إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – من قائلٍ في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ۩ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ۩ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ۩ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۩ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، مفاتيح للخير، مغاليق للشر برحمتك يا أرحم الراحمين. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

ذكرت لكم مرةً سبب نزول هذا السياق الكريم، وهو على جهة الاختصار: حبرٌ يهودي من أحبار يهود مر بجماعة من الصحابة جلوس يتجاذبون أطراف الحديث في مودةٍ وإخاء فألقى بينهم كلماتٍ يُذكِّرهم بها بعض ما كان بينهم – أي الأوس والخزرج في الجاهلية – فاحتدم النقاش بينهم واضطرم نار الخلاف واشتد أوارها وهم بعضهم ببعض، فأنزل الله – تبارك وتعالى – هذه الآيات.

هذا السبب – أي سبب نزول هذه الآيات – مُهِمٌ جداً وخطيرٌ جداً معرفته، لماذا؟ لأن الآيات تبدأ بقول الحق جل مجده يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ۩، ليس كفراً بالله ولا كفراً بالنبوة والنبي ولا كفراً بالكتاب، فالكفر هنا بمعنى الفرقة، سمى الله هذه الفرقة كفراً والعياذ بالله، فالله سمى هذه الفرقة ونعتها بالكفر، ولذك قال أيضاً في آخر السياق وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩، ولستم بدعاً منهم ولستم استثناءً من قانون الله إن تفرقتم واختلفتم وبين أيديكم البينات، وهل أبين من كتاب الله؟ وهل أهدى من كتاب الله؟ وهل أضوأ وآلق من كتاب الله تبارك وتعالى؟ اللهم لا، اللهم لا، قال الله وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩، فهذا هو السياق الكريم.

عجيبٌ أن تختلف هذه الأمة تفاريق وأن تتوزعها المذاهب والطوائف والأفكار والنظريات والحزبيات وهى أمة الكتاب الواحد والنبي الواحد والقبلة الواحدة، هذا أمر عجب، لكن يبدو أنها عبر القرون وإلى اليوم لم تتطفن أنها تسير في طريق العذاب العظيم، قال الله كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ۩، فهم فرحون باختلافاتهم، وكلٌ يُقنِع نفسه وأتباعه وأشياعه أنه مُمثِّل الحق ومُفوَّض من رب العالمين على جهة القطع تقريباً ولا يمتري في أنه على الحق التام الكامل وأن الآخرين إن لم يكونوا كفاراً فهم إلى الكفر أقرب، فلا يكادون ينجون من هذه الورطة ومن هذه المحنة والعياذ بالله، وهذا شيئ مُخيف!
الإمام أحمد وقد مدحناه ببعض ما يستحقه – رضوان الله عليه – ثبت في محنة خلق القرآن وهى محنة ما كان ينبغي أن يُمتحَن مُؤمِن في هذه القضية لأن القضية اجتهادية، وهو حر يا أخي في أن يقول القرآن مخلوق أو غير مخلوق، والإمام أحمد كان يُمسِك عن القول في المسألة أصلاً ويقول هذه مسألة لا أصل واضحاً لها، لماذا أقول القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ هو كلام الله وكفى، وينتهي كل شيئ، ثم تطرق الأمر إلى أشياء أخرى، لكن بعد أن ثبت في المحنة – رضوان الله تعالى عليه – للأسف تقريباً جعل هذه المسألة وهى كما وصفتها ولست أتردد من سخاف المسائل – هذه المسألة سخيفة وهى مسألة اجتهادية والأمر فيها مُحتمَل – كأنها أس الدين ومحور الدين، وجعل يُعدِّل ويُجرِّح في الرواة والعلماء بناءً على موقفهم من مسألة خلق القرآن الكريم، فشذ وبالغ – غفر الله له ورضيَ الله عنه – وهذا لا يجوز.
أبو محمد بن خزيمة وهو من أئمة وفقهاء الشافعية ومُحدِّثي الشافعية الكبار يُؤلِّف كتاباً على طريقة الحنابلة على أنه شافعي في التوحيد وفي العقيدة ويُسميه كتاب التوحيد، ويأتي بعد ذلك بقرون الإمام العلَّامة المُجتهِد والأصولي الكبير الفخر الرازي صاحب التفسير الكبير مفاتيح الغيب والمُتكلِّم الشهير طبعاً فيصف هذا الكتاب بكتاب الشرك، يقول ليس هو كتاب التوحيد، والرازي شافعي لكنه أشعري في الأصول، وهو شافعي في الفروع كابن خزيمة، وابن خزيمة على طريقة المُحدِّثين وطريقة الحنابلة، لكنه يصف كتابه بكتاب الشرك، وهذا تشدد أيضاً لا نرضاه، كما لا نرضى أن يُوصَف بالشرك مَن خالف ابن خزيمة في بعض أو في كثير مما أورده في كتابه وأراده أن يكون ديناً للأمة وتوحيداً خالصاً، فهذا لا يجوز يا أخي لأن هذه مسائل اجتهادية، فأكثر ما أورده مسائل فيها مجال لنظر وفيها مسارح للنظر والفكر، فلا تُلزِم الأمة بهذا وتقول هذا هو التوحيد ومَن خالفه أشرك، كابن القيم – رحمة الله تعالى عليه – حين وصَّف المُعطِّلة بما لا يصح، ومَن هم المُعطِّلة؟ الجهمية، ومَن هم الجهمية؟ المُعتزِلة من عند آخرهم والأشعرية أو الأشاعرة، أي المالكية والشافعية فضلاً عن الماتريدية الحنفية، فكل هؤلاء مُعطِّلون، فكيف ينظر العلَّامة الكبير ابن القيم تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية – غفر الله للجميع ورضيَ عنهم وسامحهم وأثابهم – للأشاعرة والماتريدية؟ أي للمالكية والشوافع والأحناف جملة واحدة، وهؤلاء بالنسبة لأهل السُنة والجماعة أكثر من تسعين في المائة، بل في الحقيقة أكثر من خمسة وتسعين في المائة من أهل السُنة والجماعة هم مالكية وشافعية وحنفية، ويبقى خمسة في المائة حنابلة، أليس كذلك؟ فكيف ينظر إليهم ابن القيم؟ يقول إن المُعطِّلة بالعداوة مُعلِنٌ، أي هؤلاء أصبحوا أعداء لله ولرسوله، وفيهم العلماء والصلحاء والعارفون بالله والمُجاهِدون والأئمة الكبار وأهل الذكر وأهل الاستبصار، فكل هؤلاء أصبحوا مُعلِنين بالعداوة لله ولرسوله ولدينه، وهذا أمر عجيب، ثم يذكر أن كفرهم – والعياذ بالله – أغلظ وشركهم أغلظ من شرك المُشرِكين، وهذا غير معقول يا ابن القيم، لذلك بنفس المنطق السائد هذا جُزيَ ابن القيم جُزِى بشيئ من جنس فقهه ومن جنس علمه، فحُكِم عليه بالكفر والزندقة وضُرِب طبعاً وما ينبغي أن يُضرَب إمام كابن القيم، لكنه ضُرِب وأُركِبَ على حمار وجُرِّس وسُجِن مع شيخه ابن تيمية، فأنت كفرَّت وكُفِرت، لأن هذه أمة يُكفِّر بعضها بعضاً، علماً بأنني لا أتحدَّث عن سُنة وشيعة فانتبهوا، حتى الآن أنا أتحدَّث عن سُنة فيما بين بعضهم البعض، وهذا شيئ عجيب ومُخيف، فهذه الأمة إذن مُصِّرة إلى اليوم على أن تتفرق، وإلى ما قبل وقت يسير جداً كنا نُصدَّع ونُحبَط ونُعنَّى بلوثات التكفير، فهذا يُكفِّر هذا وهذا يُكفِّر هذا، ويُقال هذه الطائفة كافرة وهذه الطائفة زنديقة وهذه الطائفة خارجية وهذا العالم كافر وهذا العالم زنديق، لكنه كان تكفيراً بلا قتل وبلا دماء، أما اليوم فهو تكفير ودماء، تكفير وحروب، تكفير وذبح، تكفير ونحر بإسم الله، ويُقال الله أكبر، كما نحر خالد بن عبد الله القسري ضحيته عند المنبر قائلاً وأنا أُضحي بالجعد، وذبحه عند المنبر – عند منبر المُصلى – في صلاة عيد، فهو يتقرَّب إلى الله بدم إنسان مسلم مُوحِّد ومع ذلك يُقال اجتهد، لكن ليت شعري، قال الله وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ ۩، فموضع النزاع الآن والسؤال المُهِم هنا هل لدينا البينات؟ لأن قد يُقال ربما يا أخي ليس لدينا بينات، الله أكبر، وهذه عظيمة داخلة في باب من أبواب الكفر – والعياذ بالله – صراحةً وخارجة من باب من أكبر أبواب الإيمان، فهذا خروج من الإيمان، كيف؟ القرآن هو البينات، القرآن هو الهداية، ما المقصد الأساسي والرئيس للقرآن الكريم؟ الهداية، قال الله ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ۩، هذا الكتاب أُنزِل لا لكي يُدرِّسنا أشياء ويُعلِّمنا ويقف بنا على حقائق في علم الكوزمولوجيا Cosmology وفي علم الفيزياء وفي علم النبات وفي علم الفسيولوجيا Physiology والإعجاز العلمي، هذا غير صحيح، هذا الكتاب أُنزِل أساساً للهداية، ما المقصود بالهداية؟ التي هى طريق الجنة، قال الله اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ۩ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ۩، ومَن هم المُنعَم عليهم أساساً؟ الأنبياء في رأس قائمة المُنعَم عليهم، قال الله وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ۩، فرأس المُنعَم عليهم هم النبيون، والنبيون بماذا أرسلهم الله تبارك وتعالى وجل مجده؟ مُبشِّرين ومُنذِرين، مُبشِّرين بماذا؟ ومُنذِرين مَن؟ مُبشِّرين المُؤمِنين بجناتٍ لهم فيها نعيمٌ مُقيم و برضوانٍ من الله تبارك وتعالى، هذه هى البُشرى، فهم يُبشِّرنوهم بالجنة وبحسن الثواب وجميل الجزاء وحسن اللقاء من الملك المُقتدِر العلي الأعلى – لا إله إلا هو – الولي المولى، هذا هو إذن، ومُنذِرين مَن كفر وشاكس وناكد وجحد عذاباً شديداً، إنه نارٌ تلظى لا يصلاها إلا الأشقى، هذا هو إذن، وهذه هى الهداية، لذلك الناس اليوم يتساءلون باستغراب وباستنكار وباستهجان وبإحباط لم هو عالم دين ويسعى هذا السعي؟ لم هو عالم دين ولا يستقيم؟ لم هو عالم دين ويُخالِف فعله قوله؟ لم؟ قال الله كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ۩، لم هو ممقوت هذا المقت كله؟

الناس لا يستغربون ولا يستنكرون ولا يُثرِّبون على طبيب أسنان أسنانه ليست جميلة وليست حسنة الصف – أي الإصطفاف – فهذا أمر عادي وطبيعي، ولا يُثرِّبون على طبيب أسنان يُدخِّن على مدار الأربع والعشرين ساعة وأسنانه صفر وقحراء وله فم أبخر، فلا مُشكِلة لديهم في هذا، وهذا أمر عادي، ولا يستغربون من طبيب عيون أعشى العينين ولا يكاد يُبصِر، فهذا أمر طبيعي، هل تعرفون لماذا؟ لكن يستغربون من عالم دين لا يكون قدوة ومن عالم دين ليس صادق اللهجة وليس حسن الالتزام، ويغضبون ويُحبَطون وأحياناً يُلحِدون ويكفرون بالدين، ولذلك من هنا وصف الله – تبارك وتعالى – فرقة هذه الأمة بالكفر، فانتبهوا وافهموا كتابكم وفكِّروا في كتاب ربكم جل مجده، فالفرقة تقود إلى الكفر ولذا سماها كفراً مجازاً لكن الآيات فيها نُكتة لطيفة جداً أيضاً، هى كفر مجازاً، كفر بأعظم نعمة بعد الإيمان وهى نعمة الوحدة، ونعمة الأخوة، قال الله فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ۩، وهو كفر بهذه النعمة، لكن هذا أيضاً يجر إلى الكفر العقدي وإلى الكفر بالله واليوم الآخر طبعاً، وهذا ما يحدث حين يُحبَط الناس، يحدث الآن حين يُحبَط الشباب والشابات من مسالك علماء الدين وحسابات علماء الدين وتسيس وتسييس علماء الدين، وكلٌ يُغني على ليلاه، فآخر همهم الإسلام الحق وآخر همهم أمة محمد، وطبعاً يقول الواحد منهم نحن أمة محمد، مَن أنت؟ هذه جماعة بسيطة ويعتبرون أنفسهم أمة محمد، ويقولون هؤلاء كفار مُشرِكون، هؤلاء أهل الشرك والكفر، وكلٌ يُغني على ليلاه، فهذا يُكفِّر هذا وهذا يُكفِّر هذا، واجعلوا هذا ينفعكم يوم القيامة، وهو طبعاً سيُدمِّركم في الدنيا – وهو الآن يُدمِّرنا – ولن ينفعكم يوم القيامة، قال الله وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩، لأن البينات بين أيديكم والقرآن الكريم موجود، واختلفتم وأبيتم إلا أن تختلفوا، ولم تكتفوا بأن تختلفوا بل جركم ذلك إلى أن تتكافروا، فيُكفِّر بعضكم بعضاً، ثم لزكم هذا التكافر إلى التذابح والعياذ بالله تبارك وتعالى، فماذا بقيَ لكم؟ ماذا بقيَ لكم من رضوان الله؟ أنتم في حال سُخطة وأنتم في حال لعنة وفي حال ملعونية والعياذ بالله تبارك وتعالى.

إذن قال الله إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، ومعنى قوله لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩ أن القرآن كتاب هداية، ولذا نستغرب أن يكون عالم دين وليس مُلتزِماً أو عالم دين وليس صادقاً أو عالم دين وليس مُخلِصاً وليس تقياً وليس ورعاً و ليس ينطلق في كل قوله وفعله من قصد وجه الله تبارك وتعالى، لا وجه الشرق ولا وجه الغرب ولا وجه الجماعة ولا وجه الحزب ولا وجه الطائفة، ولذلك أنا أقول لكم هذا العالم الحق إن وُجِد له علامة، وهى أنه يُغضِب الجميع، لا يرضى عنه أحد من الذين عبدوا الطوائف والمذهبيات وسُيِّسوا وكانوا رهناً – أداة مرهونة – بيد الساسة، فهو لا يُعجِبهم ويرمونه عن قوسٍ واحدة، هؤلاء يرمونه وهؤلاء يرمونه وهؤلاء يلعنونه وهؤلاء يلعنونه ويُكفِّرونه، لماذا؟ لأنه لا يتقصد وجوههم، هو لا يقصد وجوهههم ولا منافعهم ولا حساباتهم، هو يقصد وجه الله تبارك وتعالى، قال الله وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ ۩، ولذا هو مُلتزِم بالحق والحقيقة، لأن الله هو الحق، والحق من عند الله، هذا هو فقط، ولذلك هو بدأ البداية الصحيحة، بدأ من النية صحيحة، فبعد ذلك المسلك لا جرم يظل صحيحاً، فمهما كانت المُشاكَسات والمُعوِقات والمُغريات والترغيب والترهيب يظل – بإذن الله تبارك وتعالى – صحيحاً، قال الله إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا ۩، لأن الله علم من قلبه أن أول حسابه كان حساب أن يُرضي الله وليس أن يُسمِع طائفته ما يُرضيها، وما تُحِب الطائفة، فيُقال إياك أن تُخالِف عن أهواء الطائفة وعن أهواء الجماهير التي تعودت أن تنتشي بهذا الخطاب المسموم المُسمِّم، وهو مُسمَّم ومُسمِّم والعياذ بالله، يُسمِّم الأرواح ويُسمِّم العقول، وسمَّم الأجواء والبلدان وقسَّمها فانتبهوا، نحن على طريق التقسيم، نحن على طريق الخارطة الكُبرى للشرق الأوسط الجديد، ستُقسَّم كل هذه اليلاد فانتبهوا، ونحن نسير في هذا، واليوم على هؤلاء وغداً على أولئك وأولئك وأولئك، فلا تُوجَد دولة مُستثناة، وهذا ليس كلامي وعودوا إلى مواقعهم، أي مواقعهم العالمية الرسمية التابعة للحكومات العالمية، فكلامي هذا ليس تحليلاً، ومن ثم هذه معلومات وليس تحليلاً وليس رأياً، وإنما معلومات وهم جهيرو الصوت بها ويُردِّدونها صباح مساء ويقولون هذه خُطتنا، نحن نُريد شرقاً أوسطاً جديداً مُقسَّماً إلى دويلات كثيرة جداً جداً جداً مُتحارِبة على أساس طائفي بالذات وعرقي أيضاً، وهذه مُصيبة، وما شاء الله العلماء يخبون ويضعون في هذه الطريق باجتهاد وبحماس ويخدعون العوام عن الحقائق المرة الكالحة المُكفهِرّة.

إذن القرآن هو البينات وهو يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، وأول ما ينبغي أن تُهدى فيه الأمة طريق خلاصها، وبالذات الخلاص الأخروي، ويأتي بعد ذلك الخلاص الدنيوي، لكن طريق خلاص الأمة وطريق خلاص المُؤمِنين وطريق خلاص المسلمين كيف يكون؟ أول ما يكون يكون بتبيان معاقد الدين، أليس كذلك؟ لكي نعرف مَن هو المُؤمِن ومَن هو الكافر وأين حد الإيمان من حد الكفر، لأن يجب أن نعرف هذا، ففهل قام القرآن بهذا المُهِم؟ من غير تفكير هذا أول ما كان ينبغي أن يُنجِزه القرآن الكريم، وقد أنجزه في الفترة المكية وفي الأيام الأولى، وهو أنجزه بشكل واضح، وقال لك الإيمان شيئ سهل وميسور ومحدود، أن تُؤمِن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا مذكور في كتاب الله، قال الله بشكل واضح جداً جداً في سورة النساء الآية التي ذكرناها مئات المرات وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ۩، وذكرنا عشرات المرات أيضاً قوافل البقرة التي تقول آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ۩ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ۩، فالآية تقول ربنا، ربنا، ربنا، وحدثتكم مائة مرة أن في صحيح مسلم عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى قد فعلت، قد فعلت، قد فعلت، فالله قال هذا، أي قالقد فعلت، والآن السؤال كما ذكرت مرة في خُطبة عن هذا الموضع بالذات هو هل نحن معاشر أهل السنة ونحن أشاعرة وماتريدية وحنابلة آمنا بهذه الأشياء؟ اللهم نعم، آمنا به، فإذن قد فعل الله لنا، مَن آمن بها – إن شاء الله – هو المُؤمِن وسيُخلِصه الله من الورطات – بإذن الله تعالى – خاصة ورطات القيامة، لكن هل آمن بها المُعتزِلة؟اللهم نعم طبعاً، ولم يُشكِّكوا في ركن واحد منها، هل آمن بها الزيدية والإمامية والخوارج؟ كلهم آمنوا بها بفضل الله، هل آمن بها الإباضية؟ كلهم بفضل الله، فكل أهل القبلة هذه أركان إيمانهم، ووالله لا تجد فرقة من هذه الفرق شكَّكت في ركن من هذه الأركان وقالت لا نُؤمِن بالكتب أو بالرسل أو ببعض الرسل ففرَّقت بين الله وبين رسله أو باليوم الآخر – حاشاها – أو بالملائكة، كل الفرق لم تفعل هذا، ولكن انتبهوا لأن لكي يكون القرآن هدايةً تامة وكاملة لا يجب أن تكون هناك هداية ضرورية خارج القرآن الكريم، قال الله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ۩، هذا هو القرآن، ولا تُوجَد هداية ضرورية خارج القرآن الكريم، فالهداية الضرورية والهداية اللازمة للنجاة كلها في كتاب الله، وهذا ليس كلام عدنان، هذا كلام الله – تبارك وتعالى – في عشرات الآيات، ومع ذلك قد تقول لي هذا لا يكفي، لكن لأوضح لكم حتى لا أنفعل مزيد انفعال اسمحوا لي أن أقول أن القرآن الكريم حين يأتي بهذه الأسس وبهذه الأركان وبهذه المعاقد للدين والإيمان فبلا شك أنه في آياتٍ أُخريات يأتي بلواحق وربما بضمائم وبتفصيلات لهذه الأركان، وأنا أقول لكم أن كل ما أتى به القرآن من تفصيل على جهة القطع في الدلالة – تفصيل نقطع بدلالته – لابد أيضاً أن يُعتبَر من الضمائم الضرورية، فتُلحَق بأسها وبركنها ضرورةً، ولأضرب لكم مثلاً حتى تروا الحقيقة، علماً بأن الطريق أسهل مما نتخيَّل، أشهد بالله أن هذا الدين أسهل وأوضح وحجته أبين ومحجته أظهر وألحب مما حاول – غفر الله لهم جميعاً من جميع الفرق – هؤلاء وأولئك أن يُشوِّشوا به وأن يُعكِّروا صفوه، ومع ذلك يُقال هناك أشياء مُعقَّدة، وهذا غير صحيح فلا تُتاجِروا بالدين، الله أغنى عنكم وأغنى عن كتبكم وعن فلسفاتكم وعن اختلافاتكم حين أكمل الدين وأتم النعمة، أليس كذلك؟ حين تم القرآن العظيم أغنى الله عنكم، فالله لم ينتظر أن يأتي الشيخ فلان والعلَّامة فلان والطائفة الفلانية أو الحزب الفلاني لكي يُكمِل الدين ويشرح لنا أشياء ضرورية الله كأنه أسقطها – أستغفر الله العظيم، أستغفر الله وأعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان – أو غفل عنها أو تركها وجاء العلَّامة الكبير النحرير يُؤكِّدها، فهذا غير صحيح، الهداية كلها تامة كاملة في كتاب الله، فيما سيتعلق – كما قلت لكم – بأصول الدين وبأركان الإيمان التي كان الرسول – جزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته وصلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – يُعلِّمها لمَن أراد الدخول في الدين في جلسة واحدة، فالنبي يفعل هذا في جلسة واحدة، يقول هل تُريد أن تعرف ديني ورسالتي؟ رسالتي تتلخَّص في واحد واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وانتهى الأمر، هذا هو الإيمان، ويبقى الشخص مع الرسول لساعة أو ساعتين أو ليلة أو ليلتين ثم يعود ليُصبِح داعي قومه إلى الله، الله أكبر يا رسول الله، لم يأخذ مساقاً دراسياً أو عشرين فصلاً دراسياً – سيمستر Semester – أو خمسمائة فصلاً دراسياً – سيمستر Semester – أو ثلاثين سنةفي علم الكلام وعلم الأصول والفلسفات هذه أبداً، جلسة واحدة ويعود يُعلِّم قومه الدين، وهذا هو الدين، هذا الدين الذي أبت أمة محمد عن قصد وعن تعمد وعمن إصرار وشغف ووله وتتيم وعشق إلا أن تجعله مِزقاً وتفاريق وأحاجي وألغازاً وطلاسم، ثم تفرقت وصارت في التية Labyrinth، والآن ولا تعرف الآن كيف تخرج، فهذا – كما قلت لكم – يُكذِّب هذا وهذا يلعن هذا وهذا يُكفِّر هذا وهذا يقتل هذا، والآن الأمة لا تعرف كيف تخرج، والكل مُعتصِم بأنه على الحق وفرح – ما شاء الله – بنفسه، كأن الله بعث محمد علشان لكي ينقذه هو فقط، وتهلك هذه الأمة كلها وهى مُوحِّدة تُحِب الله ورسوله وكتابه وتُحِب أن تنجو في الآخرة، فشفا الله علماءنا مما هم فيه، شفا الله علماءنا ومشائخنا مما هم فيه وفتح الله أبصارهم وبصائهم ليُدرِكوا هذه الهداية المردودة، وهذا عنوان خُطبة اليوم “الهداية المردودة”، وهى القرآن، هذه هداية رددناها على الله وأبينا أن نهتدي بها وطرَّقنا لردها ألف طريقٍ وطريق، طريق إسمه كذا وطريق إسمه كذا وأتينا بالأحاديث والإجماع والفلسفات وعلم الكلام دون فائدة، والقرآن أصبح ليس كتاب هداية، لكن لا يُمكِن لمسلم عادي أن يكون كذلك، وأنا أقول لكم أنني أستخرج قواعد الإيمان من كتاب الله، لكن يُقال للواحد أين هذا؟ أين قواعد الإيمان يا مسكين ويا مُغفَّل؟ أين هى يا بابا؟ تُوجَد خمسون ألف مسألة غير موجودة في كتاب الله وهى من قواعد الإيمان ومن أصول الدين، وأصول الدين ليس فيها أي أصول أو فروع، فهى كلها أصول، وهذا هو منهج السلف وهذه هى طريقة السلف، يا ما شاء الله، سوف نرى هذا، ولأضرب لكم مثلاً أو مثلين لأن بالمثال يضح المعنى.

في القرآن الكريم قال الله كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ ۩، فيجب أن نُؤمِن بالكتب، لكن ماذا تعرفون عن الزبور؟ بعضكم يعرف أنه يُؤمِن به لكن بعض الناس لا يعرف أنه كتاب داود، ولا يعرف هل هو جزء من العهد القديم أم ليس جزءً منه، هو لا يعرف أي شيئ ولكن يؤمِن فقط وهذا كافٍ، هو يُؤمِن لأن الله قال وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۩، فهذا الكتاب مذكور في كتاب الله، الله أعطاه الزبور، وهذا الكتاب – أي الزبور – أنا غير مُتعبَّد به لكي أعرف تفاصيله، فيكفي أن أُؤمِن به فقط، لكن لو قال أحدهم الله قال وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۩ ثم قال هذا غير صحيح فإنه يكفر، لأنك رددت على الله، كيف تقول لا؟ هذا صحيح رغماً عنك إن كنت مُؤمِناً، فإن كنت مُؤمِناً طوعاً أنت تُقِر أن داود أُوتيَ الزبور، وإن أنكرت هذا فقد كفرت، لأن هذا نص، الله يقول وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۩، هذا نص قاطع لا كلام فيه، والزبور هو كتاب داود وانتهى الأمر، وكذلك الحال مع كتاب موسى وكتاب عيسى وصحف إبراهيم وإلى آخره، فهذا هو القرآن العظيم، لكن هناك خلق القرآن وإعجاز القرآن ومذهب الصرفة وغير الصرفة والإعجاز الذاتي وغير الذاتي وقضايا فلسفية مُعقَّدة جداً جداً جحداً أفنينا فيها أعمارنا طبعاً، حين كنا صغاراً كنا نقرأ هذه الأشياء وظللنا نفعل طيلة حياتنا إلى اليوم.

باختصار لا يكفي أن تقول أنا أُؤمِن بالقرآن، هذا لا يكفي لأن يجب أن تُؤمِن أيضاً بأسس وتفصيلات أتى بها القرآن عن القرآن، لكن ما هى؟ تفصيلات بسيطة أيضاً وميسورة، فيجب أن تُؤمِن بأنه كلام الله، قال الله فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ۩، فالقرآن إسمه كلام الله، الآن هل كلام الله هو كلام عبارة عن حروف ونظم وكلمات وجمل وتقطيعات وفصل ووصل ومطلع ومقطع – كما يُقال – تُعبِّر وهى مخلوقة عن الكلام النفسي القديم؟ قد تقول لي ما هذا الكلام؟ وأنا سوف أقول لك هذه عقيدة الأشاعرة على أساس أنا أشعري شافعي، لكنك قد تقول لي هذه أول مرة أسمع به، وأنا أقول لك ليس من الضروري أن تسمع به، يكفيك أن تقول القرآن كلام الله، هل كلام الله مخلوق خلقه الله – تبارك وتعالى – وأحدثه في ظرف من الظروف كما أحدث كل شيئ؟ هل حين كلم الله موسى أحدث كلاماً وخلقه في الشجرة، فهو كلام مخلوق في الشجرة وليس صوت الله مُباشَرةً لأن الله ليس له صوت، أم أنه صوت الله وكلام الله حقيقةً؟ هناك مذاهب ثلاثة مشهورة في المسألة، ولا عليك أن تخوض هذه المعمعمة، أنا أنصح لك وأقول لا عليك من هذا، لا تُصدِّع رأسك ولن تستفيد، لكن قد يقول لي أحدكم أنه مُتخصِّص وفي هذا الحالة أقول له إذا كنت مُتخصِّصاً يجب أن تقرأ هذا وسوف تعرف طبعاً مثل هذه الخلافات الثيولوجية عند النصارى وتدخل في ورطة كبيرة ولا مُشكِلة في هذا، هذا ليس عيب لأنه تخصص، فمثلما يُوجَد مُتخصِّص في الإلكترونيات هذا مُتخصِّص هذا في الكلاميات، فهذا تخصص يُحترَم لكن إياك أن تجعل هذه الأمور مناط كفر وإيمان، لا تقل سأُكفِّر مَن لم يُؤمِن بالنظرية الأشعرية، كيف تكفِّره يا جاهل؟ كيف تُكفِّره يا تائه يا مسكين؟ أنت تُغامِر بدينك، هل تُكفِّر الأمة؟ لا تقل مَن لم يُؤمِن بالمنظور الحنبلي سأُكفِّره أو مَن لم يُؤمِن بالمنظور المُعتزِلي – وهو الزيدي والإمامي الاثنا عشري والإباضي لأن كلهم على نفس الطريقة – سأُكفِّره، هذا غلط وغير مذكور في كتاب الله، ائت لي بآية قطعية تقول أن القرآن كذا وكذا كما قال أبو الحسن وكما قال عبد الجبار وأبو هاشم بن أبي عليّ وأبي عليّ الجبائيين، هذا غير موجود، هذا كلام فارغ وكذب على الله وتقول على الله، هذه ضمائم ومُلحَقات -Appendices – مُضافة ومُلحَقة بكتاب الله وليس لي علاقة بها، أنا أُؤمِن بأنه كلام الله، لكن الدخول في معاوص مُشكِلة الكلام ليس من هدي القرآن، القرآن ما هدانا لهذا، ما هدانا لأن ندخل في هذه المعاوص، فهذا ليس شرطاً والحمد الله، لكن هل كل الطوائف تُؤمنِ بأن القرآن كلام الله؟ نعم كلها والحمد الله وهذا كافٍ، فهى أخذت بهذا التفصيل إذن ولم تُنكِره، وهذا أولاً.

ثانياً كلام الله المُنزَّل على قلب محمد، صلى الله على محمد وآل محمد، قال الله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۩ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۩، لم ينزل على عليّ أو على عمر أو على غيرهما، وإنما نزل على محمد وعلى قلب محمد، قال اللهنَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۩ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۩، فهل كل الطوائف تُؤمِن بهذا؟ اللهم نعم، تُؤمِن به، لكن الآن التفاصيل المُتعلِّق بكيف نزل وكيفية النزول وهذه المعاوص لا عليك ألا تدخل فيها، اتركها لأنك لا تحتاجها، والتفاصيل التي تتعلَّق بهل نزل جُملةً واحدة من السماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم نُجِّمَ بعد ذلك من بيت العزة في السماء الدنيا على قلب محمد في ثلاث وعشرين أو في عشرين أو في إحدى وعشرين أو في خمس وعشرين سنة لا عليك أن تعرف هذا، فهذا ليس من عام العلم أو من علم العامة كما سماه إمامنا أبو عبد الله الشافعي، وإن شاء الله لا أنسى شيئاً هاماً، فالشافعي تكلم كلاماً جميلاً عودوا إليه لأنني أنصحكم به، في كتاب الرسالة خاصة بتحقيق العلَّامة المصري المُحدِّث أحمد شاكر في آخر الكتاب – باب العلم من كتاب الرسالة – قال كلاماً جميلاً، فالشافعي تحدَّث عن نوعين من العلم وهو يُجيب سائله، قال له يُوجَد علم إسمه علم العامة – علم عامة – لا يسع بالغاً غير مغلوبٍ على عقله جهله، فالأمر فيه ضيق، ومن ثم يجب أن تعلمه، ثم شرحه وضرب عليه أمثلة -الإمام أبو عبد الله الشافعي رضوان الله عليه – بعد ذلك، لكن ما هو علم العامة؟ بالتقريب وبكلمة واحدة نقول أن علم العامة هى المسائل الإجماعية التي تواطأت الأمة كلها عليها وهو منصوص في كتاب الله بطريقة قطعية لا يختلف فيها التأويل، فهؤلاء اختلفوا لكنهم لم يختلفوا في هذا العلم، لا مُعتزِلي ولا خارجي ولا شيعي ولا زيدي ولا سُني وأشعري ولا أحد، لم يختلفوا في هذا، فضلاً عن أشياء مروية عن رسول الله ليسوا يتنازعون فيها ولا يردون فيها خبراً، أي أحاديث مُتواتِرة ثابتة عند كل الأمة، مثل فرض الصلوات الخمس – وهو ضرب أمثلة بالفروع – ومثل وجوب الصيام ووجوب الزكاة ووجوب الحج وحرمة شرب الخمر وحرمة الزنا وحرمة السرقة وما إلى ذلك، فهذه أشياء الأمة – بفضل الله – تطابقت وتسالمت عليها، ولذلك هى تُرسِلها إرسال المُسلَّمات ولا تُناقِش فيها، فليست تمتري فيها هذه الأمة المرحومة، وهذا هو علم العامة، فهو لا يقبل التأويل لأنه قطعي، أي بلغتنا بعد ذلك وبلغة الأصول – والكتاب في الأصول – قطعي الورود لأنه في السُنة المُتواتِرة أو المُستفيضة، وفي كتاب الله المُتواتِر طبقياً وقطعي الدلالة، فنقطع على غيب معناه، لأننا نعرف ما هو معناه ولا نختلف عليه، ثم ماذا يا أبا عبد الله؟ قال يُوجَد علم الخاصة، ما هو علم الخاصة؟ علم تخصص يعرفه علماء دون علماء بحسب التخصص، وقال هذا يسع جهله على عكس العلم الأول، فهذا هو أبو عبد الله الشافعي، يا ليت نفهم فهم هذا الرجل، قال العلم الأول مُلزِم لنا وهو علم ظاهر وباطن، لكن ما معنى علم ظاهر وباطن؟ علم باطن أي يُوجِب علماً ويجب اعتقاده ومَن أنكره كفر، وعلم ظاهر أي يجب العمل به، الجزء الذي فيه مُتعلِّق بالفروع، فهذه علميات يجب أن نعمل بها، فيجب أن نصوم وأن نُصلي وأن نُزكي وما إلى ذلك، فضلاً عن أن نعتقد وجوب هذه الأشياء، وكذلك في الأصول لكن الأصول ليس فيها عمليات، لكن فيها علميات كما يُسمونها ونظريات، فيجب أن نعتقد وحدانية الله وما إلى ذلك، إلى آخر الأصول المنصوص عليها بطريق القطع وروداً ودلالة، ثم ضرب لعلم الخاصة مثلاً إمامنا الشافعي بآيات الجهاد وساق جُملةً طائلة منها، فساق جُملة طائلة ومُبارَكة من آيات الجهاد في ظاهرها يُوجَد اختلاف، فهذه تتخالف مع هذه وما إلى ذلك ومن ثم ما عدنا نعرف متى يكون الجهاد فرضاً على الأعيان ومتى يكون فرضاً على الكفاية ومتى كذا وكذا، وقال الشافعي هذه الأشياء بعد أن ضرب بها مثلاً تهم المُتخصِّصين ويختلفون فيها ويسع فيها الخلاف، وهى علم ظاهر وليست علم باطن، فلا ينبغي عليك أن تعتقد اعتقاداً ما وإذا أنكرته تُستتاب وإلا فأنت كافر، فالإمام الشافعي رفض هذا وهذه نظرية مُمتازة، ولكن الأمة طبعاً ضربت عنها كشحاً وضربت عنها ليتاً كما يُقال، ونعود إلى ما كنا فيه!
إذن الأمة كلها آمنت أن القرآن نزل على قلب محمد، لكن لا يهم – كما قلت لكم – كيف نزل وكيفية النزول وكيف تلقاه جبريل، فهذه إحدى العويصات، أي عويصات المسائل، فكيف تلقاه جبريل عن رب العزة؟ هل تلقاه بطريق مُباشِر أم سمعه أم لم يسمعه أم أُلقيَ في روعه أم غير هذا؟ لكن ما دخلنا في هذه الا فتراضات؟ والله لو كان فيها خير لهذه الأمة لذكرها الله نصاً في كتابه، أليس كذلك؟ ما علاقتك أنت بأن تدخل في غيب الغيوب فتبحث في كيف جبريل تلقاه عن رب العزة؟ هذا لا يهمنا.

إذن هو كلام الله المُنزَّل على قلب خاتم الأنبياء والمُرسَلين، وهو مُتعبَّد بتلاوته، فلم يقل أحد من الناس أنه لا يُتعبَد بتلاوته، الأمة أجمعت على هذا، فهو مُتعبَّد بتلاوته، ولذا نقرأه في الصلوات، أليس كذلك؟ وبعد ذلك هو المُعجِز، قال الله قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ۩، والله يتحداهم بعشر سور وبسورة من مثله لكنهم عجزوا وانقطعوا وأُفحِموا من عند آخرهم، وكل الأمة تعلم أن القرآن مُعجِز، فأنا لم أعرف طائفةً من طوائف المسلمين أنكرت أن القرآن مُعجِز، لكن كيف هو مُعجِز وتفسير الإعجاز وتعليل الإعجاز مسألة اجتهادية فانتبهوا، وقد يقول لي أحدكم كيف هذا؟ وأنا سأقول له كيف، نحن لدينا مذاهب في تفسير الإعجاز، أشهرها مذهبان هما مذهب الإعجاز الذاتي ومذهب الصرفة، وهنا قد يقول لي أحدكم سوف تصدِّع أدمغتنا اليوم، وأنا أقول له لا عليك أن تفهم بل لا عليك أن تسمع أيضاً، لكن عليك أن تسمع وأن تعرف أن مَن قال بالصرفة لا يُنكَر عليه، كف لسانك عنه ولا تُكفِّره، لا تقل هذا كافر لأنه أنكر الإعجاز، لا تكذب على المُؤمِنين ولا تشطب عليهم، يُوجَد أُناس عندهم شغف بالشطب، فالواحد منهم يُحِب أن يشطب فيُخرِج هؤلاء ويُخرِج هؤلاء ويُخرِج هؤلاء ويُخرِج هؤلاء وبعد ذلك يبقى كالأهبل، كالشيخ المُتنطِع الذي قال في الأردن لا أعرف على وجه الأرض مسلماً اليوم أو مُؤمِناً إلا أنا وشخصاً آخراً وهو شيخي في جبال الباكستان، ما شاء الله عليك، هل أنت كلك على بعضك تستأهل أن يُرسِل الله لك محمداً؟ هل محمد أُرسِلَ لك وحدك في حين أن الله يقول إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩؟ هل أرسله لك وحدك يا أخي؟ طبعاً في نظري هذا لا نُناقِشه كما أعرف، هذا مكانه في مُستشفى الأمراض العقلية، وأنا أقسم بالله أعرف هذا – والله – جيداً، هذا الإنسان يحتاج مُباشَرةً أن يُؤخَذ إلى مُستشفى الأمراض العقلية والله العظيم، وأنا مُتأكِّد – وأقسم على منبر رسول الله – لو أي عالم نفس اختبره سوف يعرف أنه مجنون، شخصية مجعلكة كما نقول بالعامية وتعبانة بالكامل، ويُوجَد الكثر مِمَن هم مثله ويظهرون على الفضائيات وعلى المنابر، ويعلتون هذه المنابر وهم مجانين حقيقةً ويتكلَّمون كلاماً لا ينبغي أن يُتكلَّم به، فلو أي طبيب نفسي حاذق تحدَّث معهمسوف يعلم أنهم مجانين، ولكن الجنون الأكبر والأبشع أن العقلاء يستمعون إليهم، كأن يكونوا مبسوطين جداً من كلامهم ويقولون لهم الله بل ويُكبِّرون أحياناً، فعلى ماذا تُكبِّر؟ هل تُكبِّر على هبلك وأنت تتعلَّم من مجنون ومن إنسان مُعقَّد تائه حائر؟ هذا مسكين مُلتاث الشخصية ولا يفهم أين رأسه من رجله، وعلى كل حال هذا الرجل قال لك لا أعرف على وجه الأرض مسلماً اليوم أو مُؤمِناً إلا أنا وشخصاً آخراً وهو شيخي في جبال الباكستان، وكل الأمة كفرت، الله أكبر، ما شاء الله، قال الله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ۩، لعل الله قصد هذا، لعل الله قال له يا محمد سوف يدخل الجنة وأنا سوف أُعطيك هذا وأنت سوف ترضى بهذا، لكن هذا غير معقول، هذه أمة محمد، هذه أمة البركة، قال رسول الله الخير فِيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة، وقال إني لا أخشى على أمتي الشرك بعدي، فهذه الأمة لن تُلحِد – بإذن الله تعالى – كأمة، نعم فيها ملاحدة وما إلى ذلك لكنها لن تكفر ولن تُشرِك وسوف تبقى أمة التوحيد وسوف تبقى أمةً مُوحَّدة بإذن الله تبارك وتعالى، فنسأل الله أن يُكثِّر هذه الأمة وأن يُبارِكها وأن يرأب صدعها وأن يلم شعثها وأن يجمع شملها وأن يُوحِّد كلمتها وأن يقيها الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يُحسِن عاقبتها في الأمور وأن يُجيرها من خزي الدنيا وعذاب الآخرة – اللهم آمين – لأننا نُشهِد الله من كل قلوبنا أننا نُحِب هذه الأمة، لأن هذه أمتنا، هذه أمة الكتاب وأمة النبي وأمة التوحيد وأمة لا إله إلا الله فكيف لا نُحِبها؟ كيف لا نعشقها؟ ونعشق أن تكون كثيرة ومُبارَكة بإذن الله تعالى، ولا نعشق الشطب والإقصاء والإبعاد حتى يبقى واحد أو اثنان، حاشا لله!

نرجع إلى ما كنا فيه، رأي الجماهير أن الإعجاز هو إعجاز ذاتي، فالقرآن بنظمه قد بلغ بل أفرط في وجوه فصاحاته وأنحاء بلاغاته وأربى على الغاية وأوفى، فليس يستطيع خلقٌ من الخلق – كائن أو مِمَن سيكون إلى يوم الدين – أن يأتي بمثله أو بسورة من مثله، فهذه إسمها نظرية الإعجاز الذاتي، هو في فصاحته وبلاغته مُعجِز ذاتياً، وقد قال بهذا الجماهير – بفضل الله عز وجل – وهذا هو الحق الذي نسعد به وننصره إن شاء الله، ولكن خالف عن قول الجمهور جماعة من العلماء من أهل السُنة ومن الشيعة ومن غيرهم، وفي رأسهم إمام من أئمة الاعتزال كان تقريباً عجباً من العجب في ذكائه وفي قوة العارضة عنده وحضور البديهة وثقوب الذهن والفهم وقوة الحُجة والجدل حتى لقَّبه أهل السُنة والجماعة بشيطان المُعتزِلة، وفي نظري ما هو بشيطان، بالعكس هو عبدٌ مُؤمِن مسلم وآية من آيات الله على أن له أخطاء وهذا من أخطائه، وإسمه أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار النظّام، إذا كنت تسمعون بالنظَّام فهذا هو النظَّام، وهو شيخ الجاحظ، هل تعرفون الأديب الكبير والمُعتزِلي الخطير الجاحظ والذي تنتسب إليه فقط الجاحظية؟ هذا أستاذه، يقول فيه الجاحظ في كتاب الحيوان على ما أذكر كان القدماء يقولون أنه يكون في كل ألف عام رجلٌ لا نظير له – طبعاً باستثناء النبيين – فإن يكن في هذه الألف فهو النظَّام، كل ألف سنة – ليس كل مائة سنة وإنما كل ألف سنة – يأتي رجل ما ليس له نظير، فقال الجاحظ إذا وُجِدَ رجل في هذه الفترة وفي هذه الدورة الألفية التي نحن فيها فإنه سوف يكون النظَّم، وهو آية من آيات الله، ولن أُحدِّثك عن النظَّام فالحديث طويل ومُرهِق، علماً بأن عنده حتى اجتهادات في ميكانيكا الكم، فما رأيكم؟ في ميكانيكا الكم عنده اجتهادات لم يُثبِتها أبداً عبر العصور إلا ميكانيكا كم القرن العشرين، وهذا شيئ عجيب، فالرجل مُفرِط الذكاء ومُفرِط العبقرية بشكل مُذهِل، فهذا هو النظَّام رحمة الله عليه وأحسن مثوبته وغفر له فيما أخطأ فيه، والرجل مُجتهِد وقد مات عن ست وثلاثين سنة فانتبهوا، ليس عن مائة وأربعين وإنما مات عن ست وثلاثين سنة، جنَّن الدنيا وذهب عن ست وثلاثين سنة، وذلك في سنة مائتين وأربع وعشرين، هذه كانت أمة عبقرية وليست أمة هبل كاليوم، اليوم الناس تُدرَّس هبل وجنون، لكن هذه كانت أمة فيها عبقرية وفيها نبوغ وتفرد، ولعل النظَّام كما رجَّح بعض الدارسين تأثر بالفكر الهندي الوافد، وفعلاً في تلك الحقبة جاء الفكر الهندي والخرافات والأساطير والميثولوجيا Mythology الهندية أيضاً، لأن أهل الفيدا – كتاب الفيدا هو الكتاب المُقدَّس عند البراهما وعند الهندوس – يعتقدون أنه كتاب مُعجِز، فالفيدا أو الفيدنتا كما يُسمونه العرب كتاب مُعجِز، لكن كبار أحبارهم – كبار أحبار وعلماء الهندوس – يقولون ليس مُعجِزاً إعجازاً ذاتياً في ذاته، بل لأن الإله الأكبر براهمان – زعيم الآلهة الهندوسية كلها – منع الخلق أن يُضارِعوه وأن يأتوا بمثله وسلبهم القدر والإمكانات عن أن يُجاروه، فلعل النظَّام وقف على هذا القول وتأثر به، فالنظَّام ذهب إلى أن القرآن الكريم ليس مُعجِزاً إعجازاً ذاتياً في نظمه وأساليبه وبلاغاته وفصاحته، وقال بدليل أن الواحد من فصحاء العرب وأبينائهم وأصحاب النطق فيهم يستطيع أن يأتي بالكلمتين المُستحسَنتين جداً، فإن استطاع أن يأتي بكلمتين أتى إليهما باثنتين أخريين، وهكذا ينضم هذا إلى هذا حتى يكون مثل قدر الآية، فإن جاز هذا عقلاً جاز أن ينضم مثل قدر آية إلى قدر آية حتى يكون مثل قدر سورة قصيرة أو وسيطة، فهذا بالعقل مُمكِن، لكن لماذا لم يستطعه العرب؟ قال لأن الله صرف دواعيهم ولفت هممهم عن أن تتعلَّق به، فالله صرف العرب عن أن يُجاروا القرآن، ولو لم يحل بينهم وبين هممهم لجاز أن يأتوا بمثله، وهنا قد يقول أحدكم أعوذ بالله، النظَّام الكافر وهو شيطان المُعتزِلة، وهذا غير صحيح، يا رجل ارجع إلى نفسك، قال الله لا الأنس ولا الجن إن اجتمعوا وظاهر بعضهم بعضاً يستطيعون أن يأتوا بمثله، فهل النظَّام اعترف بهذا أو أنكره؟ اعترف به، هل النظَّام قال القرآن مُعجِز أم غير مُعجِز؟ قال مُعجِز، لكنه خالفنا في تفسير الإعجاز وفي تعليل الإعجاز، أي لماذا هو مُعجِز؟ نحن قلنا مُعجِز ذاتياً، وهو قال مُعجِز خارجياً وليس ذاتياً، لأن الله صرف الناس وحال بينهم وبين أن يأتوا بمثله، هذا هو فقط، فلا تُبرِق وتُرعِد وتُبديء وتُعيد في الإنكار على مسألة أن النظَّام قال بالصرفة، ولذلك جماعة من أماثل العلماء قالوا بهذا، هل تعرفون أعجبهم مَن؟ أبو محمد بن حزم، الإمام ابن حزم شيخ أهل الظاهر والذي يتعبد الله بلا قياس وبلا تعليل وبلا عقليات وإنما بظواهر النصوص من كتاب وسنة – عنده الدين كله ظواهر – قال بحسب الظاهر نعم القرآن نُفسِّر إعجازه بالصرفة، وهذا أمر عجيب، فابن حزم قال هذا، لكن أين قال هذا؟ في كتاب الفِصل – الفِصل في الأهواء والمِلل والنِحل – قال هذا، وطبعاً قال به الصيمري وقال به الفوطي – هشام الفوطي – وكثيرون، ومِن علماء الشيعة قال به الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات، فهو نصر هذا القول وقال بالصرفة، وقال به الشريف المُرتضى وهو من أكبر فصحاء وعلماء وأبيناء الإسلام، فهو قال على أنه شيعي إمامي اثنا عشري به، وذلك في رسالة له أوضح بها جهة الإعجاز – جهة إعجاز القرآن – حيث قال بالصرفة، وقال به الشيخ الطوسي من أئمة الاثنا عشرية، ومن علماء السُنة أيضاً قال به ابن سنان الخفاجي في كتابه سر الفصاحة، وقال به آخرون، أي يُوجَد علماء أماثل مُحترَمون في الطائفتين قالوا بالصرفة، فلا تُكفِّر الناس لأن المُهِم هو أنهم لم يُنكِروا ما قطع الله به، والله قطع بماذا؟ قطع بأنه مُعجِز، قال الله قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ۩، أي أنهم لا يستطيعون هذا، وهؤلاء قالوا نعم ما استطاع أحد ولا يستطيع أحد هذا، ولكن لماذا لا يستطيع؟ هذه مسألة زائدة، فهى مسألة تعليل زائدة.

هكذا يجب أن نكون مُتسامِحين في العقائد، فما هو موضع اجتهاد نقبل فيه الاجتهاد، وما هو موضع قطع لا نقبل فيه إلا القطع من غير اجتهاد لأنه قطع، إذن هذا هو المُعجِز إلى آخر التعريف، وهذا كان مثالاً فقط، وسأضرب مثالاً آخرثم أمضي إلى شيئ آخر لأن الأمثلة كثيرة ووفيرة، والمثال هو عن رؤية الله تبارك وتعالى، فأهل السُنة – كما ذكرنا قبل – انفردوا من بين سائر الفرق الإسلامية بالقول أو باعتقاد رؤية الله في الآخرة، أي أن الله يُرى للمُؤمِنين في الآخرة وأن هذه أعظم كرامة لهم وأعظم عطية، ولم يقل بهذا إلا أهل السُنة والجماعة فقط، فالشيعة الزيدية والشيعة الجعفرية والاثنا عشرية والمُعتزِلة والخوارج والإباضية وكل هؤلاء من عند آخرهم أنكروا رؤية الله في الآخرة، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا كفر، لكن هذا غير صحيح، وأنا قرأت لشيخ من مشايخ الإسلام أنه كفَّر من أنكر الرؤية، فلماذا تكفِّر؟ كيف كفَّرت أنت يا مولانا؟ من أين أتيت بهذا الكلام؟ هل في كتاب الله في آية واحدة قطعية تقول أن الله يُرى في الآخرة؟ وهنا قد يقول لي أحد العوام نعم يُوجَد هذا، لكن هذا من العوام فانتبهوا، علماً بأن يُوجَد في طلاب العلم أشباه عوم، فهذا ليس عامياً ويرتفع قليلاً لكنه قريب من العامية أيضاً إلى العالمية، فهو أشبه بالعامي، ويعتقد أنه عالم ومُتخصِّص في العقيدة، ومن ثم يقول لي من أين أتيت بهذا يا رجل؟ وأنا أقول له اذهب ادرس أصول الفقه في الأول، أنت دارس لأسس العقيدة لكن واضح أنك ضعيف جداً في أصول الفقه وفي طرق الاستدلال وفي فهم النصوص، أين يا حبيبي في كتاب الله ما يُثبِت الرؤية؟ ائت لي بآية واحدة تقطع بأن الله يُرى في الآخرة؟ قال الله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ۩، فالله قال نَّاضِرَةٌ ۩ بالضاد التي هى أخت الصاد كما يقول العراقيون، ونَّاضِرَةٌ من النُضرة وهى الإشراق وتلألؤ الوجه وإشراقه وانفراج أساريره، فهذا إسمها النُضرة، والحديث يقول نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا إلى آخره، قال الله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ – أي يوم القيامة ويوم الحساب والدينونة – نَّاضِرَةٌ ۩ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩، فهذا الرجل قال لك هل تُريد أكثر من هذا؟ هذا نص يا رجل، نص في محل النزاع، المُؤمِنون أصحاب الناضرة ليسوا أصحاب الوجوه الباسرة، قال الله في سورة القيامة ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ۩ تظن أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ۩، فهؤلاء هم المُؤمِنون وهؤلاء هم الكافرون. باعد الله بيننا وبينهم وبيننا وبين مصائبهم، اللهم آمين.

فهذا الرجل قال الله يقول وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ۩أي مُشرِقة فرحة ومُستبشِرة، لماذا؟  إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩، أي تنظر إلى الله، فالله عدَّاها بـ إِلَىٰ ۩ وذلك في قوله إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩، والله قال نَاظِرَةٌ ۩بالظاء التي هى أخت الطاء كما يقول العراقيون مرة أخرى، لكن أنا أقول له لا يا حبيبي فهذا تقوله إذا كنت جاهلاً، الجاهل هو الذي يقول هذا الكلام، والعامي وشبه العامي من العلماء وطلاب العلم هو الذي يقول هذا، ولذا أنا أقول له أين القطع هنا؟ هل أنت تعرف ماذا يخرج من رأسك؟ هل هذا قطع؟ أين القطع يا رجل؟

أولاً النظر في كتاب الله كما في كلام المُصطفى وكلام العرب الفصحاء الأبيناء المناطيق يُطلَّق كثيراً – وهو شائع شيوعاً فاشياً – بمعنى الانتظار، قال تعالى هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ ۩، فما معنى يَنظُرُونَ ۩؟ ينتظرون، قال الله يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ ۩، فهذه واحدة، قال الله في يس مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ ۩، فما معنى مَا يَنظُرُونَ ۩؟ ما ينتظرون، أي ما ينتظرون إلا صيحة، إذن هذا كثيرٌ جداً، وكتاب الله طافح بهذه الأمثلة التي تدل على أن النظر بمعنى الانتظار، قال الشاعر:

إِنِّي إِلَيْك لِمَا وَعَدْت لَنَاظِرٌ                         نَظَرَ الْفَقِير إِلَى الْغَنِيّ الْمُوسِر.

فهو قال له أنت وعدتني، أين الوعد؟

ياسيدي أنجزَ حُرٌّ ما وعدْ                             والحرُّ من أعطى أخاهُ ماوَجدْ.

أنجز لي عِدتك ووعدك!

قال:

إِنِّي إِلَيْك لِمَا وَعَدْت لَنَاظِرٌ                             نَظَرَ الْفَقِير إِلَى الْغَنِيّ الْمُوسِر.

قال الشاعر:

كل الخلائق ينظرون سجاله                             نظر الحجيج الى طلوع هلال.

ما معنى النظر هنا؟ الانتظار، كما ينتظر الحجيج طلوع الهلال لكي يشرعوا في العبادة.

سيدنا حسان بن ثابت شاعر الرسول المُؤيَّد بروح القدس قال شعراً هاماً، وشعره لا خلاف على أنه قبل عصر الهُجنة والتوليد، أي يُحتَج به كما يُحتَج بالشنفرى وبتأبطَ وبامرئ القيس وبأمثال هؤلاء، فماذا قال حسان بن ثابت؟ قال في ديوانه:

وجوهٌ يوم بدرٍ ناظراتٌ                             إلى الرحمن أن يأتي بالفلاحِ.

ما معنى ناظرات؟ هل معنى هذا أنهم سوف يرون الله؟ هل كانوا في يوم بدر ينظرون إلى الله أم كانوا ينتظرون الفلاح من الله؟ كانوا ينتظرون الفلاح وأن يُنجِز الله وعده لرسوله وللُمؤمِنين أنه ناصرهم، قال سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ۩، ولذا قال:

وجوهٌ يوم بدرٍ ناظراتٌ                           إلى الرحمن أن يأتي بالفلاحِ.

هذا واضح جداً، فلا تقل لي هذا قاطع في محل النزاع، عندنا دليل من كتاب الله أن الله يُرى بالعيون أو يُرى يوم القيامة، لا تقل هذا يا حبيبي لأن ليس عندك أي دليل قاطع، فانتبه حتى لا تُكفِّر إخوانك المسلمين من الإباضية والزيدية والمُعتزِلة والإمامية وغيرهم وغيرهم، لأن كلهم أنكروا الرؤية، وهناك ما هو أكثر من هذا، وهنا قد يقول أحدهم اربَعْ عَلَى ظَلْعِكَ وخفِّف من حدتك يا عدنان ويا غير عدنان، أنت تهرف بما لا تعرف، لماذا يا أستاذي؟ علِّمني لأن كلنا – والله – نتعلَّم، يموت المرء وهو يتعلَّم فعلِّمني، قال لك هنا نحن نُسلِّم بأن النظر يأتي بمعنى الانتظار – وهو كثير جداً في كتاب الله – لكنه هنا عدَّاه بــ إلى، فإذا عُدِّى النظر بإلى لم يكن له من المعنى إلا إلا الرؤية، لكنني أقول له غلطت على الكتاب واللغة، غلطت على القرآن الكريم لأنك تُخالِف كتاب الله نفسه، كيف؟ سوف أقول كيف لكي تعرف كيف خالفت كتاب الله وخالفت اللغة!
أولاً أنا أسمعتكم قُبيل قليل بيت حسان، فماذا يقول حسان؟ يقول:

وجوهٌ يوم بدرٍ ناظراتٌ                           إلى الرحمن أن يأتي بالفلاحِ.

فهو يقول إلى الرحمن، إذن هو عدَّاها بإلى أم بغير إلى؟ عدَّاها بإلى، لأنه يقول:

وجوهٌ يوم بدرٍ ناظراتٌ                           إلى الرحمن أن يأتي بالفلاحِ.

فهل هذا معناه أنهم يرونه أم أنهم ينتظرون؟ معناه أنهم ينتظرون، والأكثر من هذا أن الله قال إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩، الله يقول إنه لا ينظر إلى الكفار، فقل لي هل أنت تُفسِّر أن الله لا ينظر إليهم بمعنى أنه لا يراهم؟ إن فعلت هذا فقد كفرت بإجماع الأمة، الله لا يغيب عنه شيئ لا في الدنيا ولا في الآخرة، هل الله – أستغفر الله العظيم، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم غفراً، اللهم غفراً – يعمى عنهم؟ إذن ما معنى أن الله لا ينظر إليهم؟ نظر القوي إلى الضعيف هو العفو والإكرام والصفح والغفران، ونظر الضعيف إلى القوي انتظار هذا منه، هذا هو القرآن، القرآن عجيب، ولذلك قلت لكم كيف تختلف الأمة وعندها كتاب الله؟ على الأقل يجب أن تتفق على الحد الأدنى من العقائد حتى لا يقع بعضها في عِرض بعض ولا يُكفِّر بعضها بعضاً، ونعود أيضاً إلى شيئ أعجب من هذا حتى لا ننسى أيضاً لأنني دائماً ما أنسى والكلام كثير والحُجج كثيرة وهو شيئ غريب، هاته أربع آيات في سورة القيامة تقول وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ ۩ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذِ بَاسِرَةٌ ۩تظن أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ۩، إذن قال الله إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩ وهو ما وقع فيه الخلاف، ثم قال وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذِ بَاسِرَةٌ ۩، أي من البسور، وما معنى البسور؟ الكلح والاكفهرار، أي هى سوف تكفهر وتكلح، فهذا هو البسور، ثم قال الله تظن أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ۩، والفاقرة هى المُصيبة التي تنزل بالإنسان فتكسر فقار ظهره، كناية عن شيئ لا قيامةً منه، فهذا هو معنى الفواقر، ومن هنا يُقال هذا من فواقر الدهر، أي من دواهي الدهر التي تكسر فقار الظهر، والإنسان إذا كُسِرَ فقار ظهره يُشَل ويبقى قعيد الأرض حِلس داره، هذا هو فانتبه، وسبحان الله يا أخي، قالوا هذا ليس من عند الله، ونحن نُشهِدك أنه كلامك، هذه أربع آيات في القيامة وسنرى الآن ما في خواتيم سورة عبس، قال الله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ۩ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ۩ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ۩ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ۩، وهذه أربع آيات أيضاً فانتبهوا لأن القرآن يُفسِّر بعضه بعضاً، قال الله وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ۩، وهذا جميل جداً، فنفس الشيئ هنا وهناك، أربع آيات وأربع الآيات، هذه تصف المُؤمِنين والكافرين وتلك تصف المُؤمِنين والكافرين وعلى نفس الترتيب، فهنا الله يقول وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ۩ وما معنى مُّسْفِرَةٌ ۩؟ ناضرة، وهى – كما قلنا – تتلألأ وتُسفِر، من أسفر الفجر ومقلوبه الفسر، أي السفر والفسر، المُهِم اقرأوا التفسير، قال الله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ۩، وأنا أقول لكم أن كلمة مُستبشِرة هنا هى تفسير لكلمة إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩ تماماً، هذا هو كتاب الله، وهنا قد يقول لي أحدكم أنت الآن قلت أن كل الأمة ماعدا أهل السُنة والجماعة فسَّروا إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩ بمعنى آخر غير أن تنظر إليه أو تراه، فبماذا فسَّروه؟ وأنا أقول له فسَّروه بأنها تنتظر ثواب الله وحسن جزائه، وما هو ثوابه؟ دخول الجنة – بإذن الله تبارك وتعالى – وأن يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً كما في حديث مسلم عن صهيب وغيره، وهذا مُفسَّر في سورة عبس، قال الله مُّسْتَبْشِرَةٌ ۩، واقرأوا كتاب الله من أوله إلى آخره وقولوا لي ما هى بُشرى المُؤمِنين في الآخرة؟ دخول الجنات ورضوان الله، قال الله في سورة الشورى ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ ۩ وقال في سورة البقرة وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ ۩، أليس كذلك؟ وهكذا في عشرات الآيات التي تتحدَّث عن البشرى، قال الله يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ ۩، فهناك آيات كثيرة في كتاب الله تدل على هذا، وهذا هو التبشير، إذن إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩ بمعنى تنتظر البشرى، البشرى بماذا؟ بما قد سمعتم، فالقرآن يُفسِّر بعضه بعضاً، فاعترض أهل السُنة على الآخرين وقالوا هذا غير صحيح أيضاً، لماذا؟ قالوا لأن الله لم يقل هم الذين ينظرون وإنما قال وُجُوهٌ ۩ وذلك في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ ۩ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩، والوجوه إذا قيل أنها كانت تنظر إلى يضح أنه يُراد بها النظر والرؤية، وهذا ركيك جداً ومن مُتهافت الحُجج وشُبهة لا قيمة لها، أتعرفون لماذا؟ لكن هنا قد يقول لي أحدكم ماذا عنك؟ هل أنت سُني أم ماذا؟ لكن أنا أقول له ليست الأمور هكذا يا أخي، أنا فقط أردت أن أضرب لك مثلاً على أن هذا ليس قاطعاً في محل النزاع لكي تتعلَّم أن ترعوي عن الوقوع والولوغ في أعراض المسلمين فلا تُكفِّر مَن يُنكِرون رؤية الله، لكن هنا قد يقول لي صبراً يا عدنان، نحن عندنا سبع أدلة في كتاب الله، وهذه نعرفها كلها – والله – لكن المقام لا يتسع، لكن نعرفها كلها بفضل الله وكلها مردود عليها، وقد يُقال وماذا عندنا الأحاديث؟ وهم عندهم أحاديث وبأسانيد صحيحة أيضاً فانتبهه، وهى عن الصحابة الكبار مثل عليّ ومثل عائشة ومثل ابن عباس، ويُنكِرون الرؤية ولا يعترفون بها ويُصحِّحون هذه الأحاديث، لكن الأحاديث ومُشكِلتها شيئ ثانٍ وتحتاج مُحاضَرات لها وحدها، لكننا مازلنا مع كتاب الله، لأن الهداية الكاملة في كتاب الله، مُستحيل أن شيئاً أساسياً في الهداية خلا عنه كتاب الله، لذلك أنا قلت لكم مائة مرة – أُطمئنكم وأستطيع أن أُباهِل على هذا – لو لقيَ أحدكم الله وفي حياته ما سمع عن المهدي – لا مهدي الشيعة ولا مهدي السُنة – ولا سمع عن أن مسألة أن عيسى سيرجع إلى الدنيا ولا سمع عن الدجّال شيئاً فإنه سوف يلقى بإذن الله إذا استكمل أركان القرآن الإيمانية مُؤمِناً بفضل الله – تبارك و تعالى – لأن هذا لا ينقص إيمانه ولا يغمز إيمانه، فلا تخف يا رجل!

اتصل بي أحد الإخوة وهو شفيق لطيف حبيب ومن بلد عربي حبيب أيضاً، وقال لي يا شيخي أنا – والله – خائف، فقلت له من ماذا يا أخي الكريم؟ قال لي أنا خائف جداً من مسألة الرؤية، أقرأ هنا وأقرأ هنا لكنني أخاف، فماذا لو اقتنعت بأن الله لا يُرى؟ قلت له تكون وافقت كل الفرق الأخرى ماعدا أهل السُنة يا جماعة، أي وافقت المسلمين أيضاً ولم تكفر، أنت لم تُوافِق كارل ماركس Karl Marx أو نيتشه Nietzsche مثلاً، فقال لي وهو شاب ذكي – بارك الله فيه – ماذا؟ هذا الذي يُخيفني، فماذا لو كان يُرى؟ مثلما قال صاحب الأمالي فَيَا خُسْرَانَ أَهْلِ الْإِعْتِزَالِ، قال سوف يراه المُؤمِنون هناك وبغير كيفٍ – أي بلا كيف، وهذه هى البلكفة – فَيَا خُسْرَانَ أَهْلِ الْإِعْتِزَالِ، قال لي سوف أكون كالمُعتزِلة، فقلت له لا والله وأنا سأُعطيك ما يفرخ به روعك – إن شاء الله – ويطمئن به قلبك وتسكن إليه نفسك، قال لي ما هو؟ فقلت له هل تظن لو الله – تبارك وتعالى – كان يُرى – لو افترضنا أنه في الحقيقة فعلاً وفي نفس الأمر كما يُقال يُرى وسيراه المُؤمِنون يوم القيامة – سوف يحرمك هذا العطاء؟ وأنت أنكرت رؤيته لا عنداً ولا نكداً وجحوداً وإنما اجتهاداً لأنك تطلب التنزيه وتطلب القطعي في باب العقائد، فالعقائد لا تُبتنى إلا على القطعي، أي القطعي وروداً والقطعي دلالةً فانتبه، وهذا هو الصحيح، لكن قد تقول لي هذا غلط وعلماء كثيرون يأخذون بأحاديث الآحاد في العقائد، لكن أنا أقول لك هذه مسألة خلافية والأمة لا تُلزَم إلا بما اجتمعت عليه خاصة في العقائد، ولا تقدر إلا أن تفعل هذا، وهذه مسائل منهجية، لأنهم يقولون لنا أين المنهج؟ هذا هو المنهج الذي لا يُريدون أن يلتزموا به وإن فهموه، وعلى كل حال قلت له هل تظن أن الله – تبارك وتعالى – يحرمك هذا العطاء العظيم وهو الأعظم إن كان يقع لأنك اجتهدت طلباً للحق واخطأت؟ حاشا لله وقد صح عن المعصوم أنك تُؤجَر يا رجل حين تُخطيء، فقال لي كفى، لأن هذا الرجل المسكين اطمأن حينها، فلا تخف إن شاء الله، إذا أنكرت بدليل انكر ولا شيئ عليك، وإن كان يُرى ستراه بإذن الله تبارك وتعالى، أما إن أنكرت عناداً وطائفية وحزبية وغيظاً لا حباً في الدليل سوف تُحرَم من أشياء كثيرة في الدنيا قبل الآخرة!
إذن هم قالوا أن الله قال وُجُوهٌ ۩، ونحن نقول لهم واضح يا جماعة أنه مجاز، وليس المقصود فعلاً الوجوه، وإنما المقصود أصحاب الوجوه، كما نقول قصدنا وجه الله، فما معنى هذا؟ قال الله يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۩، فنحن نُريد وجه الله بمعنى نُريد الله – تبارك وتعالى – أو رضا الله، وحين أقول لك قصدت وجهك أعني قصدتك أنت، فحين يقول أحدهم أن الله قال وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ۩ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ۩ ففهمنا أن المُراد هنا الرؤية فإننا نقول له هذا منقود عليك بنفس الآيات، هل تعرف لماذا؟ هل التنعم يكون بالقلب وبالوعي أم بالوجه؟ يكون بالوعي، وكذلك الحال مع الانتظار وصلي العذاب وأشياء كثيرة لا تكون إلا بالوعي الذي يعي هذا، قال الله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ۩ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ۩ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً ۩ فما المقصود هنا؟ هل يُقصَد الوجوه وحدها أم الجسم كله؟ الجسم كله طبعاً، وهذا نفس الشيئ في هذه الآيات أيضاً، قال الله وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ۩ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ۩ فالله يقول هنا تَظُنُّ ۩، أي نسب الظن إلى الوجوه، وهل الظن من أفعال الوجوه أم من أفعال القلوب؟ من أفعال القلوب، إذن كيف نسب الظن إلى الوجوه؟ لأن القصد ليس الوجوه وإنما القصد أصحاب الوجوه والذوات، فهذه سقطت أيضاً.

أختم بآخر جُملة في هذا السياق أو في هذا المقام، وهى أن النظر نفسه لا يقتضي الرؤية، قال تعالى وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ۩، هم نظروا فهل رأوه أو لم يروه؟ لم يروه، أبو جهل وجماعته وقطاع الطرق الملاعين يوم الهجرة كانوا ينظرون وينتظرون ولا يبصرون، قال الله وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ۩، ماذا قال الإمام المُرتضى الزبيدي شارح الفيروزآبادي وشارح تاج العروس من جواهر القاموس؟ قال يُقال نظر إلى كذا إذا مد عينيه ليرى سواء رأى أو لم ير، وهذا واضح طبعاً، لأنك قد تقول نظرت فلم أره، قد يُقال لك انظر أين فلان فتقول يا أخي نظرت في كل مكان فلم أره، فنقول لك حتى من مُضعِفات هذا القول أن النظر بحد ذاته لا يقتضي الرؤية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستعفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، إخواني:

إذن أردت من هذين المثلين السريعين – ولم يكونا سريعين جداً – فقط أن أُوقِفكم على أن مسائل معاقد الاعتقاد وردت كافيةً وافيةً في كتاب الله تبارك وتعالى، أما ما زاد عليها فهو من مظان الاجتهاد ومسارح النظر، ولا بأس على الأمة ولا حرج أن تختلف فيه من غير أن يجرهم هذا الاختلاف إلى التنابذ وإلى التكافر وإلى التطاعن والاحتراب، فهذا لا يجوز، هذا من الكفر بهداية القرآن الكريم ومن ردها.

أختم الآن بجملة أو جملتين – إن شاء الله – ثم نمضي إلى الصلاة، يا خواني وأخواتي – نوَّر الله أفئدتكم وأفئدتنا بمعرفته وجميل ألطافه وأنواره – إذا صدر عن الله – تبارك وتعالى – شيئٌ وأوضَح الله – تبارك وتعالى – أنه حدُ الهداية – كما نقول – ومعقدها ماذا يُمكِن لو أن الأمة تعدته ولم تره حد الهداية الأقصى وطلبت المزيد؟ هذه فكرة مُرعِبة، فهذه الفكرة أرعبتني حقيقةً وأنزلت الرعب في قلبي، تأملت فوجدت أن الله – تبارك وتعالى – قضى بأن هذه الكلمات المُقدَّسات المُبارَكات آخر كلمات أذِنَ بأن تُلقيها السماء إلى الأرض، ولا يُوجَد بعد الكتاب من كتاب، وهذا له دلالة خطيرة في هذا المقام، هذا نزل على آخر نبي ورسول من الأنبياء والرسل، وهو خاتم الأنبياء والمُرسَلين خلافاً للقاديانية، وعلى كل حال لا رسول بعده، فهل فكرتم في دلالة هذا الأمر؟ ما معنى أن هذا آخر كتاب وأن هذا آخر رسول؟ معناه لا معدلة لكم ولا مطلب لكم في باب الهداية وراء هذا الكتاب، هذا آخر هداية، وهنا قد يقول لي أحدكم لكن السُنة هداية أيضاً، وهذه صحيح طبعاً فالسُنة طبعاً هداية، كيف لا تكون هداية؟ لكن أنا أقول لك أن الهداية التي هى مناط النجاة موجودة وافرة في كتاب الله، وما زاد عليها لا مُشكِلة معه، وهنا قد يقول لي أحدكم أنه يُؤمِن بالدجّال مثلاً، وأنا أقول له ما المُشكِلة في هذا؟ صدِّق هذا لكن لا تجعله من معاقد الإيمان لا تقل لي هذه مسألة كفر وإيمان، هذا غلط فانتبه لأن هذا ليس من أركان الإيمان، هذه مسائل تُصدِّق بها أنت لأنك اطمئننت أنها صدرت عن الرسول، لكنأنا لا أطمئن – مثلاً – وعندي مآخذ حديثية ومآخذ في المتن وأشياء كثيرة جداً، فأنا حر في هذا، لكن أنت اطمئننت وصدَّقت، صدِّق بهذا وقل لا مُشكِلة فيه وسوف يظهر الدجّال لكن لا تقل لي هذا من أركان الإيمان ومن أنكره كفرَّته، إياك أن تقول هذا فانتبه، لماذا؟ لأنك ترد على الله هدايته وتجعل القرآن غير وافٍ بتحديد معاقد الهداية وهذا الشيئ خطير، ومن هنا الأمة انقسمت ولا تزال مُنقسِمة، من هنا حدث هذا، بالذات من هذا الباب وليس من غيره، وطبعاً جاءت السياسة من قبل ومن بعد واستغلت هذه الأشياء لمصالحها، فلعنة الله على السياسة لأنها – صدِّقوني – لا تدخل وما دخلت في شيئ إلا أفسدته، فهذا هو باختصار.

إذن دلالة هذا الشيئ أن الله – تبارك وتعالى – مهما اختلفنا لن يتأذن بإنزال كتاب جديد علينا ولا بمُذكِرة تفسيرية ينزل بها ميكائيل أو إسرافيل أو أي أحد غير جبرائيل لأن آخر عهده بالأرض انتهى مع رسول الله، فالله لن يفعل هذا، لكنك قد تقول لي ما هذا الكلام الفارغ وهذه الفلسفة الخاصة بك يا عدنان إبراهيم؟ هل حين نختلف سيتركنا الله هكذا في مُدلهمة وفي فتنة طخياء عمياء دون أن يُرشِدنا؟ وأنا أقول لك قل لي كيف سيرشدنا؟ يا رجل هو قطع معاذيرك بإقامة الحُجة التامة البالغة عليك حين أرسل إليك خاتم أنبيائه بآخر هدايات السماء لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، فماذا تُريد أنت؟ المُشكِلة عندك وليست عند الله تبارك وتعالى، وهنا قد يُقال هذا غير صحيح يا أخي، لأن النبي قال إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، وهذا أكثر ما يُرَد به في وجوهنا ويُضرَب به في وجوهنا، وأنا أُجاوِب بكلمة واحدة – وهذه آخر جملة لي في خُطبة اليوم – وأقول بالله عليكم أوجدوني أو أوقفوني على ماذا اجتمعت الأمة، أنا هنا أُطلِقها كلمة وأقول أنني أتكلَّم في باب العقائد فقط، وأقول كل ما اجتمعت عليه الأمة في أسس العقائد مذكور في كتاب الله بدلالات قطعية، وكل ما اختلفت فيه الأمة في باب العقائد ومن أجله وبه اختلفت ليس مذكوراً قطعاً في كتاب الله لأن كلله من مسائل الاجتهاد والنظر، هذه هى المسألة ببساطة يا أمة محمد، فلا تقل لي الأمة اجتمعت على أن القرآن غير مخلوق، هذا كذب لأنك بهذا الكلام تكذب على الحقائق، كيف اجتمعت يا أخي؟ فقط أهل السُنة والجماعة قالوا غير مخلوق، حتى الأشاعرة قالوا بالكلام النفسي وبالخلق اللفظي، فاسكت يا رجل ولا تقل أجمعت، الأمة لم تُجمِع إلا على ما قطع الله به في كتابه في باب العقائد، أما ما اختلفت فيه الأمة فهو وراء ذلك وهو كله – كما قلنا – من مسارح النظر والفكر وكله من مواطن ومظان الاجتهاد، فكلمة إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة فيها كلام، وطبعاً هذا الحديث ضعيف ورده ابن حزم والحق معه، وأنا أقول معناه صحيح، فهو من جهة الإسناد حديث ضعيف لكن من جهة المعنى معناه صحيح بشرطٍ واحد لا ثاني له وهو أن يُراد بالأمة كل الأمة، أي كل مَن يقول “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” ويُصلي إلى قبلتنا ويأكل ذبيحتنا وإلى آخره، أي أمة محمد، وهذا ينطبق على كل الفرق الإسلامية – بفضل الله تبارك وتعالى – التي ذكرناهم مائة مرة اليوم، وهذه الأمة والله – نحن نحلف بالله – لا تجتمع على ضلالة، وقد اجتمعت بفضل الله لكنها لم تجتمع إلا على هدىً منصوص عليه بطريقة قطعية الدلالة في كتاب الله، وما اختلفت مما هو وراء ذلك فكله من مظان الاجتهاد ومسارح النظر والفكر.

نسأل أن يُعلِّمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علَّمنا وأن يزيدنا فقهاً وعلماً ورشداً، اللهم حقِّق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا.

اكفنا ما أهمنا من أمر دنيانا وأمر أُخرانا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك وأسعِدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك وخِر لنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتى لا نُحِب تأخير ما عجَّلت ولا تعجيل ما أخَّرت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اهدنا واهد بنا، وأصلِحنا وأصلِح بنا، اللهم أصلِحنا بما أصلحت به عبادك الصالحين، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۩ أصلِح ذات بيننا، ولم شعثنا واجمع شملنا ووحِّد كلمتنا وصغنا برحمتك يا أرحم الراحمين، وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات والسعادات إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

فيينا (14/6/2013)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

  • تعقيباً على جملة التعريف بالقرآن [ المتعبَّد بتلاوته ] نستنتج أن تلاوة القرآن عن حاضر ـ أي قراءة من مصحف مفتوح ـ أثناء الصلاة عبادة صحيحة تماماً و ليس كما أفهمونا بأن لا يجب القراءة في الصلاة إلا عن غايب فالعبد ( وافقت كلمة ـ العبد ـ كلمة الدكتور ـ عبد ـ في حديثه عن النظام .ـ يحب أن يطيل القراءة في الصلاة و ينوع و ربما هذا يصعب على بعض الناس بل أكثرهم إلا من قراءة عن حاضر .

%d مدونون معجبون بهذه: