتاب العالمين، آيات كثيرة تُؤكِّد أنه للعالمين، قال الله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ ۩، أليس كذلك؟ جميل جداً، فلماذا تقول كتابكم؟ هو كتابك يا مسكين بقدر ما هو كتابي، لكنني هُديت وأبصرت أو ورثت الهداية والبصارة وهذا هو الحاصل وهذا أيضاً أحد أسباب العبط الذي نعيش فيه، أننا ورثنا الهداية وراثة وللأسف لم نقف لحظة نُمعِن فيها النظر في قيمة وجلالة ونفاسة هذه النعمة الموروثة ونبدأ من جديد نقرأ القرآن وكأنما علينا أُنزِل، بالعكس هذا لم يحصل، هل تعرفون ماذا الذي حصل في أمة محمد مرة أُخرى التي يضحك الكفر من إسلامها كما قال محمد إقبال رحمة الله عليه العبقري الكبير عديم النظير؟ كما قلت لكم هذه العبارة الإقبالية لا يغضب منها إلا مُسلِم مِمَن يضحك الكفر من إسلامهم، أما مُسلِم فهم إسلامه واعتز به سيُردِّد من وراء إقبال يضحك الكفر من إسلامنا، يضحك الكفر من إسلامكم، سيقول لكم هذا في وجوهكم من وراء إقبال، لأنه يرى إسلامكم الذي تفهمون مضحكة ومسخرة، فرحمة الله على إقبال، ولذلك هذه العبارة تُغضِب هؤلاء الذين يضحك الكفر من إسلامهم، ولا تُغضِب مَن فهموا إسلامهم حقاً وأخذوه صدقاً، وقعنا إلا ما رحم ربي وقليلٌ ما هم في وهم التملك، نقول نبينا وربنا واللهم ربنا، انتبهوا إلى هذا، كأن الله لنا وحدنا وليس رب العالمين والنبي لنا وحدنا فقط وخاصة العرب ونحن عرب والقرآن لنا وكتابنا، هل تعرفون كيف نتعاطى معه؟ كما نتعاطى مع ذهبنا ودولاراتنا ويورواتنا، الذي عنده القليل من الذهب واليورو ماذا يفعل به؟ يضعهم في الخزنة Safe، وسامحوني على الاستطراد، لكن على ذكر الخزنة لم أُكمِل لكم قصة هاني مهنا مع طلال مدّاح، قال كنت في لندن ومعه في الفندق – رحمة الله عليه – فجاءت امرأة من بلد – يقول البلد الفلاني فالله أعلم بإسمه – وقالت هنا الأستاذ طلال؟ أنا أرملة وعندي أيتام وكذا، قال لي يا أستاذ هاني افتح الخزنة Safe، قال وأبى إلا أن يُعطيها كل ما في الخزنة، طلال مدّاح قالوا عقارب ونار في قبره، أحرق االله جهلكم وهداكم الله وإيانا، نعود إذن إلى موضوع أننا نضع القرآن في الخزنة ونتعاطى معه كما نتعاطى مع اليوروات والذهب والفضة، نحن نضع هذه الأشياء في الخزنة – Safe – ونقول هذه لنا، في اليوم الأسود ينفعنا هذا الذهب الأصفر والفضة البيضاء، وكذلك القرآن نضعه في الخزنة Safe، تقول هذا كتابي، فهل تحفظه؟ لا، صعب يا أخي لأنه يتفلت، هل تقرأه؟ هل لك معه ومنه ورد يومي؟ وبمُناسَبة الورد نصيحة من أخ مُحِب مُشفِق أُقسِم بعزة الله عليها، جرِّبوا أن يكون لكم وردٌ يومي مع كتاب الله افتتحوا به يومكم بالذات بعد صلاة الفجر، أُقسِم بالله ستتغيَّر حياتكم، أُقسِم بعزة الله ستتغيَّر حياتكم، يتغيَّر إيمانكم، يتغيَّر كل شيئ فيكم، هذا الكتاب قوة أكثر فاعلية وجبروتاً مما تظنون يا إخواني، هذه كلمات الله وفيها بركة لا تتخيَّلونها، وفي البداية أنا أقول لك هذا القرآن ثقيل، قال الله إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ۩، لا تقل عدنان يقول هذا فهنيأً له، أنا لا أجد هذا، أنا حين أفتحه أجد ثقيلاً، أعرف هذا والشيطان يُثقِّله ومعاصيك تُثقِّله عليك، حجابك وهواك يُثقِّله عليك، بُعدك عن الله يُثقِّله عليك، انتبه إلى هذا، لكن أصِر، قل سأتلوه يومياً، ابدأ بجزء على الأقل، الجزء لا يستغرق شيئاً من الوقت، فقط ربع ساعة أو ثلث ساعة، الذي يقرأ القرآن وهو عليه ثقيل ويُتعتِع به ويُتأتئ ويُفأفئ من المُمكِن أن يستغرق الوقت معه نصف ساعة، لكن النصف ساعة ليست كثيرة، سوف تُغيِّر حياتك، والله تُعطيك سكينة واستقراراً وسعادة وتوفيقاً، هذا شيئ عجيب، انظر إلى التوفيق حتى بعون الله تعالى، إياك أن تبت العلاقة بكتاب الله، لماذا يا أخي؟ عندك كنز، أنت مسكين، هذا كنز من الكنوز، أتضعه في الخزينة – Safe – وتسكت عليه وكأنه ذهب وفضة؟ لكن هكذا نتعامل مع القرآن الكريم، هذا كتابنا وهذا كتابي وهذا كتابنا وهذا قرآننا، لا ورد ولا فهم ولا فقه فيه، ليس لنا علاقة به، ولا نُحسِن حتى تلاوته ولا نستمتع به، أنتم تعرفون موقفي من الغناء والموسيقى، لست مُتشدِّداً بل مُيسِّراً، بعض الناس يظن أن عدنان إبراهيم على مدار الأربع والعشرين ساعة يسمع غناء وموسيقى، لكن كلما أُحاوِل أن أسمع غناءً وموسيقى في أكثر أحوالي أفتح ولا أستلذ، أضع عبد الباسط أو المنشاوي أو الشيخ مصطفى إسماعيل فيستجيب القلب والبدن والشعر والبشرة وكل شيئ، أجمل ما سمعت أذن الوجود كلام الله – والله – يا إخواني وأُقسِم بالله على هذا، تعوَّدوا فقط أن تستلذوه بسماعه وخاصة من هذه الأصوات الصيتة الطيبة كالذين ذكرت من هؤلاء العباقرة، أي عبد الباسط والمنشاوي ومصطفى إسماعيل، هؤلاء قمم، تعوَّد أن تسمع ولن تسمع أجمل ولا ألذ منها والله العظيم، هذه كلمات الله، شيئ عجيب هذا الكتاب، شيئٌ عجيب فعلاً.

على كل حال نعود، سيُقال دخل عدنان في العاطفيات، لكن المسألة لا تتعلَّق بالعاطفيات، هذه تجربة يا إخواني، ولتكن لكم تجربة، هذه تجربة، لابد أن تُجرِّب، لكن أنت تضعه في الخزينة – Safe – وتقول في اليوم الأسود ينفعني، متى يأتي اليوم الأسود كما قال إقبال؟ قال الكتاب الذي أنزله الله ليُغيِّر به العالم أمة محمد هجرته وادخرته لساعة فُراق الدنيا، يُفتَح وتُقرأ منه سورة يس على الموتى لكي يموتوا بسلام، هل عاشوا في فوضى وماتوا بسلام؟ هذا صعب جداً، تعيش فوضوياً تموت فوضوياً، موتك عبثي كحياتك العبثية، عِش بمعنى والقرآن هو أبو المعنى وأمه – قلب المعنى – ستموت بإذن الله ولموتك معنى، إذن قال القرآن كتابكم، ليس كتابنا نحن، سنقول له يا أخي المُلحِد أو يا أخي اليهودي أو يا أخي النصراني أو يا أخي الهندوسي أو يا أخي البوذي أو يا أخي الكافر أو يا أخي اللاديني ليس كتابنا إلا بقدر ما يُمكِن أن يكون كتابك لو أذعنت به على أنه كتابك قبل أن تُذعِن به، وهنا قد يقول كيف؟ فيم؟ لم؟ أنا لا أُؤمِن، نقول له هذه حقيقة مُقرَّرة سواء آمنت بها أم جحدت بها، الله رب العالمين، رب الأكوان، هذا العالم له مَن يربه، له مَن خلقه وأوجده لا إله إلا هو، وأنت ضمن موجودات العالم، فأنت مربوبٌ له، ولذلك إذا لم تكن أنت معنياً بأن تسمع خطابه لك هو معنيٌ أن يهديك لا إله إلا هو، الله، قال الله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ۩، وقال أيضاً أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ۩، ما معنى ذلك كما قال السادة المُفسِّرون؟ لا يُؤمَر ولا يُنهى، أي يُحتقَر، افهم هذا، ليس أن يُضيَّق عليه بالشرائع وإنما يُحتقَر، الله يحتقرك، هل يُوجَد الآن ما هو أصعب في العلاقات مع البشر من التجاهل؟ يتجاهلك أحدهم، حين تتكلَّم معه لا يلتفت إليك، تقول له يا أخي كذا وكذا وهو لا يهتم، ومن ثم سوف تموت أنت من الغيظ، هو يحتقرك كأنه يقول لك ليس أنت مَن يُكلِّمني ولا أنا مَن يرد عليك، هذا احتقار، لكن الله لم يحتقرنا، خلقنا على صغرنا وضعفنا وفقرنا واحتياجنا وقصر أعمارنا ولم يحتقرنا، اقض سبعين سنة وارحل أو ثمانين ومائة وارحل، وهذا لا شيئ في عمر الكون، أربعة عشر مليار سنة هذا الكون، ما زال يعيش من أربعة عشر ألف مليون سنة، أنت أخذت مائة سنة، فمسكين أنت، ما معنى مائة سنة؟ وقطعت أكثرهم، قطعت خمسين من هذه السنوات، فماذا بقيَ؟ ومع ذلك قال لك أنا لم أخلقك عبثاً بمعنى لم أحقرك، أنا خلقتك وخاطبتك، أمرتك ونهيتك، وما أحلى أمره ونهيه، وتحبَّب إلينا وقال يَا عِبَادِيَ ۩، وقال يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ۩، وضرب الأمثال والحكم وأتى بالقصص من أجل فقط أن يستدنيك ويستميلك ويأتي بك إليه – لا إله إلا هو – وهو الغني عنك وأنت أفقر ما تكون إليه وأفقر شيئ إليه، أليس كذلك؟ إذن سنقول لهذا شئت أم أبيت وعرفت أم جهلت وأقررت أم جحدت هو ربك ولذلك هو معنيٌ أن يُخاطِبك وقد فعل، عجبي، والله عجبي، لأن الكتب عموماً والبشر وخاصة القادة والزعماء وصنّاع الأمم يُخاطِبون مَن دائماً؟ يُخاطِبون المعني بهم، أمتهم أو شعوبهم، ترامب Trump – مثلاً – لا يُخاطِب العالم، هل يقدر على أن يُخاطِب العالم؟ خطابه أصلاً لا يكون عالمياً، خطابه يقسم العالم، أليس كذلك؟ يُخاطِب قومه الذين على شاكلته فقط، القرآن يُخاطِب العالم، يُخاطِب الناس، وكما قلنا هو مُستجيب من أوله إلى آخره مع حقيقة ماذا؟ أن الله رب العالمين لا إله إلا هو، إذن حتى نُركِّز – القضية فيها بُعد فلسفي عميق – تماماً نقول أن القرآن حين يُخاطِب الناس والبشر والكفّار وأهل الكتاب والإنسان فإن هذا الخطاب بحد ذاته شيئ لافت بل أكثر من لافت، لافت جداً جداً جداً إلى انقطاع النفس، وهو أحد الأدلة الكُبرى على أن هذا الكتاب من عند الله تبارك وتعالى، ولو كان من عند محمد فقط فإن محمداً معني بأن يُخاطَب قومه وعشيرته لكي ينتصر بهم ويفتح بهم وينتهي الأمر، أي نحن والآخر، نحن والآخرون، لكن لا يُوجَد هذا الكلام أبداً، بالله عليك هذا القرآن فيه أكثر من ستة آلاف آية في أكثر من ستمائة صفحة فأين انحيازه للعرب؟ محمد عربي، أليس كذلك؟ هذه حقيقة عرقية، عرقياً محمد عربي، أين انحياز القرآن للعرب؟ هل يُوجَد يا أيها العرب؟ لا يُوجَد هذا الكلام أبداً أبداً أبداً، وانحيازه لماذا إذن؟ القرآن ينحاز للقيم وللمعنى فقط، قال الله يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۩، لا ينبني عليها هذه شيئ بحد ذاتها، هذا أمر طبيعي، أنت إفريقي أو أنت قوقازي – من القوقاز أو أنت أبيض أو أنت أصفر أو أنت كذا، هذه حقائق صدفية في نظر الملاحدة، لكن عند الله لا تُوجَد صدفة، اتفاقاً وجدت نفسك من هذا العرق ومن تلك الأمة، الله قال هذا لا ينبني عليه بحد ذاته أي شيئ، قال الله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم رجعتها إلى مسألة دينية، لا والله، فكِّروا في هذا، وإن شاء الله سأصنع لهذا الموضوع خُطبة، سأُهيَّأ له خُطبة بذاتها، التقوى في كتاب الله من أوله إلى آخره هى لفظة يُعبَّر بها عن معنى واحد إجمالي كبير، هل تعرفون ما هو؟ التزام الحدود التي حدَّ الله وعدم العدوان فيها فقط، هذه هى التقوى، ليس أن تبكي من خشية وما إلى ذلك، هذا يدخل في التقوى بمعنى مُعيَّن لكن التقوى أمر مُختلِف، ما هى التقوى؟ الله يقول لي هناك تقوى حين آتي أهلي، أنت تأتي زوجتك بالحلال، قال لك اتق الله، كيف؟ هل نحن في محراب؟ هل نحن حول الكعبة؟ أنا آتي أهلي، قال لي اتق الله، هذا يعني هناك حدود في هذه المسائل من المفروض أن ألتزم بها ولا أتعداها، هذه هى التقوى، إذن فهمت وهذا كان أولاً، ثانياً يقول الله – كما قلنا اليوم في الخُطبة – في حق كفّار يُحارِبونك في ساحة الوغى اتق الله، قال الله وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ ۩، تعدل مع عدوك وهذا أقرب للتقوى، وهذا يعني ما معنى التقوى؟ لزوم حد الله، من ماذا؟ ما المقصود بالحد هنا؟ الحد هنا هو العدل، تعدل هنا في العدو، هذا حد من حدود الله، هى القيم إذن، ولك أن تتخيَّل هذا، هذا معنى التقوى، لكن العبارات المسجوعة الجميلة مثل الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل هى صحيحة لكنها لا تقف بك على جوهر المعنى، سوف تُضيِّعك، هذه عبارات وعظية، لأن في النهاية العمل بالتنزيل طبعاً بلا شك تدخل فيه التقوى تلقائياً لكن كيف؟ بأي معنى نعمل لأن الكل يزعم أنه يعمل؟ بهذه المعاني، تلزم حدود الله مع المُوافِق والمُخالِف والقريب والبعيد والمُسلِم والكافر والأنا والآخر، تلزم حدود الله في كل شيئ، ونرى حدود الله – تبارك وتعالى – ونجدها حدود تضمن العدل والإنصاف والرحمة والمُساواة والكرامة، شيئ غريب، هذا دين الله تبارك وتعالى، فهذه هى التقوى بتعريف كتاب الله، وهذا يحتاج إلى خُطبة بحيالها بإذن الله لعلها تكون قريبة، فإذن القرآن يُخاطِبهم لأن الله هو وحده ربهم – لا إله إلا هو – وهو معنيٌ بخطابهم، لو كان من كلام محمد فإن محمداً لم يُخاطِب إلا قومه، ولذلك القرآن لا ينحاز إلى العرب ولا إلى أمة العرب ولا إلى المُسلِمين بعنوان إسلامهم أبداً، ينحاز إلى قيمه هو، إلى قيم القرآن، قال الله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۩، ألزمكم لحدوده – ألزمكم لحدود الله تبارك وتعالى – يكون له الكرامة الأعلى والكرامة الأوفر عند الله تبارك وتعالى، إذن هذا مُهِم.
إخواني وأخواتي:

كما أن الله رب العالمين وحده وهو إله العالمين وحده لا شريك له فإنه يُوجَد فرق كبير بين وحدانية الله وبين توحيد الله، وأعتقد أن الفرق واضح، لكن هنا قد تقول لي هل الفرق واضح؟ واضح جداً، وحدانية الله هذا الأمر في نفسه، كما قلنا آمنت به أم كفرت وعلمته أم جهلته هذا أمر مُقرَّر، يُوجَد أُناس لم يسمعوا بالله أصلاً، تُوجَد قبائل وشعوب بدائية لم تسمع أصلاً بالله في يوم من الأيام، ومع ذلك هؤلاء الذين لم يسمعوا به يوماً هو ربهم لا إله إلا هو، أليس كذلك؟ هو ربهم طبعاً وإن لم يسمعوا به، هذا معنى وحدانية الله، حين تذهب تبحث عن هذه الحقيقة ستتقرى أمامك بألف دليل ودليل أن هذا العالم له ربٌ واحد، ليس اثنين أو ثلاثة وإنما واحد، ولن أدخل معكم الآن في نقاش فلسفي ثيولوجي وأقول لماذا وأين الألف دليل، هذه مسألة ثانية لكن العالم كله يُنادي بهذه الحقيقة، العالم بما فيه من اتساق ومن انتظام ومن عدم تشاكس يُؤكِّد أنه محكوم برب واحد لا إله إلا هو، وإلا لو كان ثمة إلهان اثنان لعلا بعضهم على بعض، أليس كذلك؟ لذهب كل إلهٍ بما خلق ولعلا بعضهم على بعض، وهذا الكون كان تدمَّر وكان تمزَّق، أليس كذلك؟ مثلما يحدث الآن، كما تتدمَّر الدنيا ويتدمَّر العالم الإنساني – العالم World – الخاص بنا، لماذا؟ لوجود قوى كُبرى تتنازع عليه، ذهبت سوريا وذهبت العراق وأفغانستان وهنا وهناك حروب وما إلى ذلك وهذا طبعاً لوجود أكثر من رأس تُدبِّر، أليس كذلك؟ لكن العالم له مُدبِّر واحد لا إله إلا هو، على كل حال هذه الحقيقة الوحدانية، لكن ماذا عن التوحيد؟ قد تقول لي ما هو التوحيد؟ نحن تعلَّمنا أن التوحيد أن نُذعِن بأن الله واحد، لكن أنا أقول لك هنا حصل نقص في فكر الأمة، وخاصة في هذا الزمن طبعاً، أين النقص؟ التوحيد ليس أن تقول لا إله إلا الله ولا رب سواه وحده لا شريك له، لا ليس هذا، وإنما أن تُكيِّف نفسك عقلاً ومشاعر وسلوكاً ورؤيةً كونيةً – رؤية في النظر إلى الذات وإلى أخيك الإنسان وإلى العالم والوجود – وفق حقيقة أنه لا رب إلا الله ولا إله معبود إلا الله، هذا إسمه التوحيد، دخل فيه التوحيد النظري والتوحيد العملي، نبيكم – صلى الله عليه وآله وسلم – كان في كل يوم حين يُصلي سُنة الفجر – سُنة الصبح – يقرأ في الركعة الأولى سورة الكافرون وفي الركعة الثانية سورة الإخلاص وذلك بعد الفاتحة طبعاً، لماذا؟ انظروا إلى النبي، عنده قرآن يضم ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية، من بين كل هذه الآيات لماذا اختار هاتين السورتين فقط؟ هذا تعليم للأمة، التوحيد جوهر الدين، قال لك التوحيد العملي والتوحيد النظري، والمُؤمِن يطير إلى الله بجناحي التوحيد الاثنين النظري والعملي، ليس فقط النظري، لا تقل لي الله هو الرب وحده في حين أنك عملياً عندك ألف رب، وأول هذه الأرباب الزائفة أنت وهواك وشهوتك وبطنك فرجك وخوفك ورعبك وحرصك وطمعك، والمُدير رب والرئيس رب ومُدير المباحث رب ورئيس الدولة رب وهذاك رب، كل مَن تخافه وكل مَن ترجوه بعيداً عن الله هو ربٌ لك بمقدار ما اخترت أن يكون رباً عليك يا مسكين، لذلك الإيمان – إذا فهمنا الإيمان الحقيقي والتوحيد الحقيقي – هو أكبر تحرر وأكبر حرية، ما رأيكم؟ أكبر التئام لإنسانية الإنسان، تلتئم بنفسك، تخلو من كل وجوه الاغتراب، لا تعود مُغترِباً بالمرة لأنك مُنسجِم مع كُبرى الحقائق على الإطلاق وأجل المعارف، أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه، لا إله إلا هو، أليس كذلك؟ فإذن قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۩ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ۩ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۩ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ۩ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۩ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ۩، هذا توحيد عملي، أليس كذلك؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩ اللَّهُ الصَّمَدُ ۩ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۩ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۩، هذا توحيد نظري، هذه نظرية، هذه عقيدة إلهية، فأنت تجمع بين الاثنين، الأمة الآن اختل توحيدها لأنها لم تجمع إلى النظري العملي، وهنا قد تقول لي هذا ارتباطه بخُطبتنا أننا حين نسلك وحين نذهب نفهم الإسلام وندرسه ولا نُوحِّد الله كغاية مُطلَقة نهائية وكمقصد مُطلَق نهائي وإنما نجعل مقاصد نهائية أُخرى نقف عندها ثم ننتهي – القبيلة والطائفة والمذهب والأمة والشعب والزعيم والأنا والهوى والمصلحة – نكون ما حقَّقنا توحيد الله تبارك وتعالى، وهذا يعني أننا ما حقَّقنا حقيقة أن الله رب العالمين في حياتنا، هناك أرباب كثيرة، قال الله أَأَرْبَاب مُتَفَرِّقُونَ خَيْر أَمِ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار ۩، وقال أيضاً أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ۩، الله قال هناك آلهة كثيرة وأرباب كثيرة من دوني، وفي رأسها الأهوية، هواك ومصلحتك، أليس كذلك؟ هنا قد تقول لي كيف الحل؟ وأنا أقول لك هنا شيئ من أجمل ما ستسعمون من خُطبة اليوم، انظروا إلى البطل والبطولة، وهناك فرق كبير بين أن تكون بطلاً أو البطل وبين أن تكون بطلهم وبطلنا، كل أمة عندها أبطالها الذين هم – للمرة ربما العاشرة – في نظر أعداء الأمة السفّاحون المُجرِمون الملاعين، تحيق بهم اللعنات، أليس كذلك؟ البطل الحقيقي هو الذي يرى فيه حتى أعداؤه والأمم الأُخرى التي لا ينتمي إليها لا عرقاً ولا لغة ولا ديناً ولا سياساً دولتياً بطلاً، هذا هو البطل، وهنا قد تقول لي مَن هذا؟ هل هو موجود؟ موجودن هؤلاء لكنهم قلة قليلة، هناك أبطال عالميون كل الأمم ترفع لهم القُبعة وتضرب لهم السلام وتُحيِّيهم وتترحَّم على أرواحهم، هل تعرفون مَن هم؟ الذين ينحازون للأُطر الأوسع دائماً، الأديب والشاعر الفرنسي الفاجر الفاسق بودلير Baudelaire ماذا قال؟ قال لا يكون المرء بطلاً – البطل الحقيقي عند بودلير Baudelaire – إلا حين ينتصر على أمته، هل يدعو بودلير Baudelaire للخيانة؟ لا يُمكِن لأحد أن يدعو للخيانة، وإلا قصوا له رأسه ولعنوه، لكن هو يقول تكون بطلاً حين تنتصر على أمتك إذا كانت ظالمة مُبطِلة مُعتدية لا إنسانية وضد القيم، هنا تنتصر عليها، ريجيس ديبريه Regis Debray الفرنسي الذي لا يزال حياً – الفيلسوف والناشط اليساري الكبير، حياته نضال مُستمِر في سبيل الإنسانية بطريقته اليسارية – قال ماذا؟ قال التنويري الحقيقي – هل تُحِب أن تكون تنويرياً؟ اليوم عندنا في العالم العربي موضة إسمها التنوير والعلمانية والليبرالية، فهل تُحِب أن تكون تنويرياً حقيقياً؟ – هو الذي يقذف بالحقيقة في وجه قومه، هو الذي عنده جرأة وشجاعة أن ينتقد قومه، ليس أن ينتقد الآخرين، كل أحد فينا هو أستاذ في نقد الآخرين، أليس كذلك؟ أنتقد لك الأمريكان والأوروبيين وأنتقد لك الشيعة وأنتقد لك كذا وكذا، ثم أقول نحن السُنة وهذا مذهبنا ونحن أهل السُنة والجماعة ونحن الـ Perfect، وهذا كلام فارغ، وكذلك الشيعي ينتقد العالم كله ثم يقول نحن أهل البيت وشيعة أهل البيت ونحن – ما شاء الله – علينا ونحن أتباع المرجع الفلاني، لكن اجعل انحيازك للحقيقة وللقيمة، ما هى الحقيقة وما هى القيمة في نهاية المطاف؟ مُقتضى الإيمان بأن الله رب العالمين وإله العالمين كما رأينا في القرآن الكريم، حقيقة أن الله رب العالمين تتظاهر وتتجلى بجُملة أحكام وتنبيهات وإلفاتات عجيبة كلها في موضوع القيمة، العدل والإنصاف والرحمة والوفاء والمُساواة والكرامة، لأنه رب العالمين، وهذا شيئ غريب، قال الله كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ ۩، قال أنا أعطي الكفّار وأعطي المُسلِمين، لماذا يا رب؟ قال في نفس الآية وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ۩، قال لأنني ربهم، ونحن فعلاً نشهد هذا، نشهد كفّاراً ملاحدة لا يُؤمِنون بالله ويعيشون مُستمتِعين وعندهم علم ويأخذون جائزة نوبل Nobel وما إلى ذلك، الله طبعاً قال لك هذه الدنيا ليس فيها مُشكِلة، لكن الفصل وما إلى ذلك في الآخرة بطريقتي أنا وليس بطريقتك أنت، أنت لا تفصل، أنت لا تعرف كيف تفصل، لا تعرف أبداً، ولا تستطيع أن تفصل، إياك أن تقول لفلان هذا بالذات في نار جهنم، إياك أن تقول هذا، أنت لا تدري، لا يعرف إلا الله وإلا مَن أخبر عنه الله مثل أبي لهب، الله قال هذا في نار جهنم ومن ثم نحن نقول أبو لهب في نار جهنم، أليس كذلك؟ أو أخبر عنه على لسان رسوله، أهلاً وسهلاً بهذا، لكن شخص كافر كيف نعرف؟ لعل يظهر له عذر عند الله يوم القيامة، أليس كذلك؟ ما علاقتنا نحن بهذه المسألة؟ هل هذه وظيفتنا؟ هذه مسألة تخص الله – عز وجل – الذي يحكم في عباده، إذن وضح هذا المعنى، نحن لم نُقرِّر التوحيد عملياً، لم نُكيِّف حياتنا وفق حقيقة أنه لا رب إلا الله، وأعود إلى المعنى الجميل، كما قلت سيكون أجمل معنى ربما، الآن هذا البطل الذي ربما تنظر إليه الأمم الأُخرى على أنه بطل لأنه مُنحاز للإطار والأُطر الأوسع هل تعرفون في المنظور الديني الذي أنا الآن بصدد شرحه مَن هو؟ مُؤمِن عادي، كيف؟ البطل هو مُؤمِن عادي، مَن ستراه الأمم بطلاً عظيماً يُخلَّد هو في المنظور الإسلامي الصحيح إذا فهمنا هذا الدين العظيم مُجرَّد مُؤمِن عادي، لماذا؟ ما معنى مُؤمِن عادي؟ ليس شرطاً أن يكون فيلسوفاً أو عالماً كبيراً بل قد يكون أُمياً ولكنه يتحقَّق بالإيمان نظراً وعملاً، وسأضرب لكم مثالين سريعين وإن كانت الأمثلة بالألوف.

المرحوم رجاء جارودي Ragaa Garaudy الذي كان إسمه روجيه Roger – رحمة الله عليه – كيف أسلم؟ هذا الفيلسوف الفرنسي العظيم هو منجم للفكر، ليس مُجرَّد مُفكِّراً وإنما هو منجم فكر رحمة الله عليه، لم ينقطع عن التأليف والنقد والانحياز للبشرية وللقيم إلى التسعين، أي قبل وفاته بيسير رحمة الله عليه، هل تعرفون ما هو السبب الأصلي كما حكى عن نفسه – عشرات المرات حكى هذا – لإسلام جارودي Garaudy؟ ليس الكتب الكثيرة التي قرأها عن الإسلام وحضارة الإسلام أبداً، جندي جزائري في الجيش الفرنسي، أنتم تعرفون أن المغاربة والجزائريين كانوا في الجيش الفرنسي بشكل عادي وتُقاتِل بهم فرنسا كرعايا لها بمعنى أو بآخر، على كل حال هذا جندي جزائري – رحمة الله على روحه الطاهرة- من هؤلاء الجنود القادمين، جندي عادي وقد يكون أُمياً في الجيش الفرنسي، وقع جارودي Garaudy – رحمة الله عليه – في الأسر، كان أسيراً وهو مُناضِل يساري، المُهِم صدر حكم بالإعدام في حق جاروديGaraudy، روجيه جارودي Roger Garaudy قالوا له إعدام وقالوا لهذا الجندي قم أعدِمه، فقال لا، ماذا؟ القائد الفرنسي قال له ماذا؟ أعدِمه، وطبعاً أكيد أن القائد الفرنسي حتى صُدِم، هذا ليس من أمتك وليس من عرقك وليس من دينك فأعدِمه، قال لا، قال لماذا؟ جارودي Garaudy قال أنا ذُهِلت، لماذا يُغامِر بنفسه ويكسر أمر القيادة؟ قال له هذا لم يفعل شيئاً في نظري يستحق الإعدام، هذا لم يُؤذِني ولم يُؤذِن أحداً هنا، هو مُجرَّد أسير مسكين، لماذا أعدمه؟ قال لأنني آمرك أن تأمره، قال لا، دينني يأمرني ألا أعدمه، الله، ابكوا الآن، حُقَّ لكم – والله العظيم – ولي قبلكم أن نبكي وأُقسِم بالله على هذا، هذا الجزائري قبل حوالي ستين أو سبعين أو ثمانين سنة وكما قلت لكم قد يكون أُمياً لا يفك الخط، وأُقسِم بالله يفهم الإسلام في جوهره أكثر من لحى تضرب إلى السُرر وتهتز وتُبيح قتل المشائخ والعلماء والأطفال والنساء أيضاً من أمة محمد وغير أمة محمد من البرءاء المساكين، مَن أفهم للإسلام: هذا الجندي الجزائري أم مشائخ اللحى العظيمة هؤلاء؟ لا والله العظيم هو، أُقسِم بالله هو، هذا فهم الإسلام الحق، ليس إسلام الأحقاد، أحقاد تُريد فقط أن تتنفَّس بإسم الفقه والتخريجات وقال فلان، هذه أحقاد، أشخاص مُلتاثون حاقدون يُعانون من أمراض عقلية ونفسية ووجدوا مثلهم مرضى ومجانين مُختلين يُبرِّرون لهم تنفيس الأحقاد وبإسم ماذا؟ بإسم الله، الله بريء منكم – والله العظيم – ومن أفكاركم، دمَّرتم الإسلام وذبحتموه، أنهرتم دم الإسلام، هذا الجندي قال له لا، أنت تقول لي أقتله لكن ديني يقول له لا أقتله، قال له اقتله وإلا ستُقتَل أنت، فقال له اقتلني، جارودي Garaudy صُعِق، ما هذا؟ قال كانت تلك اللحظة فارقة في حياتي، أدركت أن في دين هؤلاء الناس شيئاً استثنائياً، قال وبدأت أقرأ في الإسلام وانتهيت إلى الإسلام، هل فهمتم؟ لذلك هذا الجزائري الآن بطل أم ليس بطلاً؟ وفي نظر جارودي Garaudy – بطل الفكر جارودي Garaudy – بطل أم ليس بطلاً؟ أنا أعتقد لو سألت جارودي Garaudy مَن أعظم بطل رأيته صدِّقني سيقول لك جندي جزائري مجهول في الأرض معروف عند الله ولا أعرف إسمه حتى لكن هو كان سبب إسلامي، هذا أفهمني ما معنى أن يكون المُؤمِن مُؤمِناً بالله ويخضع ويُكيِّف نفسه وهواه وقد يضع حياته على المحك في سبيل أن يخضع للقيم الإلهية، قيم العدالة، سيقولون لك أرأيت عدنان إبراهيم ماذا يحكي؟ أرأيت ماذا يقول؟ هو لعّان، عدنان إبراهيم عدنان يلعن، حتى لما ذكر مَن قتلوا الدكتور العمراني والشيخ السويركي قال لعنهم الله، أرأيت اللعّان؟ أليس كذلك؟ ما شاء الله، يستكثرون علينا أن نتلو آيات الله، أنا حين لعنتهم لم أفعل إلا أنني تلوت آيات الله، قال – تبارك وتعالى – في سورة القتال “محمد” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۩ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ۩ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ۩، والله هو الذي قال في سورة النساء وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا ۩، بم قتلتم الشيخ السويركي؟ بم قتلتم الشيخ نادر العمراني؟ رحمة الله عليهما وعلى أمثالهم وهم بالألوف، وأنتم لم تُكفِّروا العمراني، قلتم لأنه مُخالِف، قال تعالى وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ۩، لم يكتف الله بلعنه، أنا على الأقل لعنتهم، الله لم يتكف بلعنهم، قال لهم ولهم ولهم ولهم، بالله عليك يا إخواني – سألتكم بالله – مَن يُؤمِن بهذا الكلام وبمُنزِله وبمَن عليه أُنزِل هل يُمكِن أن يتورَّط في سفك محجنة من دم امرئ معصوم الدم مُسلِماً كان أم غير مُسلِم بغير دليل قاطع؟ أنا في نظري هل تعرفون مَن هذا الذي يُمكِن أن يتورَّط في سفك محجنة دم بدليل قاطع أيضاً؟ الجلّاد، أنا ليس جلّاداً، لماذا أشتغل دور جلّاد، تباً لها من صناعة ومن مهنة، أليس كذلك؟ عندك المُفتي الخاص بالبلد وعندك القاضي والقُضاة ولجنة القُضاة وأحكام وأشياء وبعد ذلك يُوجَد جلّاد، أنتم اشتغلتم مُفتين وقُضاة وجلّادين فتباً لكم إلى آخر الدهر، تباً لكم، وكما أقول دائماً الذي يُذبَح ليس الدكتور فلان والشيخ فلان، الإسلام يُذبَح يا إخواني، كل يوم الإسلام يُصلَب بأيدي هؤلاء ولا يفقهون، ولا تجد مَن يُنكِر عليهم حق الإنكار لكي يهز الأمة وتستيقظ، يقول للأمة استيقظي، يا أخي الدماء عندنا يسيرة جداً جداً جداً، أنا قبل ست سنوات حكيت ماذا فعل مُعاوية في الأمة وكم ذبح من الأبرياء وقلت أنه ذبح حُجر بن عدي الذي ظل الصحابة الأوفياء وفي رأسهم أمنا عائشة – رضوان الله عليها – ينقمون على مُعاوية فعلته القبيحة هذه، أنه قتل صحابياً جليلاً كان يُسمى راهب أصحاب محمد، قتل حُجر بن عدي العابد الزاهد، وقتل معه خمسة آخرين، دفنهم أحياءً ولك أن تتخيَّل هذا، والصحابة كانوا يُنكِرون، فقيل الزنديق عدنان إبراهيم ينتقد سيدنا مُعاوية، حين قلت لهم يُوجَد حديث في أبي داود يُفهَم منه أنه كان يشرب الخمر جُنَّ جنونهم وانطلقت الألسنة قائلة يتهم سيدنا مُعاوية بشرب الخمر، جُنَّ جنونهم، وأنا جُنِنت في المُقابِل وقلت ما هذه الأمة المُخبَّلة في عقلها؟ نقول لكم قتل الأبرياء من الصحابة والتابعين ودمَّر الأمة فلا يطرف لكم جفن، وكأنه أمر عادي، حين تقول لهم الخمر يُجَّن جنونهم، وكأن شرب الخمر عندهم – وهذا فعلاً واقعياً – أفظع بكثير من سفك دماء المُسلِمين، وفعلاً هم يسفكون دماء المُسلِمين وغير المُسلِمين من الأبرياء ولا يستثنون ولا يتأثَّمون ولا يتحرَّجون، أليس كذلك؟ لكن مُستحيل أنهم يشربون قطرة خمر، اشربوا خمر الدنيا – يا ليتكم شربتم – واسكروا – يا ليتكم سُكارى – لكن لا تقتلوا، أُقسِم بالله يا ليت عزبت عنكم عقولكم، يا ليت ما وُجِدَت عقول لكم وسكتم على مدار الأربع والعشرين ساعة وكففتم شركم وإجرامكم عن أمة محمد وعن الأبرياء، أليس كذلك؟ تعرفون قصة ابن تيمية مع التتار، هم علَّمونا هذه القصة في كتبهم، ابن تيمية – شيخ الإسلام رحمة الله عليه – ماذا قال لما رأى جماعة من التتار سُكارى؟ لكن لابد أن تفهموا أن التتار كانوا مُسلِمين، انتبهوا إلى هذا، يُوجَد أناس لا يفهمون هذه المسألة، تتار ابن تيمية كانوا دخلوا في الإسلام أصلاً، التتار لما كانوا يقومون بمعارك ضد المُسلِمين ولما ذهب ابن تيمية وخاطب سُلطان التتار كان سُلطاناً مُسلِماً ويُصلي، افهموا هذا لكي تفهموا التاريخ، التتار في تلك اللحظة كانوا مُسلِمين، وظلوا في الإسلام لكنهم ظلمة، مثل ظلمة المُسلِمين الأصليين، فابن تيمية رأى جماعة تتار عندهم زِق خمر وقد شربوا حتى شبعوا وناموا وهم يُشخِّرون، فقال الشباب الأهبل الذين كانوا مع ابن تيمية ولا يفهمون جيداً يا شيخ عِظهم، نُريد أن نُوقِظهم وأن نقول لهم الخمر حرام، فقال لا، هم هكذا أفضل، اتركوهم سكرانين ومسطولين، وهذا هو كلامي بالضبط حتى لا يقول أحدهم الزنديق عدنان يسخر، هذه الحقائق لمَن يفهم، ابن تيمية – رحمة الله عليه – كان يفهم هنا، لماذا يا شيخ الإسلام؟ قال هؤلاء قتلة، هؤلاء عندهم السيف للقتل، يذبحون الأبرياء كالنساء والرجال وأئمة المساجد، هؤلاء أُناس مجانين، الأفضل أن يُترَكوا سكرانين، أنت عندك مفسدتان، مفسدة أن يشرب الخمر وينبطح وينام، ومفسدة أن يقوم ويكون مُستيقظاً ويذبحنا، مَن أحسن؟ قال الأفضل أن يظلوا كما هم، ونحن نقول لهؤلاء يا ليتكم شربتم خمر الدنيا – ليس خمر بابل فقط بل خمر الدنيا – وتركتم الناس من شركم والله العظيم، لكن إذا ذكرت الخمر وقلت مُعاوية يشرب الخرم يُجَن جنونهم، وحين تقول لهم قتل وذبح يضحكون وكأنه أمر عادي، لأن عندهم القتل يُعتبَر شيئاً عادياً، أرأيتم؟ هذا فقه الجريمة، هذا شيئ مُرعِب، هذه دلائل لمَن يفهم، والله لو جاء عالم سيكولوجي كبير من أجل أن يفهمنا ويُشرِّح سلوكنا لبهدَّل هذه الأمة وأُقسِم بالله على هذا، والله لو كتب فينا دراسة وعرف هذه الوقائع وما إلى ذلك سوف يقول ما هؤلاء الناس؟ أنتم تحتاجون قيامة، علماً بأن القيامة تقوم علينا، هل أنتم لا ترونها؟ قيامة العرب قامت، هل هى لم تقم؟ هل تخافون من ترامب Trump؟ هى قامت أصلاً، كم بقيَ من العرب؟ أين العرب؟ يسفك بعضهم دماء بعض ويقتل بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً ولا يزالون، نسأل الله أن يحقن دماء المُسلِمين ودماء العالمين ودماء الأبرياء في العالم كله وأن نستفيق ونستيقظ ونعود إلى رشدنا. اللهم آمين، لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ۩.
سنُنهي أيها الإخوة والأخوات وقد أطلت عليكم فسامحوني، إذن البطل عند الآخرين هو مُؤمِن عادي عندنا، المُؤمِن العادي يكون بطلاً، وهنا قد تقول لي ما هو سر بطولته؟ كيف صار مُؤمِنٌ عاديٌ بطلاً؟ وفي نظر أبطال الفكر أمثال جارودي Garaudy كيف نجح هذا؟ أنا أقول لك فقط لأنه تحقَّق بعقيدة أن الله وحده ووحده لا شريك له رب العالمين وإله العالمين، وهنا قد تقول لي ما علاقة هذه بتلك؟ لها علاقة طبعاً، لما جعل الله ربه وحده وإلهه وحده لم يتخذ نفسه إلهاً معه، لم يقل لكي أضمن حياتي سوف أقتل ليس جارودي Garaudy بل مليون جارودي Garaudy، سوف أقتل فرنسا كلها من أجل حياتي وسوف أُبرِّر بأنهم كفرة، لكن هذا لا يُمكِن، حياتي على المحك وسأبقى وفياً لحكم الله، أما بالنسبة لمصلحتي فلتذهب مصلحتي إلى الجحيم، ما رأيك؟ يُقال لك ماذا عن مصلحتك ورزق أولادك؟ يذهب رزق أولادي إلى الجحيم وأُقسِم بالله على هذا، تذهب النقود والشهرة وما إلى ذلكم إلى الجحيم، سأظل أُعلِن كمُؤمِن عادي بما يُرضي الله وبما أمر الله، إذا فعلت هذا ستكون في الدنيا والآخرة بطلاً بإذن الله، ستعيش صالحاً وتُبعَث يوم القيامة من الصالحين – وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۩ – بإذن الله، المثال الآخر كما قلت لكم هو أنني سمعت من قبل أحد الدعاة – فك الله أسره – قضى بضع سنوات في ستراسبورغ Strasbourg كيف دخلت امرأة أمريكية الإسلام بجواب فقط يسير جداً عن سؤالها، قال جاءت وهى مسيحية – لا أدري كاثوليكية أم بروتستانتية لكن هى في الأغلب أمريكية بروتستانتية والله أعلم – وقالت له أنت أيها المُحاضِر أنا عندي سؤال، أنا الآن في حالة سيئة جداً، لأنني فقدت عملي ولم يعد لي مصدر رزق، هل عندك حل؟ أنت تعظ وتتكلَّم في الناس بالدين، وكانت تسخر منه، فقال لها طبعاً، الحل موجود، قال تلوت عليها بعض الآيات، قال الله وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ۩ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ۩، وقال أيضاً وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ ۩، فضلاً عن أنه قال وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۩، وقال وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۩، وانظر إلى الإعجاز هنا، هذا قرآن يا حبيبي، هذه ليست لعبة، في سورة الأنعام قال مِنْ إِمْلاقٍ ۩ يعني ابنك عندك وحاصل الإملاق وأنت فقير الآن، فقال لك لا تقتله بسبب الفقر الواقع الحاصل، رزقك سوف يأتيك ورزقه، وأنت رزقك أهم وإلا أنت ستقتله لكن رزقك مكفول وبعد ذلك رزقه هو، أما بالنسبة لقوله وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ۩ فأنت الآن غني ووضع جيد لكنك تخاف مع كثرة الأولاد من أن تُملِق فتقتله، قال لك نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ ۩، رزقه سوف يأتي معه، يا أخي كل كلمة في مكانها، كل ضمير في مكانه، وقالوا هذا ليس قرآناً، هذا كلام رب العالمين، ثم أتى الحديث عن القدر ما القدر ققالت ما القدر؟ فقال لها كذا وكذا، قالت هل أنت مُتأكِّد؟ قال لها هذه عقيدة يا أختي، هذا ديننا، قال لها هذا الكون له رب يُسيِّره وهذا الرب ضمن الأرزاق وضمن الأعمار ولا يُقدِّم أحد عمر أحد ولا يأخذ رزقه وما إلى ذلك، قال وإذا بها تبكي، استهلت تبكي، قالت إذا كان هذا حقاً وهذا دينكم أُحِب أن أدخل في هذا الدين، قل لي كيف أدخل؟ قال على مرأى من الناس وكان مشهداً مُؤثِّراً جداً جداً جداً دخلت في الإسلام، أراحها جداً هذا، ولذلك – كما قلت لكم – نحن في نعمة – والله العظيم – يا إخواني ولكننا كفرناها، نحن في نعمة ولدينا كتاب وعقيدة ونبي ودين ومفاهيم من أروع ما يكون، وسلوا العبد الفقير، أنا قضيت حياتي وأنا أقرأ الفكر والإلحاد والفلسفات وفلان وعلان، طول حياتي أفعل هذا من صغري، لكن لا شيئ يُضارِع الإسلام – والله العظيم – يا إخواني، لا شيئ يُضارِع هذه الرؤية الكونية الإلهية العجيبة، لا شيئ إطلاقاً يا إخواني، كيف نُثبِت هذا؟ على كل حال جرِّبوه وذوقوه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (25/11/2016)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 3

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: